الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5722 حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن صفوان بن محرز أن رجلا سأل ابن عمر كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى قال يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول عملت كذا وكذا فيقول نعم ويقول عملت كذا وكذا فيقول نعم فيقرره ثم يقول إني سترت عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن صفوان بن محرز ) في رواية شيبان عن قتادة " حدثنا صفوان " وتقدم التنبيه عليها في تفسير سورة هود ، وصفوان مازني بصري وأبوه بضم أوله وسكون المهملة وكسر الراء ثم الزاي ما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في بدء الخلق عنه عن عمران بن حصين وقد ذكرهما في عدة مواضع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن رجلا سأل ابن عمر ) في رواية همام عن قتادة الماضية في المظالم عن صفوان قال " بينما أنا أمشي مع ابن عمر آخذ بيده " وفي رواية سعيد وهشام عن قتادة في تفسير هود " بينما ابن عمر يطوف إذ عرض له رجل " ولم أقف على اسم السائل لكن يمكن أن يكون هو سعيد بن جبير فقد أخرج الطبراني من طريقه قال " قلت لابن عمر حدثني " فذكر الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كيف سمعت ) في رواية سعيد وهشام " فقال يا أبا عبد الرحمن " وهي كنية عبد الله بن عمر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كيف سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في النجوى ) هي ما تكلم به المرء يسمع نفسه ولا يسمع غيره ، أو يسمع غيره سرا دون من يليه ، قال الراغب : ناجيته إذا ساررته ، وأصله أن تخلو في نجوة من الأرض ، وقيل أصله من النجاة وهي أن تنجو بسرك من أن يطلع عليه ، والنجوى أصله المصدر ، وقد يوصف بها فيقال هو نجوى وهم نجوى ، والمراد بها هنا المناجاة التي تقع من الرب - سبحانه وتعالى - يوم القيامة مع المؤمنين ، وقال الكرماني : أطلق على ذلك النجوى لمقابلة مخاطبة الكفار على رءوس الأشهاد هناك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يدنو أحدكم من ربه ) في رواية سعيد بن أبي عروبة يدنو المؤمن من ربه أي يقرب منه قرب كرامة وعلو منزلة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى يضع كنفه ) بفتح الكاف والنون بعدها فاء أي جانبه ، والكنف أيضا الستر وهو المراد هنا ، والأول مجاز في حق الله - تعالى - كما يقال فلان في كنف فلان أي في حمايته وكلاءته . وذكر عياض أن بعضهم صحفه تصحيفا شنيعا فقال بالمثناة بدل النون ويؤيد الرواية الصحيحة أنه وقع في رواية سعيد بن جبير بلفظ يجعله في حجابه زاد في رواية همام وستره .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 504 ] قوله : ( فيقول عملت كذا وكذا ) في رواية همام فيقول أتعرف ذنب كذا وكذا زاد في رواية سعيد وهشام فيقرره بذنوبه وفي رواية سعيد بن جبير فيقول له اقرأ صحيفتك فيقرأ ، ويقرره بذنب ذنب ، ويقول أتعرف أتعرف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فيقول نعم ) زاد في رواية همام أي رب وفي رواية سعيد وهشام فيقول أعرف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم يقول إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ) في رواية سعيد بن جبير فيلتفت يمنة ويسرة فيقول : لا بأس عليك إنك في ستري لا يطلع على ذنوبك غيري زاد همام وسعيد وهشام في روايتهم فيعطى كتاب حسناته ووقع في بعض روايات سعيد وهشام فيطوى وهو خطأ ، وفي رواية سعيد بن جبير اذهب فقد غفرتها لك ووقع عند الثلاثة وأما الكافر والمنافق ولبعضهم الكفار والمنافقون وفي رواية سعيد وهشام وأما الكافر فينادى على رءوس الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله على الظالمين وقد تقدم في تفسير هود أن الأشهاد جمع شاهد مثل أصحاب وصاحب ، وهو أيضا جمع شهيد كشريف وأشراف ، قال المهلب : في الحديث تفضل الله على عباده بستره لذنوبهم يوم القيامة ، وأنه يغفر ذنوب من شاء منهم ، بخلاف قول من أنفذ الوعيد على أهل الإيمان لأنه لم يستثن في هذا الحديث ممن يضع عليه كنفه وستره أحدا إلا الكفار والمنافقين فإنهم الذين ينادى عليهم على رءوس الأشهاد باللعنة . قلت : قد استشعر البخاري هذا فأورد في كتاب المظالم هذا الحديث ومعه حديث أبي سعيد إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار يتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الحنة الحديث ، فدل هذا الحديث على أن المراد بالذنوب في حديث ابن عمر ما يكون بين المرء وربه - سبحانه وتعالى - دون مظالم العباد ، فمقتضى الحديث أنها تحتاج إلى المقاصصة ، ودل حديث الشفاعة أن بعض المؤمنين من العصاة يعذب بالنار ثم يخرج منها بالشفاعة كما تقدم تقريره في كتاب الإيمان ، فدل مجموع الأحاديث على أن العصاة من المؤمنين في القيامة على قسمين : أحدهما من معصيته بينه وبين ربه ، فدل حديث ابن عمر على أن هذا القسم على قسمين : قسم تكون معصيته مستورة في الدنيا فهذا الذي يسترها الله عليه في القيامة وهو بالمنطوق ، وقسم تكون معصيته مجاهرة فدل مفهومه على أنه بخلاف ذلك . والقسم الثاني من تكون معصيته بينه وبين العباد فهم على قسمين أيضا : قسم ترجح سيئاتهم على حسناتهم فهؤلاء يقعون في النار ثم يخرجون بالشفاعة ، وقسم تتساوى سيئاتهم وحسناتهم فهؤلاء لا يدخلون الجنة حتى يقع بينهم التقاص كما دل عليه حديث أبي سعيد ، وهذا كله بناء على ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة [1] أن يفعله باختياره ، وإلا فلا يجب على الله شيء وهو يفعل في عباده ما يشاء .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية