القول في وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار )
قال تأويل قوله : ( أبو جعفر : أما قوله تعالى : " وبشر " فإنه يعني : أخبرهم . أصلها الخبر بما يسر به المخبر ، إذا كان سابقا به كل مخبر سواه . والبشارة
وهذا أمر من الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بإبلاغ بشارته خلقه الذين آمنوا به وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند ربه ، وصدقوا إيمانهم ذلك وإقرارهم بأعمالهم الصالحة ، فقال له : يا محمد ، بشر من صدقك أنك رسولي ، وأن ما جئت به من الهدى والنور فمن عندي ، وحقق تصديقه ذلك قولا بأداء الصالح من الأعمال التي افترضتها عليه ، وأوجبتها في كتابي على لسانك عليه ، أن له جنات تجري من تحتها الأنهار خاصة ، دون من كذب بك وأنكر ما جئته به من الهدى من عندي وعاندك ، ودون من أظهر تصديقك ، وأقر [ ص: 384 ] أن ما جئته به فمن عندي قولا وجحده اعتقادا ، ولم يحققه عملا . فإن لأولئك النار التي وقودها الناس والحجارة ، معدة عندي . والجنات : جمع جنة ، والجنة البستان .
وإنما عنى جل ذكره بذكر الجنة : ما في الجنة من أشجارها وثمارها وغروسها ، دون أرضها ، ولذلك قال عز ذكره " : تجري من تحتها الأنهار " لأنه معلوم أنه إنما أراد جل ثناؤه الخبر عن ماء أنهارها أنه جار تحت أشجارها وغروسها وثمارها ، لا أنه جار تحت أرضها ، لأن الماء إذا كان جاريا تحت الأرض ، فلا حظ فيها لعيون من فوقها إلا بكشف الساتر بينها وبينه . على أن الذي توصف به أنهار الجنة ، أنها جارية في غير أخاديد .
509 - كما حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن مسروق ، قال : نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها ، وثمرها أمثال القلال ، كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى ، وماؤها يجري في غير أخدود .
510 - حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا مسعر بن كدام ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، بنحوه .
511 - وحدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار ، ابن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : سمعت عمرو بن مرة يحدث ، عن أبي عبيدة - فذكر مثله - قال : فقلت لأبي عبيدة : من حدثك ؟ فغضب ، وقال : مسروق . [ ص: 385 ]
فإذا كان الأمر كذلك ، في أن أنهارها جارية في غير أخاديد ، فلا شك أن الذي أريد بالجنات أشجار الجنات وغروسها وثمارها دون أرضها ، إذ كانت أنهارها تجري فوق أرضها وتحت غروسها وأشجارها ، على ما ذكره مسروق . وذلك أولى بصفة الجنة من أن تكون أنهارها جارية تحت أرضها .
وإنما رغب الله جل ثناؤه بهذه الآية عباده في الإيمان ، وحضهم على عبادته بما أخبرهم أنه أعده لأهل طاعته والإيمان به عنده ، كما حذرهم في الآية التي قبلها بما أخبر من إعداده ما أعد لأهل الكفر به - الجاعلين معه الآلهة والأنداد - من عقابه عن إشراك غيره معه ، والتعرض لعقوبته بركوب معصيته وترك طاعته .