يحق على المفسر أن يتعرف
nindex.php?page=treesubj&link=29568_20764_32234عادات القرآن من نظمه وكلمه . وقد تعرض بعض السلف لشيء منها ، فعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كل كاس في القرآن فالمراد بها الخمر . وذكر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
الضحاك أيضا .
وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في تفسير سورة الأنفال قال
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة : ما سمى الله مطرا في القرآن إلا عذابا ، وتسميه العرب الغيث كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=28وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن كل ما جاء من
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يا أيها الناس فالمقصود به
أهل مكة المشركون .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13974الجاحظ في البيان : وفي القرآن معان لا تكاد تفترق ، مثل الصلاة والزكاة ، والجوع والخوف ، والجنة والنار ، والرغبة والرهبة ، والمهاجرين والأنصار ، والجن والإنس ، قلت : والنفع والضر ، والسماء والأرض .
[ ص: 125 ] وذكر صاحب الكشاف
nindex.php?page=showalam&ids=16785وفخر الدين الرازي أن
nindex.php?page=treesubj&link=32234_32450من عادة القرآن أنه ما جاء بوعيد إلا أعقبه بوعد ، وما جاء بنذارة إلا أعقبها ببشارة . ويكون ذلك بأسلوب الاستطراد والاعتراض لمناسبة التضاد ، ورأيت منه قليلا في شعر العرب كقول
لبيد :
فاقطع لبانة من تعرض وصله فلشر واصل خلة صرامها واحب المجامل بالجزيل وصرمه
باق إذا ظلعت وزاغ قوامها
وفي الكشاف في تفسير قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=50فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=51قال قائل منهم إني كان لي قرين الآية : جيء به ماضيا على عادة الله في أخباره . وقال
فخر الدين في تفسير قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109يوم يجمع الله الرسل من سورة العقود : عادة هذا الكتاب الكريم أنه إذا ذكر أنواعا كثيرة من الشرائع والتكاليف أتبعها إما بالإلهيات وإما بشرح أحوال الأنبياء وأحوال القيامة ليصير ذلك مؤكدا لما تقدم ذكره من التكاليف والشرائع .
وقد استقريت بجهدي عادات كثيرة في اصطلاح القرآن سأذكرها في مواضعها ، ومنها أن كلمة هؤلاء إذا لم يرد بعدها عطف بيان يبين المشار إليهم ، فإنها يراد بها المشركون من
أهل مكة كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29بل متعت هؤلاء وآباءهم وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين وقد استوعب
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء الكفوي في كتاب الكليات في أوائل أبوابه كليات مما ورد في القرآن من معاني الكلمات ، وفي الإتقان
للسيوطي شيء من ذلك .
وقد استقريت أنا من أساليب القرآن أنه إذا حكى المحاورات والمجاوبات حكاها بلفظ " قال " دون حروف عطف ، إلا إذا انتقل من محاورة إلى أخرى ، انظر قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33أنبئهم بأسمائهم وأما الجهة الثالثة من جهات الإعجاز وهي ما أودعه من المعاني الحكمية والإشارات العلمية فاعلموا أن العرب لم يكن لهم علم سوى الشعر وما تضمنه من الأخبار : قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب كان الشعر علم القوم ولم يكن لهم علم أصح منه .
[ ص: 126 ] إن العلم نوعان علم اصطلاحي وعلم حقيقي ، فأما الاصطلاحي فهو ما تواضع الناس في عصر من الأعصار على أن صاحبه يعد في صف العلماء ، وهذا قد يتغير بتغير العصور ويختلف باختلاف الأمم والأقطار ، وهذا النوع لا تخلو عنه أمة .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=18479العلم الحقيقي فهو معرفة ما بمعرفته كمال الإنسان ، وما به يبلغ إلى ذروة المعارف وإدراك الحقائق النافعة عاجلا وآجلا ، وكلا العلمين كمال إنساني ووسيلة لسيادة أصحابه على أهل زمانهم ، وبين العلمين عموم وخصوص من وجه .
وهذه الجهة خلا عنها كلام فصحاء العرب ، لأن أغراض شعرهم كانت لا تعدو وصف المشاهدات والمتخيلات والافتراضات المختلفة ولا تحوم حول تقرير الحقائق وفضائل الأخلاق التي هي أغراض القرآن ، ولم يقل إلا صدقا كما أشار إليه
nindex.php?page=showalam&ids=16785فخر الدين الرازي .
وقد اشتمل القرآن على النوعين ، فأما النوع الأول فتناوله قريب لا يحتاج إلى كد فكر ولا يقتضي نظرا ، فإن مبلغ العلم عندهم يومئذ علوم أهل الكتاب ومعرفة الشرائع والأحكام وقصص الأنبياء والأمم وأخبار العالم ، وقد أشار إلى هذا القرآن بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=155وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=156أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=157أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=49تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ونحو هذا من محاجة أهل الكتاب . ولعل هذا هو الذي عناه
عياض بقوله في الشفاء " ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الداثرة مما كان لا يعلم القصة منه إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذي قضى عمره في تعليم ذلك ، فيورده النبيء صلى الله عليه وسلم على وجهه فيعترف العالم بذلك بصحته وصدقه ، كخبر
موسى مع
الخضر ، ويوسف وإخوته ،
وأصحاب الكهف ، nindex.php?page=showalam&ids=15873وذي القرنين ،
ولقمان إلخ كلامه " ، وإن كان هو قد ساقه في غير مساقنا بل جاء به دليلا على الإعجاز من حيث علمه به صلى الله عليه وسلم مع ثبوت الأمية ، ومن حيث محاجته إياهم بذلك .
فأما إذا أردنا عد هذا الوجه في نسق وجوه الإعجاز فذلك فيما نرى من جهة أن العرب لم يكن أدبهم مشتملا على التاريخ إلا بإشارات نادرة ، كقولهم "
درع عادية ورمح يزنية
[ ص: 127 ] وقول شاعرهم
أحلام عاد وأجسام مطهرة
وقول آخر
تراه يطوف الآفاق حرصا ليأكل رأس لقمان بن عاد
ولكنهم لا يأبهون بذكر قصص الأمم التي هي مواضع العبرة ، فجاء القرآن بالكثير من ذلك تفصيلا كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وكقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ولهذا يقل في القرآن التعرض إلى تفاصيل أخبار العرب لأن ذلك أمر مقرر عندهم معلوم لديهم ، وإنما ذكر قليل منه على وجه الإجمال على معنى العبرة والموعظة بخبر
عاد وثمود وقوم تبع ، كما أشرنا إليه في المقدمة السابعة في قصص القرآن .
وأما النوع الثاني
nindex.php?page=treesubj&link=28899_32443من إعجازه العلمي فهو ينقسم إلى قسمين : قسم يكفي لإدراكه فهمه وسمعه ، وقسم يحتاج إدراك وجه إعجازه إلى العلم بقواعد العلوم فينبلج للناس شيئا فشيئا انبلاج أضواء الفجر على حسب مبالغ الفهوم وتطورات العلوم ، وكلا القسمين دليل على أنه من عند الله لأنه جاء به أمي في موضع لم يعالج أهله دقائق العلوم ، والجائي به ثاو بينهم لم يفارقهم . وقد أشار القرآن إلى هذه الجهة من الإعجاز بقوله تعالى في سورة القصص
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=49قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ثم إنه ما كان قصاراه مشاركة أهل العلوم في علومهم الحاضرة ، حتى ارتقى إلى ما لم يألفوه وتجاوز ما درسوه وألفوه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14120ابن عرفة عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=27تولج الليل في النهار في سورة آل عمران : كان بعضهم يقول : إن
nindex.php?page=treesubj&link=28905القرآن يشتمل على ألفاظ يفهمها العوام وألفاظ يفهمها الخواص ، وعلى ما يفهمه الفريقان ، ومنه هذه الآية فإن الإيلاج يشمل الأيام التي لا يدركها إلا الخواص والفصول التي يدركها سائر العوام ، أقول : وكذلك قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما فمن طرق إعجازه العلمية أنه دعا للنظر والاستدلال ، قال في الشفاء " ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم تعهد للعرب ، ولا يحيط بها أحد من علماء الأمم ، ولا يشتمل عليها كتاب من كتبهم فجمع فيه من بيان علم الشرائع والتنبيه على طرق الحجة العقلية ، والرد على فرق
[ ص: 128 ] الأمم ببراهين قوية وأدلة كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ولقد فتح الأعين إلى فضائل العلوم بأن شبه العلم بالنور وبالحياة كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=70لتنذر من كان حيا وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257يخرجهم من الظلمات إلى النور وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وهذا النوع من الإعجاز هو الذي خالف به القرآن أساليب الشعر وأغراضه مخالفة واضحة . هذا
nindex.php?page=showalam&ids=14563والشاطبي قال في الموافقات : إن القرآن لا تحمل معانيه ولا يتأول إلا على ما هو متعارف عند العرب ، ولعل هذا الكلام صدر منه في التفصي من مشكلات في مطاعن الملحدين اقتصادا في البحث وإبقاء على نفيس الوقت ، وإلا فكيف ينفي
nindex.php?page=treesubj&link=28899إعجاز القرآن لأهل كل العصور ، وكيف يقصر إدراك إعجازه بعد عصر العرب على الاستدلال بعجز أهل زمانه إذ عجزوا عن معارضته ، وإذ نحن نسلم لهم التفوق في البلاغة والفصاحة ، فهذا إعجاز إقناعي بعجز أهل عصر واحد ولا يفيد أهل كل عصر إدراك طائفة منهم لإعجاز القرآن . وقد بينت نقض كلام
الشاطبي في أواخر المقدمة الرابعة . وقد بدت لي حجة لتعلق هذه الجهة الثالثة بالإعجاز ودوامه وعمومه وهي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341054ما من الأنبياء نبيء إلا أوتي أو أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي ، وإني أرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ففيه نكتتان غفل عنهما شارحوه : الأولى أن قوله " ما مثله آمن عليه البشر " اقتضى أن كل نبي جاء بمعجزة هي إعجاز في أمر خاص كان قومه أعجب به وأعجز عنه ، فيؤمنون على مثل تلك المعجزة . ومعنى " آمن عليه " أي لأجله وعلى شرطه ، كما تقول على هذا يكون عملنا أو اجتماعنا ، الثانية أن قوله وإنما كان الذي أوتيت وحيا اقتضى أن ليست معجزته من قبيل الأفعال كما كانت معجزات الرسل الأولين أفعالا لا أقوالا ، كقلب العصا وانفجار الماء من الحجر ، وإبراء الأكمه والأبرص ، بل كانت معجزته
nindex.php?page=treesubj&link=18626_20759_28741ما في القرآن من دلالة على عجز البشر عن الإتيان بمثله من جهتي اللفظ والمعاني ، وبذلك يمكن أن يؤمن به كل من يبتغي إدراك ذلك من البشر ويتدبره ، ويفصح عن ذلك تعقيبه بقوله : فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا ، إذ قد عطف بالفاء المؤذنة بالترتب ، فالمناسبة بين كونه أوتي وحيا وبين كونه يرجو أن يكون
[ ص: 129 ] أكثرهم تابعا لا تنجلي إلا إذا كانت المعجزة صالحة لجميع الأزمان حتى يكون الذين يهتدون لدينه لأجل معجزته أمما كثيرين على اختلاف قرائحهم فيكون هو أكثر الأنبياء تابعا لا محالة ، وقد تحقق ذلك لأن المعني بالتابع التابع له في حقائق الدين الحق لا اتباع الادعاء والانتساب بالقول .
ولعل الرجاء متوجه إلى كونه أكثر من جميعهم تابعا أي أكثر أتباعا من أتباع جميع الأنبياء كلهم ، وقد أغفل بيان وجه التفريع في هذا اللفظ النبوي البليغ .
وهذه الجهة من الإعجاز إنما تثبت للقرآن بمجموعه أي مجموع هذا الكتاب إذ ليست كل آية من آياته ولا كل سورة من سوره بمشتملة على هذا النوع من الإعجاز ، ولذلك فهو إعجاز حاصل من القرآن وغير حاصل به التحدي إلا إشارة نحو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وإعجازه من هذه الجهة للعرب ظاهر : إذ لا قبل لهم بتلك العلوم كما قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=49ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ، وإعجازه لعامة الناس أن تجيء تلك العلوم من رجل نشأ أميا في قوم أميين ، وإعجازه لأهل الكتاب خاصة إذ كان ينبئهم بعلوم دينهم مع كونه أميا ، ولا قبل لهم بأن يدعوا أنهم علموه لأنه كان بمرأى من قومه في
مكة بعيدا عن أهل الكتاب الذين كان مستقرهم بقرى
النضير وقريظة وخيبر وتيماء وبلاد
فلسطين ، ولأنه جاء بنسخ دين اليهودية والنصرانية ، والإنحاء على
اليهود والنصارى في تحريفهم ، فلو كان قد تعلم منهم لأعلنوا ذلك وسجلوا عليه أنه عقهم حق التعليم .
وأما الجهة الرابعة وهي الإخبار بالمغيبات فقد اقتفينا أثر من سلفنا ممن عد ذلك من وجوه الإعجاز اعتدادا منا بأنه من
nindex.php?page=treesubj&link=28742_28741دلائل كون القرآن منزلا من عند الله ، وإن كان ذلك ليس له مزيد تعلق بنظم القرآن ودلالة فصاحته وبلاغته على المعاني العليا ، ولا هو كثير في القرآن ، وسيأتي التنبيه على جزئيات هذا النوع في تضاعيف هذا التفسير إن شاء الله .
وقد جاء كثير من آيات القرآن بذلك منها قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غلبت الروم الآية ، روى
الترمذي في تفسيرها عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : كان المشركون يحبون أن يظهر أهل
فارس على
الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان ، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم لأنهم أهل كتاب فذكره
أبو بكر لرسول الله فنزل قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غلبت الروم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=3في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4في بضع سنين فخرج
أبو بكر يصيح بها في نواحي
مكة ، فقال له ناس من
قريش أفلا نراهنك على
[ ص: 130 ] ذلك ؟ قال بلى وذلك قبل تحريم الرهان ، فلما كانت السنة السابعة ظهرت
الروم على
فارس وأسلم عند ذلك كثير من
قريش . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون فما حدث بعد ذلك من المراكب منبأ به في هذه الآية . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك فتحا مبينا نزلت قبل فتح
مكة بعامين . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون وأعلن ذلك الإعجاز بالتحدي به في قوله تعالى في شأن القرآن
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24ولن تفعلوا فسجل أنهم لا يفعلون ذلك أبدا وكذلك كان ، كما بيناه آنفا في الجهة الثالثة .
وكأنك بعد ما قررناه في هذه المقدمة قد صرت قديرا على الحكم فيما اختلف فيه أئمة علم الكلام من إعجاز القرآن للعرب ، هل كان بما بلغه من منتهى الفصاحة والبلاغة وحسن النظم ، وما احتوى عليه من النكت والخصوصيات التي لا تقف بها عدة ، ويزيدها النظر مع طول الزمان جدة ، فلا تخطر ببال ناظر من العصور الآتية نكتة أو خصوصية إلا وجد آيات القرآن تتحملها بحيث لا يمكن إيداع ذلك في كلام إلا لعلام الغيوب وهو مذهب المحققين ، أو كان الإعجاز بصرف الله تعالى مشركي العرب عن الإتيان بمثله وأنه لولا أن الله سلبهم القدرة على ذلك لأمكن أن يأتوا بمثله لأنه مما يدخل تحت مقدور البشر ، ونسب هذا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبي الحسن الأشعري وهو منقول في شرح
التفتزاني على المفتاح عن
النظام وطائفة من
المعتزلة ، ويسمى مذهب أهل الصرفة ، وهو الذي قال به
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في كتابه في الملل والنحل .
والأول هو الوجه الذي اعتمده
nindex.php?page=showalam&ids=12604أبو بكر الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن ، وأبطل ما عداه بما لا حاجة إلى التطويل به ، وعلى اعتباره دون أئمة العرب علم البلاغة ، وقصدوا من ذلك تقريب إعجاز القرآن على التفصيل دون الإجمال ، فجاءوا بما يناسب الكامل من دلائل الكمال .
يَحِقُّ عَلَى الْمُفَسِّرِ أَنْ يَتَعَرَّفَ
nindex.php?page=treesubj&link=29568_20764_32234عَادَاتِ الْقُرْآنِ مِنْ نَظْمِهِ وَكَلِمِهِ . وَقَدْ تَعَرَّضَ بَعْضُ السَّلَفِ لِشَيْءٍ مِنْهَا ، فَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : كُلُّ كَاسٍ فِي الْقُرْآنِ فَالْمُرَادُ بِهَا الْخَمْرُ . وَذَكَرَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ عَنِ
الضَّحَّاكِ أَيْضًا .
وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابْنُ عُيَيْنَةَ : مَا سَمَّى اللَّهُ مَطَرًا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَذَابًا ، وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الْغَيْثَ كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=28وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ كُلَّ مَا جَاءَ مِنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَالْمَقْصُودُ بِهِ
أَهْلُ مَكَّةَ الْمُشْرِكُونَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13974الْجَاحِظُ فِي الْبَيَانِ : وَفِي الْقُرْآنِ مَعَانٍ لَا تَكَادُ تَفْتَرِقُ ، مِثْلَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ، وَالْجُوعِ وَالْخَوْفِ ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ ، وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، قُلْتُ : وَالنَّفْعِ وَالضُّرِّ ، وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ .
[ ص: 125 ] وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ
nindex.php?page=showalam&ids=16785وَفَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32234_32450مِنْ عَادَةِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ مَا جَاءَ بِوَعِيدٍ إِلَّا أَعْقَبَهُ بِوَعْدٍ ، وَمَا جَاءَ بِنِذَارَةٍ إِلَّا أَعْقَبَهَا بِبِشَارَةٍ . وَيَكُونُ ذَلِكَ بِأُسْلُوبِ الِاسْتِطْرَادِ وَالِاعْتِرَاضِ لِمُنَاسَبَةِ التَّضَادِّ ، وَرَأَيْتُ مِنْهُ قَلِيلًا فِي شِعْرِ الْعَرَبِ كَقَوْلِ
لَبِيدٍ :
فَاقْطَعْ لُبَانَةَ مَنْ تَعَرَّضَ وَصْلُهُ فَلَشَرُّ وَاصِلِ خُلَّةٍ صَرَّامُهَا وَاحْبُ الْمُجَامِلَ بِالْجَزِيلِ وَصَرْمُهُ
بَاقٍ إِذَا ظَلِعَتْ وَزَاغَ قِوَامُهَا
وَفِي الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=50فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=51قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ الْآيَةَ : جِيءَ بِهِ مَاضِيًا عَلَى عَادَةِ اللَّهِ فِي أَخْبَارِهِ . وَقَالَ
فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ مِنْ سُورَةِ الْعُقُودِ : عَادَةُ هَذَا الْكِتَابِ الْكَرِيمِ أَنَّهُ إِذَا ذَكَرَ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً مِنَ الشَّرَائِعِ وَالتَّكَالِيفِ أَتْبَعَهَا إِمَّا بِالْإِلَهِيَّاتِ وَإِمَّا بِشَرْحِ أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ مُؤَكِّدًا لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ التَّكَالِيفِ وَالشَّرَائِعِ .
وَقَدِ اسْتَقْرَيْتُ بِجُهْدِي عَادَاتٍ كَثِيرَةً فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا ، وَمِنْهَا أَنَّ كَلِمَةَ هَؤُلَاءِ إِذَا لَمْ يَرِدْ بَعْدَهَا عَطْفُ بَيَانٍ يُبَيِّنُ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ ، فَإِنَّهَا يُرَادُ بِهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ وَقَدِ اسْتَوْعَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14803أَبُو الْبَقَاءِ الْكُفُوِيُّ فِي كِتَابِ الْكُلِّيَّاتِ فِي أَوَائِلِ أَبْوَابِهِ كُلِّيَّاتٍ مِمَّا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَعَانِي الْكَلِمَاتِ ، وَفِي الْإِتْقَانِ
لِلسُّيُوطِيِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ .
وَقَدِ اسْتَقْرَيْتُ أَنَا مِنْ أَسَالِيبِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ إِذَا حَكَى الْمُحَاوَرَاتِ وَالْمُجَاوَبَاتِ حَكَاهَا بِلَفْظِ " قَالَ " دُونَ حُرُوفِ عَطْفٍ ، إِلَّا إِذَا انْتَقَلَ مِنْ مُحَاوَرَةٍ إِلَى أُخْرَى ، انْظُرْ قَوْلَهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَمَّا الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ جِهَاتِ الْإِعْجَازِ وَهِيَ مَا أَوْدَعَهُ مِنَ الْمَعَانِي الْحِكَمِيَّةِ وَالْإِشَارَاتِ الْعِلْمِيَّةِ فَاعْلَمُوا أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلْمٌ سِوَى الشِّعْرِ وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْأَخْبَارِ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَانَ الشِّعْرُ عِلْمَ الْقَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلْمٌ أَصَحُّ مِنْهُ .
[ ص: 126 ] إِنَّ الْعِلْمَ نَوْعَانِ عِلْمٌ اصْطِلَاحِيٌّ وَعِلْمٌ حَقِيقِيٌّ ، فَأَمَّا الِاصْطِلَاحِيُّ فَهُوَ مَا تَوَاضَعَ النَّاسُ فِي عَصْرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ يُعَدُّ فِي صَفِّ الْعُلَمَاءِ ، وَهَذَا قَدْ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْعُصُورِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأُمَمِ وَالْأَقْطَارِ ، وَهَذَا النَّوْعُ لَا تَخْلُو عَنْهُ أُمَّةٌ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=18479الْعِلْمُ الْحَقِيقِيُّ فَهُوَ مَعْرِفَةُ مَا بِمَعْرِفَتِهِ كَمَالُ الْإِنْسَانِ ، وَمَا بِهِ يَبْلُغُ إِلَى ذُرْوَةِ الْمَعَارِفِ وَإِدْرَاكِ الْحَقَائِقِ النَّافِعَةِ عَاجِلًا وَآجِلًا ، وَكِلَا الْعِلْمَيْنِ كَمَالٌ إِنْسَانِيٌّ وَوَسِيلَةٌ لِسِيَادَةِ أَصْحَابِهِ عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِمْ ، وَبَيْنَ الْعِلْمَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ .
وَهَذِهِ الْجِهَةُ خَلَا عَنْهَا كَلَامُ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ ، لِأَنَّ أَغْرَاضَ شِعْرِهِمْ كَانَتْ لَا تَعْدُو وَصْفَ الْمُشَاهَدَاتِ وَالْمُتَخَيَّلَاتِ وَالِافْتِرَاضَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ وَلَا تَحُومُ حَوْلَ تَقْرِيرِ الْحَقَائِقِ وَفَضَائِلِ الْأَخْلَاقِ الَّتِي هِيَ أَغْرَاضُ الْقُرْآنِ ، وَلَمْ يَقُلْ إِلَّا صِدْقًا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16785فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ .
وَقَدِ اشْتَمَلَ الْقُرْآنُ عَلَى النَّوْعَيْنِ ، فَأَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ فَتَنَاوُلُهُ قَرِيبٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى كَدِّ فِكْرٍ وَلَا يَقْتَضِي نَظَرًا ، فَإِنَّ مَبْلَغَ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ يَوْمَئِذٍ عُلُومُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَعْرِفَةُ الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ وَقَصَصُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ وَأَخْبَارِ الْعَالَمِ ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْقُرْآنُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=155وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=156أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=157أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=49تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا وَنَحْوَ هَذَا مِنْ مُحَاجَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ . وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي عَنَاهُ
عِيَاضٌ بِقَوْلِهِ فِي الشِّفَاءِ " مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ الْقُرُونِ السَّالِفَةِ وَالْأُمَمِ الْبَائِدَةِ وَالشَّرَائِعِ الدَّاثِرَةِ مِمَّا كَانَ لَا يَعْلَمُ الْقِصَّةَ مِنْهُ إِلَّا الْفَذُّ مِنْ أَحْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي قَضَى عُمُرَهُ فِي تَعْلِيمِ ذَلِكَ ، فَيُورِدُهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِهِ فَيَعْتَرِفُ الْعَالِمُ بِذَلِكَ بِصِحَّتِهِ وَصِدْقِهِ ، كَخَبَرِ
مُوسَى مَعَ
الْخَضِرِ ، وَيُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ،
وَأَصْحَابِ الْكَهْفِ ، nindex.php?page=showalam&ids=15873وَذِي الْقَرْنَيْنِ ،
وَلُقْمَانَ إِلَخْ كَلَامِهِ " ، وَإِنْ كَانَ هُوَ قَدْ سَاقَهُ فِي غَيْرِ مَسَاقِنَا بَلْ جَاءَ بِهِ دَلِيلًا عَلَى الْإِعْجَازِ مِنْ حَيْثُ عِلْمُهُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ثُبُوتِ الْأُمِّيَّةِ ، وَمِنْ حَيْثُ مُحَاجَّتِهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ .
فَأَمَّا إِذَا أَرَدْنَا عَدَّ هَذَا الْوَجْهِ فِي نَسَقِ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ فَذَلِكَ فِيمَا نَرَى مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ يَكُنْ أَدَبُهُمْ مُشْتَمِلًا عَلَى التَّارِيخِ إِلَّا بِإِشَارَاتٍ نَادِرَةٍ ، كَقَوْلِهِمْ "
دِرْعٌ عَادِيَّةٌ وَرُمْحٌ يَزَنِيَّةٌ
[ ص: 127 ] وَقَوْلِ شَاعِرِهِمْ
أَحْلَامُ عَادٍ وَأَجْسَامٌ مُطَهَّرَةٌ
وَقَوْلِ آخَرَ
تَرَاهُ يَطُوفُ الْآفَاقَ حِرْصًا لِيَأْكُلَ رَأْسَ لُقْمَانَ بْنِ عَادِ
وَلَكِنَّهُمْ لَا يَأْبَهُونَ بِذِكْرِ قِصَصِ الْأُمَمِ الَّتِي هِيَ مَوَاضِعُ الْعِبْرَةِ ، فَجَاءَ الْقُرْآنُ بِالْكَثِيرِ مِنْ ذَلِكَ تَفْصِيلًا كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَكَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ وَلِهَذَا يَقِلُّ فِي الْقُرْآنِ التَّعَرُّضُ إِلَى تَفَاصِيلِ أَخْبَارِ الْعَرَبِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ عِنْدَهُمْ مَعْلُومٌ لَدَيْهِمْ ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ قَلِيلٌ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ عَلَى مَعْنَى الْعِبْرَةِ وَالْمَوْعِظَةِ بِخَبَرِ
عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ تُبَّعٍ ، كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ السَّابِعَةِ فِي قَصَصِ الْقُرْآنِ .
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي
nindex.php?page=treesubj&link=28899_32443مِنْ إِعْجَازِهِ الْعِلْمِيِّ فَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ : قِسْمٌ يَكْفِي لِإِدْرَاكِهِ فَهْمُهُ وَسَمْعُهُ ، وَقِسْمٌ يُحْتَاجُ إِدْرَاكُ وَجْهِ إِعْجَازِهِ إِلَى الْعِلْمِ بِقَوَاعِدِ الْعُلُومِ فَيَنْبَلِجُ لِلنَّاسِ شَيْئًا فَشَيْئًا انْبِلَاجَ أَضْوَاءِ الْفَجْرِ عَلَى حَسَبِ مَبَالِغِ الْفُهُومِ وَتَطَوُّرَاتِ الْعُلُومِ ، وَكِلَا الْقِسْمَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُ جَاءَ بِهِ أُمِّيٌّ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يُعَالِجْ أَهْلُهُ دَقَائِقَ الْعُلُومِ ، وَالْجَائِي بِهِ ثَاوٍ بَيْنَهُمْ لَمْ يُفَارِقْهُمْ . وَقَدْ أَشَارَ الْقُرْآنُ إِلَى هَذِهِ الْجِهَةِ مِنَ الْإِعْجَازِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=49قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ثُمَّ إِنَّهُ مَا كَانَ قَصَارَاهُ مُشَارَكَةَ أَهْلِ الْعُلُومِ فِي عُلُومِهِمُ الْحَاضِرَةِ ، حَتَّى ارْتَقَى إِلَى مَا لَمْ يَأْلَفُوهُ وَتَجَاوَزَ مَا دَرَسُوهُ وَأَلَّفُوهُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14120ابْنُ عَرَفَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=27تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ : كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28905الْقُرْآنَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَلْفَاظٍ يَفْهَمُهَا الْعَوَامُّ وَأَلْفَاظٍ يَفْهَمُهَا الْخَوَاصُّ ، وَعَلَى مَا يَفْهَمُهُ الْفَرِيقَانِ ، وَمِنْهُ هَذِهِ الْآيَةُ فَإِنَّ الْإِيلَاجَ يَشْمَلُ الْأَيَّامَ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا إِلَّا الْخَوَاصُّ وَالْفُصُولَ الَّتِي يُدْرِكُهَا سَائِرُ الْعَوَامِّ ، أَقُولُ : وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا فَمِنْ طُرُقِ إِعْجَازِهِ الْعِلْمِيَّةِ أَنَّهُ دَعَا لِلنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ ، قَالَ فِي الشِّفَاءِ " وَمِنْهَا جَمْعُهُ لِعُلُومٍ وَمَعَارِفَ لَمْ تُعْهَدْ لِلْعَرَبِ ، وَلَا يُحِيطُ بِهَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَمِ ، وَلَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا كِتَابٌ مِنْ كُتُبِهِمْ فَجَمَعَ فِيهِ مِنْ بَيَانِ عَلَمِ الشَّرَائِعِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى طَرْقِ الْحُجَّةِ الْعَقْلِيَّةِ ، وَالرَّدِّ عَلَى فِرَقِ
[ ص: 128 ] الْأُمَمِ بِبَرَاهِينَ قَوِيَّةٍ وَأَدِلَّةٍ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَلَقَدْ فَتَحَ الْأَعْيُنَ إِلَى فَضَائِلِ الْعُلُومِ بِأَنْ شَبَّهَ الْعِلْمَ بِالنُّورِ وَبِالْحَيَاةِ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=70لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْإِعْجَازِ هُوَ الَّذِي خَالَفَ بِهِ الْقُرْآنُ أَسَالِيبَ الشِّعْرِ وَأَغْرَاضَهُ مُخَالَفَةً وَاضِحَةً . هَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=14563وَالشَّاطِبِيُّ قَالَ فِي الْمُوَافَقَاتِ : إِنَّ الْقُرْآنَ لَا تُحْمَلُ مَعَانِيهِ وَلَا يُتَأَوَّلُ إِلَّا عَلَى مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ ، وَلَعَلَّ هَذَا الْكَلَامَ صَدَرَ مِنْهُ فِي التَّفَصِّي مِنْ مُشْكِلَاتٍ فِي مَطَاعِنِ الْمُلْحِدِينَ اقْتِصَادًا فِي الْبَحْثِ وَإِبْقَاءً عَلَى نَفِيسِ الْوَقْتِ ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَنْفِي
nindex.php?page=treesubj&link=28899إِعْجَازَ الْقُرْآنِ لِأَهْلِ كُلِّ الْعُصُورِ ، وَكَيْفَ يُقْصَرُ إِدْرَاكُ إِعْجَازِهِ بَعْدَ عَصْرِ الْعَرَبِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِعَجْزِ أَهْلِ زَمَانِهِ إِذْ عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ ، وَإِذْ نَحْنُ نُسَلِّمُ لَهُمُ التَّفَوُّقَ فِي الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ ، فَهَذَا إِعْجَازٌ إِقْنَاعِيٌّ بِعَجْزِ أَهْلِ عَصْرٍ وَاحِدٍ وَلَا يُفِيدُ أَهْلَ كُلِّ عَصْرٍ إِدْرَاكُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ لِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ . وَقَدْ بَيَّنْتُ نَقْضَ كَلَامِ
الشَّاطِبِيِّ فِي أَوَاخِرِ الْمُقَدِّمَةِ الرَّابِعَةِ . وَقَدْ بَدَتْ لِي حُجَّةٌ لِتَعَلُّقِ هَذِهِ الْجِهَةِ الثَّالِثَةِ بِالْإِعْجَازِ وَدَوَامِهِ وَعُمُومِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341054مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيءٌ إِلَّا أُوتِيَ أَوْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ ، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَفِيهِ نُكْتَتَانِ غَفَلَ عَنْهُمَا شَارِحُوهُ : الْأُولَى أَنَّ قَوْلَهُ " مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ " اقْتَضَى أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ جَاءَ بِمُعْجِزَةٍ هِيَ إِعْجَازٌ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ كَانَ قَوْمُهُ أَعْجَبَ بِهِ وَأَعْجَزَ عَنْهُ ، فَيُؤْمِنُونَ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الْمُعْجِزَةِ . وَمَعْنَى " آمَنَ عَلَيْهِ " أَيْ لِأَجْلِهِ وَعَلَى شَرْطِهِ ، كَمَا تَقُولُ عَلَى هَذَا يَكُونُ عَمَلُنَا أَوِ اجْتِمَاعُنَا ، الثَّانِيَةُ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا اقْتَضَى أَنْ لَيْسَتْ مُعْجِزَتُهُ مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ كَمَا كَانَتْ مُعْجِزَاتُ الرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ أَفْعَالًا لَا أَقْوَالًا ، كَقَلْبِ الْعَصَا وَانْفِجَارِ الْمَاءِ مِنَ الْحَجَرِ ، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ ، بَلْ كَانَتْ مُعْجِزَتُهُ
nindex.php?page=treesubj&link=18626_20759_28741مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ دَلَالَةٍ عَلَى عَجْزِ الْبَشَرِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ مِنْ جِهَتَيِ اللَّفْظِ وَالْمَعَانِي ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ كُلُّ مَنْ يَبْتَغِي إِدْرَاكَ ذَلِكَ مِنَ الْبَشَرِ وَيَتَدَبَّرُهُ ، وَيُفْصِحُ عَنْ ذَلِكَ تَعْقِيبُهُ بِقَوْلِهِ : فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا ، إِذْ قَدْ عَطَفَ بِالْفَاءِ الْمُؤْذِنَةِ بِالتَّرَتُّبِ ، فَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ كَوْنِهِ أُوتِيَ وَحْيًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ
[ ص: 129 ] أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا لَا تَنْجَلِي إِلَّا إِذَا كَانَتِ الْمُعْجِزَةُ صَالِحَةً لِجَمِيعِ الْأَزْمَانِ حَتَّى يَكُونَ الَّذِينَ يَهْتَدُونَ لِدِينِهِ لِأَجْلِ مُعْجِزَتِهِ أُمَمًا كَثِيرِينَ عَلَى اخْتِلَافِ قَرَائِحِهِمْ فَيَكُونُ هُوَ أَكْثَرَ الْأَنْبِيَاءِ تَابِعًا لَا مَحَالَةَ ، وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنِيَّ بِالتَّابِعِ التَّابِعُ لَهُ فِي حَقَائِقِ الدِّينِ الْحَقِّ لَا اتِّبَاعُ الِادِّعَاءِ وَالِانْتِسَابِ بِالْقَوْلِ .
وَلَعَلَّ الرَّجَاءَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى كَوْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِهِمْ تَابِعًا أَيْ أَكْثَرَ أَتْبَاعًا مِنْ أَتْبَاعِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ ، وَقَدْ أُغْفِلَ بَيَانُ وَجْهِ التَّفْرِيعِ فِي هَذَا اللَّفْظِ النَّبَوِيِّ الْبَلِيغِ .
وَهَذِهِ الْجِهَةُ مِنَ الْإِعْجَازِ إِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْقُرْآنِ بِمَجْمُوعِهِ أَيْ مَجْمُوعِ هَذَا الْكِتَابِ إِذْ لَيْسَتْ كُلُّ آيَةٍ مِنْ آيَاتِهِ وَلَا كُلُّ سُورَةٍ مِنْ سُوَرِهِ بِمُشْتَمِلَةٍ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْإِعْجَازِ ، وَلِذَلِكَ فَهُوَ إِعْجَازٌ حَاصِلٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرُ حَاصِلٍ بِهِ التَّحَدِّي إِلَّا إِشَارَةً نَحْوَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِعْجَازُهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لِلْعَرَبِ ظَاهِرٌ : إِذْ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِتِلْكَ الْعُلُومِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=49مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ، وَإِعْجَازُهُ لِعَامَّةِ النَّاسِ أَنْ تَجِيءَ تِلْكَ الْعُلُومُ مِنْ رَجُلٍ نَشَأَ أُمِّيًّا فِي قَوْمٍ أُمِّيِّينَ ، وَإِعْجَازُهُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً إِذْ كَانَ يُنْبِئُهُمْ بِعُلُومِ دِينِهِمْ مَعَ كَوْنِهِ أُمِّيًّا ، وَلَا قِبَلَ لَهُمْ بِأَنْ يَدَّعُوا أَنَّهُمْ عَلَّمُوهُ لِأَنَّهُ كَانَ بِمَرْأًى مِنْ قَوْمِهِ فِي
مَكَّةَ بَعِيدًا عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ كَانَ مُسْتَقَرُّهُمْ بِقُرَى
النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ وَتَيْمَاءَ وَبِلَادِ
فِلَسْطِينَ ، وَلِأَنَّهُ جَاءَ بِنَسْخِ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ ، وَالْإِنْحَاءِ عَلَى
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي تَحْرِيفِهِمْ ، فَلَوْ كَانَ قَدْ تَعَلَّمَ مِنْهُمْ لَأَعْلَنُوا ذَلِكَ وَسَجَّلُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ عَقَّهُمْ حَقَّ التَّعْلِيمِ .
وَأَمَّا الْجِهَةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ الْإِخْبَارُ بِالْمُغَيَّبَاتِ فَقَدِ اقْتَفَيْنَا أَثَرَ مَنْ سَلَفَنَا مِمَّنْ عَدَّ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ اعْتِدَادًا مِنَّا بِأَنَّهُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28742_28741دَلَائِلِ كَوْنِ الْقُرْآنِ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ مَزِيدُ تَعَلُّقٍ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ وَدَلَالَةِ فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ عَلَى الْمَعَانِي الْعُلْيَا ، وَلَا هُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى جُزْئِيَّاتِ هَذَا النَّوْعِ فِي تَضَاعِيفِ هَذَا التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَقَدْ جَاءَ كَثِيرٌ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ مِنْهَا قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غُلِبَتِ الرُّومُ الْآيَةَ ، رَوَى
التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ أَهْلُ
فَارِسَ عَلَى
الرُّومِ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ الرُّومُ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَذَكَرَهُ
أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غُلِبَتِ الرُّومُ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=3فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4فِي بِضْعِ سِنِينَ فَخَرَجَ
أَبُو بَكْرٍ يَصِيحُ بِهَا فِي نَوَاحِي
مَكَّةَ ، فَقَالَ لَهُ نَاسٌ مِنْ
قُرَيْشٍ أَفَلَا نُرَاهِنُكَ عَلَى
[ ص: 130 ] ذَلِكَ ؟ قَالَ بَلَى وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّهَانِ ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ السَّابِعَةُ ظَهَرَتِ
الرُّومُ عَلَى
فَارِسَ وَأَسْلَمَ عِنْدَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ
قُرَيْشٍ . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمُ أَمْنًا وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=8لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ فَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْمَرَاكِبِ مُنَبَّأٌ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا نَزَلَتْ قَبْلَ فَتْحِ
مَكَّةَ بِعَامَيْنِ . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ وَأَعْلَنَ ذَلِكَ الْإِعْجَازَ بِالتَّحَدِّي بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي شَأْنِ الْقُرْآنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24وَلَنْ تَفْعَلُوا فَسَجَّلَ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ أَبَدًا وَكَذَلِكَ كَانَ ، كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا فِي الْجِهَةِ الثَّالِثَةِ .
وَكَأَنَّكَ بَعْدَ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ قَدْ صِرْتَ قَدِيرًا عَلَى الْحُكْمِ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَئِمَّةُ عِلْمِ الْكَلَامِ مِنْ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ لِلْعَرَبِ ، هَلْ كَانَ بِمَا بَلَغَهُ مِنْ مُنْتَهَى الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَحُسْنِ النَّظْمِ ، وَمَا احْتَوَى عَلَيْهِ مِنَ النُّكَتِ وَالْخُصُوصِيَّاتِ الَّتِي لَا تَقْفُ بِهَا عِدَّةً ، وَيَزِيدُهَا النَّظَرُ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ جِدَّةً ، فَلَا تَخْطُرُ بِبَالِ نَاظِرٍ مِنَ الْعُصُورِ الْآتِيَةِ نُكْتَةٌ أَوْ خُصُوصِيَّةٌ إِلَّا وَجَدَ آيَاتِ الْقُرْآنِ تَتَحَمَّلُهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إِيدَاعُ ذَلِكَ فِي كَلَامٍ إِلَّا لِعَلَّامِ الْغُيُوبِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ ، أَوْ كَانَ الْإِعْجَازُ بِصَرْفِ اللَّهِ تَعَالَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ سَلَبَهُمُ الْقُدْرَةَ عَلَى ذَلِكَ لَأَمْكَنَ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ مَقْدُورِ الْبَشَرِ ، وَنُسِبَ هَذَا إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي شَرْحِ
التَّفْتَزَانِيِّ عَلَى الْمِفْتَاحِ عَنِ
النَّظَّامِ وَطَائِفَةٍ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ ، وَيُسَمَّى مَذْهَبَ أَهْلِ الصَّرْفَةِ ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ .
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي اعْتَمَدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12604أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فِي كِتَابِهِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ ، وَأَبْطَلَ مَا عَدَاهُ بِمَا لَا حَاجَةَ إِلَى التَّطْوِيلِ بِهِ ، وَعَلَى اعْتِبَارِهِ دَوَّنَ أَئِمَّةُ الْعَرَبِ عَلِمَ الْبَلَاغَةِ ، وَقَصَدُوا مِنْ ذَلِكَ تَقْرِيبَ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ عَلَى التَّفْصِيلِ دُونَ الْإِجْمَالِ ، فَجَاءُوا بِمَا يُنَاسِبُ الْكَامِلَ مِنْ دَلَائِلَ الْكَمَالِ .