القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28899_18626_20759_28741تأويل قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله )
قال
أبو جعفر : وهذا من الله عز وجل احتجاج لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي قومه من العرب ومنافقيهم ، وكفار أهل الكتاب وضلالهم الذين افتتح بقصصهم قوله جل ثناؤه : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم " وإياهم يخاطب بهذه الآيات ، وضرباءهم يعني بها ، قال الله جل ثناؤه : وإن كنتم أيها المشركون من العرب والكفار من أهل الكتابين ، في شك - وهو الريب - مما نزلنا على عبدنا
محمد صلى الله عليه وسلم من النور والبرهان وآيات الفرقان : أنه من عندي ، وأني الذي أنزلته إليه ، فلم تؤمنوا به ولم تصدقوه فيما يقول ، فأتوا بحجة تدفع حجته ، لأنكم تعلمون أن حجة كل ذي نبوة على صدقه في دعواه النبوة أن يأتي ببرهان يعجز عن أن يأتي بمثله جميع الخلق . ومن حجة
محمد صلى الله عليه وسلم على صدقه ، وبرهانه على حقيقة نبوته ، وأن ما جاء به من عندي - عجز جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم عن أن تأتوا بسورة من مثله . وإذا عجزتم عن ذلك - وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة والذرابة - فقد علمتم أن غيركم عما عجزتم عنه من ذلك أعجز . كما كان برهان من سلف من رسلي وأنبيائي على صدقه ، وحجته على نبوته من الآيات ، ما يعجز عن الإتيان بمثله جميع خلقي . فيتقرر حينئذ عندكم أن
محمدا لم يتقوله ولم يختلقه ، لأن ذلك لو كان منه اختلاقا وتقولا لم تعجزوا وجميع خلقي عن الإتيان بمثله . لأن
محمدا صلى الله عليه وسلم لم يعد أن يكون بشرا مثلكم ، وفي مثل حالكم في الجسم وبسطة الخلق وذرابة اللسان ، فيمكن أن يظن به اقتدار على ما عجزتم عنه ، أو يتوهم منكم عجز عما اقتدر عليه .
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فأتوا بسورة من مثله "
491 - فحدثنا
بشر بن معاذ ، قال : حدثنا
يزيد ، عن
سعيد ، عن
قتادة : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فأتوا بسورة من مثله " يعني : من مثل هذا القرآن حقا وصدقا ، لا باطل فيه ولا كذب .
492 - حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أنبأنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
[ ص: 374 ] معمر ، عن
قتادة في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فأتوا بسورة من مثله " يقول : بسورة مثل هذا القرآن .
493 - حدثني
محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى بن ميمون ، عن
عبد الله بن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فأتوا بسورة من مثله " مثل القرآن .
494 - حدثنا
المثنى ، قال : حدثنا
أبو حذيفة ، قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
495 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فأتوا بسورة من مثله " قال : " مثله " مثل القرآن .
فمعنى قول
مجاهد وقتادة اللذين ذكرنا عنهما : أن الله جل ذكره قال لمن حاجه في نبيه
محمد صلى الله عليه وسلم من الكفار : فأتوا بسورة من مثل هذا القرآن من كلامكم أيتها العرب ، كما أتى به
محمد بلغاتكم ومعاني منطقكم .
وقد قال قوم آخرون : إن معنى قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فأتوا بسورة من مثله " من مثل
محمد من البشر ، لأن
محمدا بشر مثلكم .
قال
أبو جعفر : والتأويل الأول الذي قاله
مجاهد وقتادة هو التأويل الصحيح؛ لأن الله جل ثناؤه قال في سورة أخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله ) [ سورة يونس : 38 ] ، ومعلوم أن السورة ليست
لمحمد بنظير ولا شبيه ، فيجوز أن يقال : فأتوا بسورة مثل
محمد .
فإن قال قائل : إنك ذكرت أن الله عنى بقوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فأتوا بسورة من مثله "
[ ص: 375 ] من مثل هذا القرآن ، فهل للقرآن من مثل فيقال : ائتوا بسورة من مثله ؟
قيل : إنه لم يعن به : ائتوا بسورة من مثله في التأليف والمعاني التي باين بها سائر الكلام غيره ، وإنما عنى : ائتوا بسورة من مثله في البيان ، لأن
nindex.php?page=treesubj&link=32264_20758القرآن أنزله الله بلسان عربي ، فكلام العرب لا شك له مثل في معنى العربية . فأما في المعنى الذي باين به القرآن سائر كلام المخلوقين ، فلا مثل له من ذلك الوجه ولا نظير ولا شبيه .
وإنما احتج الله جل ثناؤه عليهم لنبيه صلى الله عليه وسلم بما احتج به له عليهم من القرآن ، إذ ظهر عجز القوم عن أن يأتوا بسورة من مثله في البيان ، إذ كان القرآن بيانا مثل بيانهم ، وكلاما نزل بلسانهم ، فقال لهم جل ثناؤه : وإن كنتم في ريب من أن ما أنزلت على عبدي من القرآن من عندي ، فأتوا بسورة من كلامكم الذي هو مثله في العربية ، إذ كنتم عربا ، وهو بيان نظير بيانكم ، وكلام شبيه كلامكم . فلم يكلفهم جل ثناؤه أن يأتوا بسورة من غير اللسان الذي هو نظير اللسان الذي نزل به القرآن ، فيقدروا أن يقولوا : كلفتنا ما لو أحسناه أتينا به ، وإنا لا نقدر على الإتيان به لأنا لسنا من أهل اللسان الذي كلفتنا الإتيان به ، فليس لك علينا بهذا حجة . لأنا وإن عجزنا عن أن نأتي بمثله من غير ألسنتنا ؛ لأنا لسنا من أهله ، ففي الناس خلق كثير من غير أهل لساننا يقدر على أن يأتي بمثله من اللسان الذي كلفتنا الإتيان به . ولكنه جل ثناؤه قال لهم : ائتوا بسورة مثله ، لأن مثله من الألسن ألسنكم ، وأنتم - إن كان
محمد اختلقه وافتراه إذا اجتمعتم وتظاهرتم على الإتيان بمثل سورة منه من لسانكم وبيانكم -
[ ص: 376 ] أقدر على اختلاقه ورصفه وتأليفه من
محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن لم تكونوا أقدر عليه منه ، فلن تعجزوا - وأنتم جميع - عما قدر عليه
محمد من ذلك وهو وحيد ، إن كنتم صادقين في دعواكم وزعمكم أن
محمدا افتراه واختلقه ، وأنه من عند غيري .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28899_18626_20759_28741تَأْوِيلِ قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ احْتِجَاجٌ لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُشْرِكِي قَوْمِهِ مِنَ الْعَرَبِ وَمُنَافِقِيهِمْ ، وَكُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَضُلَّالِهِمُ الَّذِينَ افْتَتَحَ بِقِصَصِهِمْ قَوْلَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ " وَإِيَّاهُمْ يُخَاطِبُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ ، وَضُرَبَاءَهُمْ يَعْنِي بِهَا ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنْ كُنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْعَرَبِ وَالْكُفَّارُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ ، فِي شَكٍّ - وَهُوَ الرَّيْبُ - مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النُّورِ وَالْبُرْهَانِ وَآيَاتِ الْفُرْقَانِ : أَنَّهُ مِنْ عِنْدِي ، وَأَنِّي الَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْهِ ، فَلَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ وَلَمْ تُصَدِّقُوهُ فِيمَا يَقُولُ ، فَأْتُوْا بِحُجَّةٍ تَدْفَعُ حُجَّتَهُ ، لِأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حُجَّةَ كُلِّ ذِي نُبُوَّةٍ عَلَى صِدْقِهِ فِي دَعْوَاهُ النُّبُوَّةَ أَنْ يَأْتِيَ بِبُرْهَانٍ يَعْجِزُ عَنْ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ جَمِيعُ الْخَلْقِ . وَمِنْ حُجَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صِدْقِهِ ، وَبُرْهَانِهِ عَلَى حَقِيقَةِ نُبُوَّتِهِ ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِي - عَجْزُ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ مَنْ تَسْتَعِينُونَ بِهِ مِنْ أَعْوَانِكُمْ وَأَنْصَارِكُمْ عَنْ أَنْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ . وَإِذَا عَجَزْتُمْ عَنْ ذَلِكَ - وَأَنْتُمْ أَهْلُ الْبَرَاعَةِ فِي الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَالذَّرَابَةِ - فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ غَيْرَكُمْ عَمَّا عَجَزْتُمْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ أَعْجَزُ . كَمَا كَانَ بُرْهَانُ مَنْ سَلَفَ مِنْ رُسُلِي وَأَنْبِيَائِي عَلَى صِدْقِهِ ، وَحُجَّتُهُ عَلَى نُبُوَّتِهِ مِنَ الْآيَاتِ ، مَا يَعْجِزُ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ جَمِيعُ خَلْقِي . فَيَتَقَرَّرُ حِينَئِذٍ عِنْدَكُمْ أَنَّ
مُحَمَّدًا لَمْ يَتَقَوَّلْهُ وَلَمْ يَخْتَلِقْهُ ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مِنْهُ اخْتِلَاقًا وَتَقَوُّلًا لَمْ تَعْجِزُوا وَجَمِيعُ خَلْقِي عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ . لِأَنَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْدُ أَنْ يَكُونَ بَشَرًا مِثْلَكُمْ ، وَفِي مِثْلِ حَالِكُمْ فِي الْجِسْمِ وَبَسْطَةِ الْخَلْقِ وَذَرَابَةِ اللِّسَانِ ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ اقْتِدَارٌ عَلَى مَا عَجَزْتُمْ عَنْهُ ، أَوْ يُتَوَهَّمَ مِنْكُمْ عَجْزٌ عَمَّا اقْتَدَرَ عَلَيْهِ .
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ "
491 - فَحَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ ، عَنْ
سَعِيدٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ " يَعْنِي : مِنْ مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ حَقًّا وَصِدْقًا ، لَا بَاطِلَ فِيهِ وَلَا كَذِبَ .
492 - حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : أَنْبَأَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
[ ص: 374 ] مَعْمَرٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ " يَقُولُ : بِسُورَةٍ مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ .
493 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَاهِلِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، عَنْ
عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ " مِثْلِ الْقُرْآنِ .
494 - حَدَّثَنَا
الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو حُذَيْفَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
شِبْلٌ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، مِثْلَهُ .
495 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ " قَالَ : " مِثْلِهِ " مِثْلِ الْقُرْآنِ .
فَمَعْنَى قَوْلِ
مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا عَنْهُمَا : أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ قَالَ لِمَنْ حَاجَّهُ فِي نَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكُفَّارِ : فَأَتَوْا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كَلَامِكُمْ أَيَّتُهَا الْعَرَبُ ، كَمَا أَتَى بِهِ
مُحَمَّدٌ بِلُغَاتِكُمْ وَمَعَانِي مَنْطِقِكُمْ .
وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ آخَرُونَ : إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ " مِنْ مِثْلِ
مُحَمَّدٍ مِنَ الْبَشَرِ ، لِأَنَّ
مُحَمَّدًا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ الَّذِي قَالَهُ
مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ هُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ فِي سُورَةٍ أُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ) [ سُورَةُ يُونُسَ : 38 ] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ السُّورَةَ لَيْسَتْ
لِمُحَمَّدٍ بِنَظِيرٍ وَلَا شَبِيهٍ ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِ
مُحَمَّدٍ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : إِنَّكَ ذَكَرْتَ أَنَّ اللَّهَ عَنَى بِقَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ "
[ ص: 375 ] مِنْ مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ ، فَهَلْ لِلْقُرْآنِ مِنْ مِثْلٍ فَيُقَالُ : ائْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ؟
قِيلَ : إِنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِهِ : ائْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مَثْلِهِ فِي التَّأْلِيفِ وَالْمَعَانِي الَّتِي بَايَنَ بِهَا سَائِرَ الْكَلَامِ غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا عَنَى : ائْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فِي الْبَيَانِ ، لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32264_20758الْقُرْآنَ أَنْزَلَهُ اللَّهُ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ ، فَكَلَامُ الْعَرَبِ لَا شَكَّ لَهُ مِثْلٌ فِي مَعْنَى الْعَرَبِيَّةِ . فَأَمَّا فِي الْمَعْنَى الَّذِي بَايَنَ بِهِ الْقُرْآنُ سَائِرَ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ ، فَلَا مِثْلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَلَا نَظِيرَ وَلَا شَبِيهَ .
وَإِنَّمَا احْتَجَّ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِمْ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا احْتَجَّ بِهِ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ ، إِذْ ظَهَرَ عَجْزُ الْقَوْمِ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فِي الْبَيَانِ ، إِذْ كَانَ الْقُرْآنُ بَيَانًا مِثْلَ بَيَانِهِمْ ، وَكَلَامًا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ ، فَقَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ أَنَّ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى عَبْدِي مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ عِنْدِي ، فَأْتُوْا بِسُورَةٍ مِنْ كَلَامِكُمُ الَّذِي هُوَ مِثْلُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ ، إِذْ كُنْتُمْ عَرَبًا ، وَهُوَ بَيَانٌ نَظِيرُ بَيَانِكُمْ ، وَكَلَامٌ شَبِيهُ كَلَامِكُمْ . فَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ غَيْرِ اللِّسَانِ الَّذِي هُوَ نَظِيرُ اللِّسَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ ، فَيَقْدِرُوا أَنْ يَقُولُوا : كَلَّفَتْنَا مَا لَوْ أَحْسَنَّاهُ أَتَيْنَا بِهِ ، وَإِنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ لِأَنَّا لَسْنَا مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ الَّذِي كَلَّفْتَنَا الْإِتْيَانَ بِهِ ، فَلَيْسَ لَكَ عَلَيْنَا بِهَذَا حُجَّةٌ . لِأَنَّا وَإِنْ عَجْزَنَا عَنْ أَنْ نَأْتِيَ بِمِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَلْسِنَتِنَا ؛ لِأَنَّا لَسْنَا مِنْ أَهْلِهِ ، فَفِي النَّاسِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ لِسَانِنَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ مِنَ اللِّسَانِ الَّذِي كَلَّفْتَنَا الْإِتْيَانَ بِهِ . وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لَهُمُ : ائْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ، لِأَنَّ مِثْلَهُ مِنَ الْأَلْسُنِ أَلْسُنُكُمْ ، وَأَنْتُمْ - إِنْ كَانَ
مُحَمَّدٌ اخْتَلَقَهُ وَافْتَرَاهُ إِذَا اجْتَمَعْتُمْ وَتَظَاهَرْتُمْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ سُورَةٍ مِنْهُ مِنْ لِسَانِكُمْ وَبَيَانِكُمْ -
[ ص: 376 ] أَقْدَرُ عَلَى اخْتِلَاقِهِ وَرَصْفِهِ وَتَأْلِيفِهِ مِنْ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أَقْدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُ ، فَلَنْ تَعْجِزُوا - وَأَنْتُمْ جَمِيعٌ - عَمَّا قَدَرَ عَلَيْهِ
مُحَمَّدٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ وَحِيدٌ ، إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي دَعْوَاكُمْ وَزَعْمِكُمْ أَنَّ
مُحَمَّدًا افْتَرَاهُ وَاخْتَلَقَهُ ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِي .