nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28990_31851_31873_29433واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيئا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا
قد تقدم أن من أهم ما اشتملت عليه هذه السورة التنويه بالأنبياء والرسل السالفين . وإذا كان
إبراهيم - عليه السلام -
nindex.php?page=treesubj&link=31851أبا الأنبياء وأول من أعلن التوحيد إعلانا باقيا ، لبنائه له هيكل التوحيد وهو الكعبة ، كان ذكر
إبراهيم من أغراض السورة . وذكر عقب قصة
عيسى لمناسبة وقوع الرد على المشركين في آخر القصة ابتداء من قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=37فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=40إنا نحن نرث الأرض ومن عليها . ولما كان
إبراهيم قد جاء بالحنيفية وخالفها العرب بالإشراك وهم ورثة
إبراهيم كان لتقديم ذكره على البقية الموقع الجليل من البلاغة .
وفي ذلك تسلية للنبيء - صلى الله عليه وسلم - على ما لقي من مشركي قومه لمشابهة حالهم بحال قوم
إبراهيم .
وقد جرى سرد خبر
إبراهيم - عليه السلام - على أسلوب سرد قصة
مريم - عليها السلام - لما في كل من الأهمية كما تقدم .
[ ص: 112 ] وتقدم تفسير
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16واذكر في الكتاب في أول قصة
مريم .
والصديق بتشديد الدال صيغة مبالغة في الاتصاف ، مثل الملك الضليل لقب
امرئ القيس ، وقولهم : رجل مسيك ، أي شحيح ، ومنه طعام حريف ، ويقال : دليل خريت ، إذ كان ذا حذق بالطرق الخفية في المفاوز ، مشتقا من الخرت وهو ثقب الشيء كأنه يثقب المسدودات ببصره .
وتقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46يوسف أيها الصديق .
nindex.php?page=treesubj&link=31851_31850وصف إبراهيم بالصديق لفرط صدقه في امتثال ما يكلفه الله تعالى لا يصده عن ذلك ما قد يكون عذرا للمكلف مثل مبادرته إلى محاولة ذبح ولده حين أمره الله بذلك في وحي الرؤيا ، فالصدق هنا بمعنى بلوغ نهاية الصفة في الموصوف بها ، كما في قول
تأبط شرا .
إني لمهد من ثنائي فقاصد به لابن عم الصدق شمس بن مالك
وتأكيد هذا الخبر بحرف التوكيد وبإقحام فعل الكون للاهتمام بتحقيقه زيادة في الثناء عليه .
وجملة ( إنه كان صديقا نبيئا ) واقعة موقع التعليل للاهتمام بذكره في التلاوة ، وهذه الجملة معترضة بين المبدل منه والبدل فإن إذا اسم زمان وقع بدلا من
إبراهيم ، أي اذكر ذلك خصوصا من أحوال
إبراهيم فإنه أهم ما يذكر فيه لأنه مظهر صديقيته إذ خاطب أباه بذلك الإنكار .
nindex.php?page=treesubj&link=29634والنبيء : فعيل بمعنى مفعول ، من أنبأه بالخبر . والمراد هنا أنه منبأ من جانب الله تعالى بالوحي . والأكثر أن يكون النبيء مرسلا للتبليغ ، وهو معنى شرعي ، فالنبيء فيه حقيقة عرفية . وتقدم
[ ص: 113 ] في سورة البقرة عند قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246إذ قالوا لنبيء لهم ابعث لنا ملكا ) ، فدل ذلك على أن قوله لأبيه
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر إنما كان عن وحي من الله ليبلغ قومه إبطال عبادة الأصنام .
وقرأ الجمهور ( نبيئا ) بياء مشددة بتخفيف الهمزة ياء لثقلها ولمناسبة الكسرة .
وقرأه
نافع وحده ( نبيئا ) بهمزة آخره . وبذلك تصير الفاصلة القرآنية على حرف الألف ، ومثل تلك الفاصلة كثير في فواصل القرآن .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42إذ قال لأبيه إلخ . . . بدل اشتمال من
إبراهيم . وإذ اسم زمان مجرد عن الظرفية لأن إذ ظرف متصرف على التحقيق . والمعنى : اذكر
إبراهيم زمان قوله لأبيه فإن ذلك الوقت أجدر أوقات
إبراهيم بأن يذكر . وأبو
إبراهيم هو ( آزار ) تقدم ذكره في سورة الأنعام .
وافتتح
إبراهيم خطابه أباه بندائه مع أن الحضرة مغنية عن النداء قصدا لإحضار سمعه وذهنه لتلقي ما سيلقيه إليه .
قال الجد الوزير رحمه الله فيما أملاه علي ذات ليلة من عام 1318 هـ فقال :
علم
إبراهيم أن في طبع أهل الجهالة تحقيرهم للصغير كيفما بلغ حاله في الحذق وبخاصة الآباء مع أبنائهم ، فتوجه إلى أبيه بخطابه بوصف الأبوة إيماء إلى أنه مخلص له النصيحة ، وألقى إليه حجة فساد عبادته فيصوره الاستفهام عن سبب عبادته وعمله المخطئ ، منبها على خطئه عندما يتأمل في عمله ، فإنه إن سمع ذلك وحاول بيان سبب عبادة أصنامه لم يجد لنفسه مقالا ففطن بخطل رأيه
[ ص: 114 ] وسفاهة حلمه ، فإنه لو عبد حيا مميزا لكانت له شبهة ما .
وابتدأ بالحجة الراجعة إلى الحس إذ قال له
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر فذلك حجة محسوسة ، ثم أتبعها بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42ولا يغني عنك شيئا ، ثم انتقل إلى دفع ما يخالج عقل أبيه من النفور عن تلقي الإرشاد من ابنه بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=43يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ، فلما قضى حق ذلك انتقل إلى تنبيهه على أن ما هو فيه أثر من وساوس الشيطان ، ثم ألقى إليه حجة لائقة بالمتصلبين في الضلال بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=45يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ، أي إن الله أبلغ إليك الوعيد على لساني ، فإن كنت لا تجزم بذلك فافرض وقوعه فإن أصنامك لم تتوعدك على أن تفارق عبادتها . وهذا كما في الشعر المنسوب إلى
علي - رضي الله عنه - :
زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تحشر الأجسام قلت : إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما
قال : وفي النداء بقوله يا أبت أربع مرات تكرير اقتضاه مقام استنزاله إلى قبول الموعظة لأنها مقام إطناب . ونظر ذلك بتكرير لقمان قوله يا بني ثلاث مرات ، قال : بخلاف قول
نوح لابنه
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42يا بني اركب معنا مرة واحدة دون تكرير لأن ضيق المقام يقتضي الإيجاز وهذا من طرق الإعجاز . انتهى كلامه بما يقارب لفظه .
وأقول : الوجه ما بني عليه من أن الاستفهام مستعمل في حقيقته ، كما أشار إليه صاحب الكشاف ، ومكنى به عن نفي العلة المسئول عنها بقوله لم تعبد ، فهو كناية عن التعجيز عن إبداء المسئول عنه ، فهو من التورية في معنيين يحتملهما الاستفهام .
[ ص: 115 ] وأبت : أصله أبي ، حذفوا ياء المتكلم وعوضوا عنها تاء تعويضا على غير قياس ، وهو خاص بلفظ الأب والأم في النداء خاصة ، ولعله صيغة باقية من العربية القديمة . ورأى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن التاء تصير في الوقف هاء ، وخالفه
الفراء فقال : ببقائها في الوقف . والتاء مكسورة في الغالب لأنها عوض عن الياء والياء بنت الكسرة ولما كسروها فتحوا الياء وبذلك قرأ الجمهور .
وقرأ
ابن عامر ، وأبو جعفر ( يا أبت ) بفتح التاء دون ألف بعدها ، بناء على أنهم يقولون ( يا أبتا ) بألف بعد التاء لأن ياء المتكلم إذا نودي يجوز فتحها وإشباع فتحتها فقرأه على اعتبار حذف الألف تخفيفا وبقاء الفتحة .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28990_31851_31873_29433وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيئًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَةُ التَّنْوِيهَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ السَّالِفِينَ . وَإِذَا كَانَ
إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
nindex.php?page=treesubj&link=31851أَبَا الْأَنْبِيَاءِ وَأَوَّلَ مَنْ أَعْلَنَ التَّوْحِيدَ إِعْلَانًا بَاقِيًا ، لِبِنَائِهِ لَهُ هَيْكَلَ التَّوْحِيدِ وَهُوَ الْكَعْبَةُ ، كَانَ ذِكْرُ
إِبْرَاهِيمَ مِنْ أَغْرَاضِ السُّورَةِ . وَذُكِرَ عَقِبَ قِصَّةِ
عِيسَى لِمُنَاسَبَةِ وُقُوعِ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي آخِرِ الْقِصَّةِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=37فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=40إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا . وَلَمَّا كَانَ
إِبْرَاهِيمُ قَدْ جَاءَ بِالْحَنِيفِيَّةِ وَخَالَفَهَا الْعَرَبُ بِالْإِشْرَاكِ وَهُمْ وَرَثَةُ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ لِتَقْدِيمِ ذِكْرِهِ عَلَى الْبَقِيَّةِ الْمَوْقِعُ الْجَلِيلُ مِنَ الْبَلَاغَةِ .
وَفِي ذَلِكَ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا لَقِيَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ لِمُشَابَهَةِ حَالِهِمْ بِحَالِ قَوْمِ
إِبْرَاهِيمَ .
وَقَدْ جَرَى سَرْدُ خَبَرِ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أُسْلُوبِ سَرْدِ قِصَّةِ
مَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - لِمَا فِي كُلٍّ مِنَ الْأَهَمِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ .
[ ص: 112 ] وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ فِي أَوَّلِ قِصَّةِ
مَرْيَمَ .
وَالصِّدِّيقُ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ فِي الِاتِّصَافِ ، مِثْلُ الْمَلِكِ الضِّلِّيلِ لَقَبِ
امْرِئِ الْقَيْسِ ، وَقَوْلِهِمْ : رَجُلٌ مِسِّيكٌ ، أَيْ شَحِيحٌ ، وَمِنْهُ طَعَامٌ حِرِّيفٌ ، وَيُقَالُ : دَلِيلٌ خِرِّيتٌ ، إِذْ كَانَ ذَا حِذْقٍ بِالطُّرُقِ الْخَفِيَّةِ فِي الْمَفَاوِزِ ، مُشْتَقًّا مِنَ الْخَرْتِ وَهُوَ ثَقْبُ الشَّيْءِ كَأَنَّهُ يَثْقُبُ الْمَسْدُودَاتِ بِبَصَرِهِ .
وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ .
nindex.php?page=treesubj&link=31851_31850وُصِفَ إِبْرَاهِيمُ بِالصِّدِّيقِ لِفَرْطِ صِدْقِهِ فِي امْتِثَالِ مَا يُكَلِّفُهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصُدُّهُ عَنْ ذَلِكَ مَا قَدْ يَكُونُ عُذْرًا لِلْمُكَلَّفِ مِثْلَ مُبَادَرَتِهِ إِلَى مُحَاوَلَةِ ذَبْحِ وَلَدِهِ حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي وَحْيِ الرُّؤْيَا ، فَالصِّدْقُ هُنَا بِمَعْنَى بُلُوغِ نِهَايَةِ الصِّفَةِ فِي الْمَوْصُوفِ بِهَا ، كَمَا فِي قَوْلِ
تَأَبَّطَ شَرًّا .
إِنِّي لَمُهْدٍ مِنْ ثَنَائِي فَقَاصِدٌ بِهِ لِابْنِ عَمِّ الصِّدْقِ شَمْسِ بْنِ مَالِكِ
وَتَأْكِيدُ هَذَا الْخَبَرِ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ وَبِإِقْحَامِ فِعْلِ الْكَوْنِ لِلِاهْتِمَامِ بِتَحْقِيقِهِ زِيَادَةً فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ .
وَجُمْلَةُ ( إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيئًا ) وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلِاهْتِمَامِ بِذِكْرِهِ فِي التِّلَاوَةِ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَالْبَدَلِ فَإِنَّ إِذَا اسْمُ زَمَانٍ وَقَعَ بَدَلًا مِنْ
إِبْرَاهِيمَ ، أَيِ اذْكُرْ ذَلِكَ خُصُوصًا مِنْ أَحْوَالِ
إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ أَهَمُّ مَا يُذْكَرُ فِيهِ لِأَنَّهُ مَظْهَرُ صِدِّيقِيَّتِهِ إِذْ خَاطَبَ أَبَاهُ بِذَلِكَ الْإِنْكَارِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29634وَالنَّبِيءُ : فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ، مِنْ أَنْبَأَهُ بِالْخَبَرِ . وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ مُنَبَّأٌ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَحْيِ . وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيءُ مُرْسَلًا لِلتَّبْلِيغِ ، وَهُوَ مَعْنًى شَرْعِيٌّ ، فَالنَّبِيءُ فِيهِ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ . وَتَقَدَّمَ
[ ص: 113 ] فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246إِذْ قَالُوا لِنَبِيءٍ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا ) ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لِأَبِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ إِنَّمَا كَانَ عَنْ وَحْيٍ مِنَ اللَّهِ لِيُبَلِّغَ قَوْمَهُ إِبْطَالَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( نَبِيئًا ) بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بِتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ يَاءً لِثِقَلِهَا وَلِمُنَاسَبَةِ الْكَسْرَةِ .
وَقَرَأَهُ
نَافِعٌ وَحْدَهُ ( نَبِيئًا ) بِهَمْزَةٍ آخِرَهُ . وَبِذَلِكَ تَصِيرُ الْفَاصِلَةُ الْقُرْآنِيَّةُ عَلَى حَرْفِ الْأَلِفِ ، وَمِثْلُ تِلْكَ الْفَاصِلَةِ كَثِيرٌ فِي فَوَاصِلِ الْقُرْآنِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ إِلَخْ . . . بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ
إِبْرَاهِيمَ . وَإِذِ اسْمُ زَمَانٍ مُجَرَّدٌ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ لِأَنَّ إِذْ ظَرْفٌ مُتَصَرِّفٌ عَلَى التَّحْقِيقِ . وَالْمَعْنَى : اذْكُرْ
إِبْرَاهِيمَ زَمَانَ قَوْلِهِ لِأَبِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ أَجْدَرُ أَوْقَاتِ
إِبْرَاهِيمَ بِأَنْ يُذْكَرَ . وَأَبُو
إِبْرَاهِيمَ هُوَ ( آزَارُ ) تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ .
وَافْتَتَحَ
إِبْرَاهِيمُ خِطَابَهُ أَبَاهُ بِنِدَائِهِ مَعَ أَنَّ الْحَضْرَةَ مُغْنِيَةٌ عَنِ النِّدَاءِ قَصْدًا لِإِحْضَارِ سَمْعِهِ وَذِهْنِهِ لِتَلَقِّي مَا سَيُلْقِيهِ إِلَيْهِ .
قَالَ الْجَدُّ الْوَزِيرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا أَمْلَاهُ عَلَيَّ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ عَامِ 1318 هـ فَقَالَ :
عَلِمَ
إِبْرَاهِيمُ أَنَّ فِي طَبْعِ أَهْلِ الْجَهَالَةِ تَحْقِيرَهُمْ لِلصَّغِيرِ كَيْفَمَا بَلَغَ حَالُهُ فِي الْحِذْقِ وَبِخَاصَّةٍ الْآبَاءُ مَعَ أَبْنَائِهِمْ ، فَتَوَجَّهَ إِلَى أَبِيهِ بِخِطَابِهِ بِوَصْفِ الْأُبُوَّةِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ مُخْلِصٌ لَهُ النَّصِيحَةَ ، وَأَلْقَى إِلَيْهِ حُجَّةَ فَسَادِ عِبَادَتِهِ فَيُصَوِّرُهُ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ سَبَبِ عِبَادَتِهِ وَعَمَلِهِ الْمُخْطِئِ ، مُنَبِّهًا عَلَى خَطَئِهِ عِنْدَمَا يَتَأَمَّلُ فِي عَمَلِهِ ، فَإِنَّهُ إِنْ سَمِعَ ذَلِكَ وَحَاوَلَ بَيَانَ سَبَبِ عِبَادَةِ أَصْنَامِهِ لَمْ يَجِدْ لِنَفْسِهِ مَقَالًا فَفَطِنَ بِخَطَلِ رَأْيِهِ
[ ص: 114 ] وَسَفَاهَةِ حِلْمِهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ عَبَدَ حَيًّا مُمَيِّزًا لَكَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ مَا .
وَابْتَدَأَ بِالْحُجَّةِ الرَّاجِعَةِ إِلَى الْحِسِّ إِذْ قَالَ لَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ فَذَلِكَ حُجَّةٌ مَحْسُوسَةٌ ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى دَفْعِ مَا يُخَالِجُ عَقْلَ أَبِيهِ مِنَ النُّفُورِ عَنْ تَلَقِّي الْإِرْشَادِ مِنِ ابْنِهِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=43يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ، فَلَمَّا قَضَى حَقَّ ذَلِكَ انْتَقَلَ إِلَى تَنْبِيهِهِ عَلَى أَنَّ مَا هُوَ فِيهِ أَثَرٌ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ ، ثُمَّ أَلْقَى إِلَيْهِ حُجَّةً لَائِقَةً بِالْمُتَصِلِّبِينَ فِي الضَّلَالِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=45يَا أَبَتِ إِنِّيَ أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ، أَيْ إِنَّ اللَّهَ أَبْلَغَ إِلَيْكَ الْوَعِيدَ عَلَى لِسَانِي ، فَإِنْ كُنْتَ لَا تَجْزِمُ بِذَلِكَ فَافْرِضْ وُقُوعَهُ فَإِنَّ أَصْنَامَكَ لَمْ تَتَوَعَّدْكَ عَلَى أَنْ تُفَارِقَ عِبَادَتَهَا . وَهَذَا كَمَا فِي الشِّعْرِ الْمَنْسُوبِ إِلَى
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - :
زَعَمَ الْمُنَجِّمُ وَالطَّبِيبُ كِلَاهُمَا لَا تُحْشَرُ الْأَجْسَامُ قُلْتُ : إِلَيْكُمَا
إِنْ صَحَّ قَوْلُكُمَا فَلَسْتُ بِخَاسِرٍ أَوْ صَحَّ قَوْلِي فَالْخَسَارُ عَلَيْكُمَا
قَالَ : وَفِي النِّدَاءِ بِقَوْلِهِ يَا أَبَتِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ تَكْرِيرٌ اقْتَضَاهُ مَقَامُ اسْتِنْزَالِهِ إِلَى قَبُولِ الْمَوْعِظَةِ لِأَنَّهَا مَقَامُ إِطْنَابٍ . وَنُظِّرَ ذَلِكَ بِتَكْرِيرِ لُقْمَانَ قَوْلَهُ يَا بُنَيَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، قَالَ : بِخِلَافِ قَوْلِ
نُوحٍ لِابْنِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا مَرَّةً وَاحِدَةً دُونَ تَكْرِيرٍ لِأَنَّ ضِيقَ الْمَقَامِ يَقْتَضِي الْإِيجَازَ وَهَذَا مِنْ طُرُقُ الْإِعْجَازِ . انْتَهَى كَلَامُهُ بِمَا يُقَارِبُ لَفْظَهُ .
وَأَقُولُ : الْوَجْهُ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ ، وَمُكَنًّى بِهِ عَنْ نَفْيِ الْعِلَّةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ لِمَ تَعْبُدُ ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّعْجِيزِ عَنْ إِبْدَاءِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ ، فَهُوَ مِنَ التَّوْرِيَةِ فِي مَعْنَيَيْنِ يَحْتَمِلُهُمَا الِاسْتِفْهَامُ .
[ ص: 115 ] وَأَبَتِ : أَصْلُهُ أَبِي ، حَذَفُوا يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ وَعَوَّضُوا عَنْهَا تَاءً تَعْوِيضًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ ، وَهُوَ خَاصٌّ بِلَفْظِ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي النِّدَاءِ خَاصَّةً ، وَلَعَلَّهُ صِيغَةٌ بَاقِيَةٌ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ الْقَدِيمَةِ . وَرَأَى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ أَنَّ التَّاءَ تَصِيرُ فِي الْوَقْفِ هَاءً ، وَخَالَفَهُ
الْفَرَّاءُ فَقَالَ : بِبَقَائِهَا فِي الْوَقْفِ . وَالتَّاءُ مَكْسُورَةٌ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنِ الْيَاءِ وَالْيَاءُ بِنْتُ الْكَسْرَةِ وَلَمَّا كَسَرُوهَا فَتَحُوا الْيَاءَ وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ .
وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ ( يَا أَبَتَ ) بِفَتْحِ التَّاءِ دُونَ أَلِفٍ بَعْدَهَا ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ( يَا أَبَتَا ) بِأَلِفٍ بَعْدِ التَّاءِ لِأَنْ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ إِذَا نُودِيَ يَجُوزُ فَتْحُهَا وَإِشْبَاعُ فَتَحْتِهَا فَقَرَأَهُ عَلَى اعْتِبَارِ حَذْفِ الْأَلِفِ تَخْفِيفًا وَبَقَاءِ الْفَتْحَةِ .