الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
5451 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16475عبد الله بن يوسف أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد عن nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=655342أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=treesubj&link=17681_32503_32504لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا
[ ص: 270 ]
[ ص: 270 ] قوله : ( باب من جر ثوبه من الخيلاء ) أي بسبب الخيلاء ، أورد فيه ثلاثة أحاديث :
الأول حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=842455لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا ومثله nindex.php?page=showalam&ids=14724لأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي في حديث أبي سعيد المذكور قريبا . والبطر بموحدة ومهملة مفتوحتين قال عياض : جاء في الرواية " بطرا " بفتح الطاء على المصدر وبكسرها على الحال من فاعل جر أي جره تكبرا وطغيانا ، وأصل البطر الطغيان عند النعمة ، واستعمل بمعنى التكبر . وقال الراغب : أصل البطر دهش يعتري المرء عند هجوم النعمة عن القيام بحقها .
قوله : ( لا ينظر الله ) أي لا يرحمه ، فالنظر إذا أضيف إلى الله كان مجازا ، وإذا أضيف إلى المخلوق كان كناية ، ويحتمل أن يكون المراد لا ينظر الله إليه نظر رحمة . وقال شيخنا في " شرح الترمذي " عبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه ومن نظر إلى متكبر مقته ، فالرحمة والمقت متسببان عن النظر . وقال الكرماني : نسبة النظر لمن يجوز عليه النظر كناية ، لأن من اعتد بالشخص التفت إليه ، ثم كثر حتى صار عبارة عن الإحسان وإن لم يكن هناك نظر ، ولمن لا يجوز عليه حقيقة النظر وهو تقليب الحدقة والله منزه عن ذلك ، فهو بمعنى الإحسان مجاز عما وقع في حق غيره كناية ، وقوله : يوم القيامة إشارة إلى أنه محل الرحمة المستمرة ، بخلاف رحمة الدنيا فإنها قد تنقطع بما يتجدد من الحوادث . ويؤيد ما ذكر من حمل النظر على الرحمة أو المقت ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وأصله في أبي داود من حديث أبي جري nindex.php?page=hadith&LINKID=842456إن رجلا ممن كان قبلكم لبس بردة فتبختر فيها ، فنظر الله إليه فمقته ، فأمر الأرض فأخذته الحديث .
قوله : ( من ) يتناول الرجال والنساء في الوعيد المذكور على هذا الفعل المخصوص ، وقد فهمت ذلك أم سلمة - رضي الله عنها فأخرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وصححه من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر متصلا بحديثه المذكور في الباب الأول " فقالت أم سلمة : nindex.php?page=hadith&LINKID=842457فكيف تصنع النساء بذيولهن ؟ فقال : يرخين شبرا ، فقالت : إذا تنكشف أقدامهن ; قال : فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه " لفظ الترمذي . وقد عزا بعضهم هذه الزيادة لمسلم فوهم ، فإنها ليست عنده ، وكأن مسلما أعرض عن هذه الزيادة للاختلاف فيها على نافع ، فقد أخرجه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وغيرهما من طريق عبيد الله بن عمر عن سليمان بن يسار عن أم سلمة ، وأخرجه أبو داود من طريق أبي بكر بن نافع nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من طريق أيوب بن موسى nindex.php?page=showalam&ids=16903ومحمد بن إسحاق ثلاثتهم عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أم سلمة ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير عن نافع عن أم سلمة نفسها وفيه اختلافات أخرى ، ومع ذلك فله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه أبو داود من رواية أبي الصديق عن ابن عمر قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=842458رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمهات المؤمنين شبرا ، ثم استزدنه فزادهن شبرا ، فكن يرسلن إلينا فنذرع لهن ذراعا " وأفادت هذه الرواية قدر الذراع المأذون فيه وأنه شبران بشبر اليد المعتدلة ، ويستفاد من هذا الفهم التعقب على من قال : إن الأحاديث المطلقة في nindex.php?page=treesubj&link=17680الزجر عن الإسبال مقيدة بالأحاديث الأخرى المصرحة بمن فعله خيلاء ، قال النووي : ظواهر الأحاديث في تقييدها بالجر خيلاء يقتضي أن التحريم مختص بالخيلاء ، ووجه التعقب أنه لو كان كذلك لما كان في استفسار أم سلمة عن nindex.php?page=treesubj&link=17684حكم النساء في جر ذيولهن معنى ، بل فهمت الزجر عن الإسبال مطلقا سواء كان عن مخيلة أم لا ، فسألت عن حكم النساء في ذلك لاحتياجهن إلى الإسبال من أجل ستر العورة ، لأن جميع قدمها عورة ، فبين لها أن حكمهن في ذلك خارج عن حكم الرجال في هذا المعنى فقط وقد نقل عياض الإجماع على أن المنع في حق الرجال دون النساء ، ومراده منع الإسبال لتقريره - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة على فهمها . إلا أنه بين لها أنه عام مخصوص لتفرقته في الجواب بين الرجال والنساء في الإسبال ، وتبيينه [ ص: 271 ] القدر الذي يمنع ما بعده في حقهن كما بين ذلك في حق الرجال . والحاصل أن للرجال حالين : حال استحباب ، وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق وحال جواز وهو إلى الكعبين . وكذلك للنساء حالان حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر وحال جواز بقدر ذراع . ويؤيد هذا التفصيل في حق النساء ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في " الأوسط " من طريق معتمر عن حميد عن أنس " nindex.php?page=hadith&LINKID=840563أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبر لفاطمة من عقبها شبرا وقال : هذا ذيل المرأة " وأخرجه أبو يعلى بلفظ " nindex.php?page=hadith&LINKID=842459شبر من ذيلها شبرا أو شبرين وقال لا تزدن على هذا " ولم يسم فاطمة . قال nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : تفرد به معتمر عن حميد . قلت : و " أو " شك من الراوي ، والذي جزم بالشبر هو المعتمد ، ويؤيده ما أخرجه الترمذي من حديث أم سلمة " nindex.php?page=hadith&LINKID=840564أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبر لفاطمة شبرا " ويستنبط من سياق الأحاديث أن التقييد بالجر خرج للغالب ، وأن البطر والتبختر مذموم ولو لمن شمر ثوبه ، والذي يجتمع من الأدلة أن من قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه مستحضرا لها شاكرا عليها غير محتقر لمن ليس له مثله لا يضره ما لبس من المباحات ، ولو كان في غاية النفاسة . ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود " nindex.php?page=hadith&LINKID=840558أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، فقال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس " . وقوله : " وغمط " بفتح المعجمة وسكون الميم ثم مهملة : الاحتقار . وأما ما أخرجه الطبري من حديث علي " nindex.php?page=hadith&LINKID=842460إن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك صاحبه " فيدخل في قوله - تعالى - : nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=83تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض الآية فقد جمع الطبري بينه وبين حديث ابن مسعود بأن حديث علي محمول على من أحب ذلك ليتعظم به على صاحبه ، لا من أحب ذلك ابتهاجا بنعمة الله عليه ، فقد أخرج الترمذي وحسنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=842461إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وله شاهد عند أبي يعلى من حديث أبي سعيد ، وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وأبو داود وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من حديث أبي الأحوص عوف بن مالك الجشمي عن أبيه " nindex.php?page=hadith&LINKID=842462إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له ورآه رث الثياب : إذا آتاك الله مالا فلير أثره عليك " أي بأن يلبس ثيابا تليق بحاله من النفاسة والنظافة ليعرفه المحتاجون للطلب منه ، مع مراعاة القصد وترك الإسراف جمعا بين الأدلة .
( تكملة ) : الرجل الذي أبهم في حديث ابن مسعود هو سواد بن عمرو الأنصاري ، وأخرجه الطبري من طريقه ، ووقع ذلك لجماعة غيره .