nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199nindex.php?page=treesubj&link=28978_20043_32489خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين
أشبعت هذه السورة من أفانين قوارع المشركين وعظتهم وإقامة الحجة عليهم ، وبعثتهم على التأمل والنظر في دلائل وحدانية الله وصدق رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهدى دينه وكتابه وفضح ضلال المشركين وفساد معتقدهم والتشويه بشركائهم ، وقد تخلل ذلك كله لتسجيل بمكابرتهم ، والتعجيب منهم كيف يركبون رءوسهم ، وكيف ينأون بجانبهم ، وكيف يصمون أسماعهم ، ويغمضون أبصارهم عما دعوا إلى سماعه وإلى النظر فيه ، ونظرت أحوالهم بأحوال الأمم الذين كذبوا من قبلهم ،
[ ص: 226 ] وكفروا نعمة الله فحل بهم ما حل من أصناف العذاب ، وأنذر هؤلاء بأن يحل بهم ما حل بأولئك ، ثم أعلن باليأس من ارعوائهم ، وبانتظار ما سيحل بهم من العذاب بأيدي المؤمنين ، وبتثبيت الرسول والمؤمنين وتبشيرهم والثناء على ما هم عليه من الهدى ، فكان من ذلك كله عبرة للمتبصرين ، ومسلاة للنبيء وللمسلمين ، وتنويه بفضلهم . وإذ قد كان من شأن ذلك أن يثير في أنفس المسلمين كراهية أهل الشرك ، وتحفزهم للانتقام منهم ومجافاتهم والإعراض عن دعائهم إلى الخير ، لا جرم شرع في استئناف غرض جديد ، يكون ختاما لهذا الخوض البديع ، وهو غرض
nindex.php?page=treesubj&link=19581_20036أمر الرسول والمؤمنين بقلة المبالاة بجفاء المشركين وصلابتهم ، وبأن يسعوهم من عفوهم والدأب على محاولة هديهم والتبليغ إليهم بقوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خذ العفو وأمر بالعرف " الآيات .
والأخذ حقيقته تناول شيء للانتفاع به أو لإضراره ، كما يقال : أخذت العدو من تلابيبه ، ولذلك يقال في الأسير أخيذ ، ويقال للقوم إذا أسروا : أخذوا ، واستعمل هنا مجازا فاستعير للتلبس بالوصف والفعل من بين أفعال لو شاء لتلبس بها ، فيشبه ذلك التلبس واختياره على تلبس آخر بأخذ شيء من بين عدة أشياء ، فمعنى خذ العفو : عامل به واجعله وصفا ولا تتلبس بضده . وأحسب استعارة الأخذ للعفو من مبتكرات القرآن ، ولذلك أرجح أن البيت المشهور وهو : خذي العفو مني تستديمي مودتـي ولا تنطقي في سورتي حين أغضب هو
nindex.php?page=showalam&ids=11822لأبي الأسود الدؤلي ، وأنه اتبع استعمال القرآن ، وأن نسبته إلى
nindex.php?page=showalam&ids=866أسماء بن خارجة الفزازي أو إلى
حاتم الطائي غير صحيحة .
و العفو الصفح عن ذنب المذنب وعدم مؤاخذته بذنبه وقد تقدم عند قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره في سورة البقرة ، والمراد به هنا ما يعم العفو عن المشركين وعدم مؤاخذتهم بجفائهم ومساءتهم الرسول والمؤمنين .
وقد عمت الآية
nindex.php?page=treesubj&link=20033صور العفو كلها : لأن التعريف في العفو تعريف الجنس فهو مفيد للاستغراق إذا لم يصلح غيره من معنى الحقيقة والعهد ، فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن
[ ص: 227 ] يعفو ويصفح وذلك بعدم المؤاخذة بجفائهم وسوء خلقهم ، فلا يعاقبهم ولا يقابلهم بمثل صنيعهم كما قال - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم ، ولا يخرج عن هذا العموم من أنواع العفو أزمانه وأحواله إلا ما أخرجته الأدلة الشرعية مثل العفو عن القاتل غيلة ، ومثل العفو عن انتهاك حرمات الله ، والرسول أعلم بمقدار ما يخص من هذا العموم وقد يبينه الكتاب والسنة ، وألحق به ما يقاس على ذلك المبين ، وفي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199وأمر بالعرف ضابط عظيم لمقدار تخصيص الأمر بالعفو .
ثم
nindex.php?page=treesubj&link=20033العفو عن المشركين المقصود هنا أسبق أفراد هذا العموم إلى الذهن من بقيتها ، ولم يفهم السلف من الآية غير العموم ، ففي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قدم
عيينة بن حصن المدينة فنزل على ابن أخيه
الحر بن قيس وكان
الحر بن قيس من النفر الذين يدنيهم
عمر ، وكان القراء أصحاب مجالس
عمر ومشاورته ، فقال
عيينة لابن أخيه : لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه ، فاستأذن الحر
لعيينة فأذن له
عمر ، فلما دخل عليه قال : " هيه يا
ابن الخطاب ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم بيننا بالعدل " فغضب
عمر حتى هم أن يوقع به ، فقال له الحر : " يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها
عمر حين تلاها عليه وكان وقافا عند كتاب الله . وفيه عن
عبد الله بن الزبير قال : " ما أنزل الله ذلك إلا في أخلاق الناس " ومن قال أن هذه الآية نسختها آيات القتال فقد وهم : لأن العفو باب آخر ، وأما القتال فله أسبابه ، ولعله أراد من النسخ ما يشمل معنى البيان أو التخصيص في اصطلاح أصول الفقه .
و
nindex.php?page=treesubj&link=27363العرف اسم مرادف للمعروف من الأعمال وهو الفعل الذي تعرفه النفوس أي لا تنكره إذا خليت وشأنها بدون غرض لها في ضده ، وقد دل على مرادفته للمعروف قول
النابغة : فلا النكر معروف ولا العرف ضائع
فقابل النكر بالعرف ، وقد تقدم بيانه عند قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر في سورة آل عمران .
[ ص: 228 ] nindex.php?page=treesubj&link=21055والأمر يشمل النهي عن الضد ، فإن النهي عن المنكر أمر بالمعروف ، والأمر بالمعروف نهي عن المنكر ، لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده ، فالاجتزاء بالأمر بالعرف عن النهي عن المنكر من الإيجاز ، وإنما اقتصر على الأمر بالعرف هنا : لأنه الأهم في دعوة المشركين لأنه يدعوهم إلى أصول المعروف واحدا بعد واحد ، كما ورد في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل nindex.php?page=hadith&LINKID=10341833حين أرسله إلى أهل اليمن فانه أمره أن يدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ثم قال : فإن هم طاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات ولو كانت دعوة المشركين مبتدأة بالنهي عن المنكر لنفروا ولمل الداعي لأن المناكير غالبة عليهم ومحدقة بهم . ويدخل في الأمر بالعرف الاتسام به والتخلق بخلقه : لأن شأن الآمر بشيء أن يكون متصفا بمثله ، وإلا فقد تعرض للاستخفاف ، على أن الآمر يبدأ بنفسه فيأمرها كما قال
أبو الأسود :
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
على أن خطاب القرآن الناس بأن يأمروا بشيء يعتبر أمرا للمخاطب بذلك الشيء وهي المسألة المترجمة في أصول الفقه بأن الأمر بالأمر بالشيء هو أمر بذلك الشيء .
والتعريف في العرف كالتعريف في العفو يفيد الاستغراق .
وحذف مفعول الأمر لإفادة عموم المأمورين والله يدعو إلى دار السلام ، أمر الله رسوله بأن يأمر الناس كلهم بكل خير وصلاح فيدخل في هذا العموم المشركون دخولا أوليا لأنهم سبب الأمر بهذا العموم ، أي لا يصدنك إعراضهم عن إعادة إرشادهم ، وهذا كقوله - تعالى - فأعرض عنهم وعظهم .
والإعراض : إدارة الوجه عن النظر للشيء ، مشتق من العارض وهو الخد ، فإن الذي يلتفت لا ينظر إلى الشيء ، وقد فسر ذلك في قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=83أعرض ونأى بجانبه وهو هنا مستعار لعدم المؤاخذة بما يسوء من أحد ، شبه عدم المؤاخذة على العمل بعدم الالتفات إليه في كونه لا يترتب عليه أثر العلم به لأن شأن العلم به أن تترتب عليه المؤاخذة .
و " الجهل " هنا ضد الحلم والرشد ، وهو أشهر إطلاق الجهل في كلام العرب قبل الإسلام ، فالمراد بالجاهلين السفهاء كلهم لأن التعريف فيه للاستغراق ، وأعظم
[ ص: 229 ] الجهل هو الإشراك ، إذ اتخاذ الحجر إلها سفاهة لا تعدلها سفاهة ، ثم يشمل كل سفيه رأي . وكذلك ، فهم منها
الحر بن قيس في الخبر المتقدم آنفا وأقره
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب على ذلك الفهم .
وقد جمعت هذه الآية مكارم الأخلاق لأن
nindex.php?page=treesubj&link=19510فضائل الأخلاق لا تعدو أن تكون عفوا عن اعتداء فتدخل في خذ العفو ، أو إغضاء عما لا يلائم فتدخل في وأعرض عن الجاهلين ، أو فعل خير واتساما بفضيلة فتدخل في
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199وأمر بالعرف كما تقدم من الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء ، وهذا معنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد : " في هذه الآية أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق ، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها ، وهي صالحة لأن يبين بعضها بعضا ، فإن الأمر بأخذ العفو يتقيد بوجوب الأمر بالعرف ، وذلك في كل ما لا يقبل العفو والمسامحة من الحقوق ، وكذلك الأمر بالعرف يتقيد بأخذ العفو وذلك بأن يدعو الناس إلى الخير بلين ورفق " .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199nindex.php?page=treesubj&link=28978_20043_32489خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
أَشْبَعَتْ هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ أَفَانِينِ قَوَارِعِ الْمُشْرِكِينَ وَعِظَتِهِمْ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ ، وَبَعَثَتْهُمْ عَلَى التَّأَمُّلِ وَالنَّظَرِ فِي دَلَائِلِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَصِدْقِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُدَى دِينِهِ وَكِتَابِهِ وَفَضْحِ ضَلَالِ الْمُشْرِكِينَ وَفَسَادِ مُعْتَقَدِهِمْ وَالتَّشْوِيهِ بِشُرَكَائِهِمْ ، وَقَدْ تَخَلَّلَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِتَسْجِيلٍ بِمُكَابَرَتِهِمْ ، وَالتَّعْجِيبِ مِنْهُمْ كَيْفَ يَرْكَبُونَ رُءُوسَهُمْ ، وَكَيْفَ يَنْأَوْنَ بِجَانِبِهِمْ ، وَكَيْفَ يُصِمُّونَ أَسْمَاعَهُمْ ، وَيُغْمِضُونَ أَبْصَارَهُمْ عَمَّا دُعُوا إِلَى سَمَاعِهِ وَإِلَى النَّظَرِ فِيهِ ، وَنُظِرَتْ أَحْوَالُهُمْ بِأَحْوَالِ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا مِنْ قَبْلِهِمْ ،
[ ص: 226 ] وَكَفَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ فَحَلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ مِنْ أَصْنَافِ الْعَذَابِ ، وَأَنْذَرَ هَؤُلَاءِ بِأَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِأُولَئِكَ ، ثُمَّ أَعْلَنَ بِالْيَأْسِ مِنَ ارْعِوَائِهِمْ ، وَبِانْتِظَارِ مَا سَيَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ، وَبِتَثْبِيتِ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَتَبْشِيرِهِمْ وَالثَّنَاءِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْهُدَى ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عِبْرَةٌ لِلْمُتَبَصِّرِينَ ، وَمَسْلَاةٌ لِلنَّبِيءِ وَلِلْمُسْلِمِينَ ، وَتَنْوِيهٌ بِفَضْلِهِمْ . وَإِذْ قَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ ذَلِكَ أَنْ يُثِيرَ فِي أَنْفُسِ الْمُسْلِمِينَ كَرَاهِيَةَ أَهْلِ الشِّرْكِ ، وَتُحَفِّزَهُمْ لِلِانْتِقَامِ مِنْهُمْ وَمُجَافَاتِهِمْ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ دُعَائِهِمْ إِلَى الْخَيْرِ ، لَا جَرَمَ شَرَعَ فِي اسْتِئْنَافِ غَرَضٍ جَدِيدٍ ، يَكُونُ خِتَامًا لِهَذَا الْخَوْضِ الْبَدِيعِ ، وَهُوَ غَرَضُ
nindex.php?page=treesubj&link=19581_20036أَمْرِ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِجَفَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَصَلَابَتِهِمْ ، وَبِأَنْ يَسَعُوهُمْ مِنْ عَفْوِهِمْ وَالدَّأْبِ عَلَى مُحَاوَلَةِ هَدْيِهِمْ وَالتَّبْلِيغِ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ " الْآيَاتِ .
وَالْأَخْذُ حَقِيقَتُهُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ أَوْ لِإِضْرَارِهِ ، كَمَا يُقَالُ : أَخَذْتُ الْعَدُوَّ مِنْ تَلَابِيبِهِ ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ فِي الْأَسِيرِ أَخِيذٌ ، وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ إِذَا أُسِرُوا : أُخِذُوا ، وَاسْتُعْمِلَ هُنَا مَجَازًا فَاسْتُعِيرَ لِلتَّلَبُّسِ بِالْوَصْفِ وَالْفِعْلِ مِنْ بَيْنِ أَفْعَالٍ لَوْ شَاءَ لَتَلَبَّسَ بِهَا ، فَيُشَبِّهُ ذَلِكَ التَّلَبُّسَ وَاخْتِيَارَهُ عَلَى تَلَبُّسٍ آخَرَ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ بَيْنِ عِدَّةِ أَشْيَاءَ ، فَمَعْنَى خُذِ الْعَفْوَ : عَامِلْ بِهِ وَاجْعَلْهُ وَصْفًا وَلَا تَتَلَبَّسْ بِضِدِّهِ . وَأَحْسَبُ اسْتِعَارَةَ الْأَخْذِ لِلْعَفْوِ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ ، وَلِذَلِكَ أُرَجِّحُ أَنَّ الْبَيْتَ الْمَشْهُورَ وَهُوَ : خُذِي الْعَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِـي وَلَا تَنْطِقِي فِي سَوْرَتِي حِينَ أَغْضَبُ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=11822لِأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ ، وَأَنَّهُ اتَّبَعَ اسْتِعْمَالَ الْقُرْآنِ ، وَأَنَّ نِسْبَتَهُ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=866أَسْمَاءَ بْنِ خَارِجَةَ الْفَزَازِيِّ أَوْ إِلَى
حَاتِمٍ الطَّائِيِّ غَيْرُ صَحِيحَةٍ .
وَ الْعَفْوُ الصَّفْحُ عَنْ ذَنْبِ الْمُذْنِبِ وَعَدَمُ مُؤَاخَذَتِهِ بِذَنْبِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَعُمُّ الْعَفْوَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَعَدَمُ مُؤَاخَذَتِهِمْ بِجَفَائِهِمْ وَمُسَاءَتِهِمُ الرَّسُولَ وَالْمُؤْمِنِينَ .
وَقَدْ عَمَّتِ الْآيَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=20033صُوَرَ الْعَفْوِ كُلَّهَا : لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الْعَفْوِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ فَهُوَ مُفِيدٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ إِذَا لَمْ يَصْلُحْ غَيْرُهُ مِنْ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ وَالْعَهْدِ ، فَأَمَرَ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ
[ ص: 227 ] يَعْفُوَ وَيَصْفَحَ وَذَلِكَ بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِجَفَائِهِمْ وَسُوءِ خُلُقِهِمْ ، فَلَا يُعَاقِبُهُمْ وَلَا يُقَابِلُهُمْ بِمِثْلِ صَنِيعِهِمْ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْعُمُومِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَفْوِ أَزْمَانِهِ وَأَحْوَالِهِ إِلَّا مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ مِثْلَ الْعَفْوِ عَنِ الْقَاتِلِ غِيلَةً ، وَمِثْلَ الْعَفْوِ عَنِ انْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللَّهِ ، وَالرَّسُولُ أَعْلَمُ بِمِقْدَارِ مَا يَخُصُّ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ وَقَدْ يُبَيِّنُهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَأُلْحِقَ بِهِ مَا يُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ الْمُبَيَّنِ ، وَفِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ضَابِطٌ عَظِيمٌ لِمِقْدَارِ تَخْصِيصِ الْأَمْرِ بِالْعَفْوِ .
ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20033الْعَفْوُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ الْمَقْصُودُ هُنَا أَسْبَقُ أَفْرَادِ هَذَا الْعُمُومِ إِلَى الذِّهْنِ مِنْ بَقِيَّتِهَا ، وَلَمْ يَفْهَمِ السَّلَفُ مِنَ الْآيَةِ غَيْرَ الْعُمُومِ ، فَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَدِمَ
عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ
الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ
الْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ
عُمَرُ ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ
عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ ، فَقَالَ
عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ : لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ ، فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ
لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ
عُمَرُ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ : " هِيهِ يَا
ابْنَ الْخَطَّابِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ ، وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ " فَغَضِبَ
عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ : " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ ، وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا
عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ . وَفِيهِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : " مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ " وَمَنْ قَالَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَسَخَتْهَا آيَاتُ الْقِتَالِ فَقَدْ وَهِمَ : لِأَنَّ الْعَفْوَ بَابٌ آخَرَ ، وَأَمَّا الْقِتَالُ فَلَهُ أَسْبَابُهُ ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مِنَ النَّسْخِ مَا يَشْمَلُ مَعْنَى الْبَيَانِ أَوِ التَّخْصِيصِ فِي اصْطِلَاحِ أُصُولِ الْفِقْهِ .
وَ
nindex.php?page=treesubj&link=27363الْعُرْفُ اسْمٌ مُرَادِفٌ لِلْمَعْرُوفِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَهُوَ الْفِعْلُ الَّذِي تَعْرِفُهُ النُّفُوسُ أَيْ لَا تُنْكِرُهُ إِذَا خُلِّيَتْ وَشَأْنَهَا بِدُونِ غَرَضٍ لَهَا فِي ضِدِّهِ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى مُرَادِفَتِهِ لِلْمَعْرُوفِ قَوْلُ
النَّابِغَةِ : فَلَا النُّكْرُ مَعْرُوفٌ وَلَا الْعُرْفُ ضَائِعُ
فَقَابَلَ النُّكْرَ بِالْعُرْفِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
[ ص: 228 ] nindex.php?page=treesubj&link=21055وَالْأَمْرُ يَشْمَلُ النَّهْيَ عَنِ الضِّدِّ ، فَإِنَّ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ نَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ ، فَالِاجْتِزَاءُ بِالْأَمْرِ بِالْعُرْفِ عَنِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْإِيجَازِ ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْأَمْرِ بِالْعُرْفِ هُنَا : لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ فِي دَعْوَةِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى أُصُولِ الْمَعْرُوفِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341833حِينَ أَرْسَلَهُ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فَانْهُ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَةُ الْمُشْرِكِينَ مُبْتَدَأَةً بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ لَنَفَرُوا وَلَمَلَّ الدَّاعِي لِأَنَّ الْمَنَاكِيرَ غَالِبَةٌ عَلَيْهِمْ وَمُحْدِقَةٌ بِهِمْ . وَيَدْخُلُ فِي الْأَمْرِ بِالْعُرْفِ الِاتِّسَامُ بِهِ وَالتَّخَلُّقُ بِخُلُقِهِ : لِأَنَّ شَأْنَ الْآمِرِ بِشَيْءٍ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِمِثْلِهِ ، وَإِلَّا فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلِاسْتِخْفَافِ ، عَلَى أَنَّ الْآمِرَ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ فَيَأْمُرُهَا كَمَا قَالَ
أَبُو الْأَسْوَدِ :
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ
هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
عَلَى أَنَّ خِطَابَ الْقُرْآنِ النَّاسَ بِأَنْ يَأْمُرُوا بِشَيْءٍ يُعْتَبَرُ أَمْرًا لِلْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَرْجَمَةُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ هُوَ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ .
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْعُرْفِ كَالتَّعْرِيفِ فِي الْعَفْوِ يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ .
وَحُذِفَ مَفْعُولُ الْأَمْرِ لِإِفَادَةِ عُمُومِ الْمَأْمُورِينَ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ، أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ بِكُلِّ خَيْرٍ وَصَلَاحٍ فَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْعُمُومِ الْمُشْرِكُونَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا لِأَنَّهُمْ سَبَبُ الْأَمْرِ بِهَذَا الْعُمُومِ ، أَيْ لَا يَصُدَّنَّكَ إِعْرَاضُهُمْ عَنْ إِعَادَةِ إِرْشَادِهِمْ ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ .
وَالْإِعْرَاضُ : إِدَارَةُ الْوَجْهِ عَنِ النَّظَرِ لِلشَّيْءِ ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَارِضِ وَهُوَ الْخَدُّ ، فَإِنَّ الَّذِي يَلْتَفِتُ لَا يَنْظُرُ إِلَى الشَّيْءِ ، وَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=83أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِمَا يَسُوءُ مِنْ أَحَدٍ ، شَبَّهَ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِ فِي كَوْنِهِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُ الْعَلَمِ بِهِ لِأَنَّ شَأْنَ الْعِلْمِ بِهِ أَنْ تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْمُؤَاخَذَةُ .
وَ " الْجَهْلُ " هُنَا ضِدُّ الْحِلْمِ وَالرُّشْدِ ، وَهُوَ أَشْهَرُ إِطْلَاقِ الْجَهْلِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، فَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِينَ السُّفَهَاءُ كُلُّهُمْ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ ، وَأَعْظَمُ
[ ص: 229 ] الْجَهْلِ هُوَ الْإِشْرَاكُ ، إِذِ اتِّخَاذُ الْحَجَرِ إِلَهًا سَفَاهَةٌ لَا تَعْدِلُهَا سَفَاهَةٌ ، ثُمَّ يَشْمَلُ كُلَّ سَفِيهِ رَأْيٍ . وَكَذَلِكَ ، فَهِمَ مِنْهَا
الْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ فِي الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا وَأَقَرَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى ذَلِكَ الْفَهْمِ .
وَقَدْ جَمَعَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19510فَضَائِلَ الْأَخْلَاقِ لَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ عَفْوًا عَنِ اعْتِدَاءٍ فَتَدْخُلُ فِي خُذِ الْعَفْوَ ، أَوْ إِغْضَاءً عَمَّا لَا يُلَائِمُ فَتَدْخُلُ فِي وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ، أَوْ فِعْلَ خَيْرٍ وَاتِّسَامًا بِفَضِيلَةٍ فَتَدْخُلُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ : " فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَجْمَعُ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مِنْهَا ، وَهِيَ صَالِحَةٌ لِأَنْ يُبَيِّنَ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِأَخْذِ الْعَفْوِ يَتَقَيَّدُ بِوُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْعُرْفِ ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا لَا يَقْبَلُ الْعَفْوَ وَالْمُسَامَحَةَ مِنَ الْحُقُوقِ ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْعُرْفِ يَتَقَيَّدُ بِأَخْذِ الْعَفْوِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى الْخَيْرِ بِلِينٍ وَرِفْقٍ " .