nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72nindex.php?page=treesubj&link=28996والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما
أتبع خصال المؤمنين الثلاث التي هي قوام الإيمان بخصال أخرى من خصالهم هي من كمال الإيمان ، والتخلق بفضائله ، ومجانبة أحوال أهل الشرك . وتلك ثلاث خصال أولاها أفصح عنه قوله هنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72والذين لا يشهدون الزور ) الآية .
وفعل شهد يستعمل بمعنى حضر وهو أصل إطلاقه كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) ، ويستعمل بمعنى أخبر عن شيء شهده وعلمه كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=26وشهد شاهد من أهلها ) .
nindex.php?page=treesubj&link=16208والزور : الباطل من قول أو فعل وقد غلب على الكذب . وقد تقدم في أول السورة فيجوز أن يكون معنى الآية : أنهم لا يحضرون محاضر الباطل التي كان يحضرها المشركون ، وهي مجالس اللهو والغناء والغيبة ونحوها ، وكذلك أعياد المشركين وألعابهم ، فيكون الزور مفعولا به لـ ( يشهدون ) . وهذا ثناء على المؤمنين بمقاطعة المشركين وتجنبهم . فأما شهود مواطن عبادة الأصنام فذلك قد دخل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) . وفي معنى هذه الآية قوله في سورة الأنعام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=68وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) ويجوز أن
[ ص: 79 ] يكون فعل ( يشهدون ) بمعنى الإخبار عما علموه ويكون الزور منصوبا على نزع الخافض ، أي لا يشهدون بالزور ؛ أو مفعولا مطلقا لبيان نوع الشهادة ، أي لا يشهدون شهادة هي زور لا حق .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وإذا مروا باللغو مروا كراما ) مناسب لكلا الجملتين .
واللغو : الكلام العبث والسفه الذي لا خير فيه . وتقدم في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62لا يسمعون فيها لغوا ) في سورة مريم . ومعنى المرور به المرور بأصحابه اللاغين في حال لغوهم ، فجعل المرور بنفس اللغو للإشارة إلى أن أصحاب اللغو متلبسون به وقت المرور .
ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72مروا كراما ) أنهم يمرون وهم في حال كرامة ، أي : غير متلبسين بالمشاركة في اللغو فيه ، فإن السفهاء إذا مروا بأصحاب اللغو أنسوا بهم ووقفوا عليهم وشاركوهم في لغوهم فإذا فعلوا ذلك كانوا في غير حال كرامة .
والكرامة : النزاهة ومحاسن الخلال ، وضدها اللؤم والسفالة . وأصل الكرامة أنها نفاسة الشيء في نوعه قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=7أنبتنا فيها من كل زوج كريم ) . وقال بعض شعراء
حمير في الحماسة :
ولا يخيم اللقـاء فـارسـهـم حتى يشق الصفوف من كرمه
أي : شجاعته ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=44وأعد لهم أجرا كريما ) .
nindex.php?page=treesubj&link=32489وإذا مر أهل المروءة على أصحاب اللغو تنزهوا عن مشاركتهم وتجاوزوا ناديهم فكانوا في حال كرامة ، وهذا ثناء على المؤمنين بترفعهم على ما كانوا عليه في الجاهلية كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=70وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ) ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=55وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) .
وإعادة فعل ( مروا ) لبناء الحال عليه ، وذلك من محاسن الاستعمال ، كقول
الأحوص :
فإذا تزول تزول عن متخمط تخشى بوادره على الأقران
[ ص: 80 ] ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=63ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا ) كما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني في شرح مشكل أبيات الحماسة ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72nindex.php?page=treesubj&link=28996وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا
أَتْبَعَ خِصَالَ الْمُؤْمِنِينَ الثَّلَاثَ الَّتِي هِيَ قِوَامُ الْإِيمَانِ بِخِصَالٍ أُخْرَى مِنْ خِصَالِهِمْ هِيَ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ ، وَالتَّخَلُّقِ بِفَضَائِلِهِ ، وَمُجَانَبَةِ أَحْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ . وَتِلْكَ ثَلَاثُ خِصَالٍ أَوْلَاهَا أَفْصَحَ عَنْهُ قَوْلُهُ هُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) الْآيَةَ .
وَفِعْلُ شَهِدَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى حَضَرَ وَهُوَ أَصْلُ إِطْلَاقِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ، وَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ شَهِدَهُ وَعَلِمَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=26وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) .
nindex.php?page=treesubj&link=16208وَالزُّورُ : الْبَاطِلُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَقَدْ غَلَبَ عَلَى الْكَذِبِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّهُمْ لَا يَحْضُرُونَ مَحَاضِرَ الْبَاطِلِ الَّتِي كَانَ يَحْضُرُهَا الْمُشْرِكُونَ ، وَهِيَ مَجَالِسُ اللَّهْوِ وَالْغِنَاءِ وَالْغَيْبَةِ وَنَحْوِهَا ، وَكَذَلِكَ أَعْيَادُ الْمُشْرِكِينَ وَأَلْعَابُهُمْ ، فَيَكُونُ الزُّورُ مَفْعُولًا بِهِ لِـ ( يَشْهَدُونَ ) . وَهَذَا ثَنَاءٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِمُقَاطَعَةِ الْمُشْرِكِينَ وَتَجَنُّبِهِمْ . فَأَمَّا شُهُودُ مَوَاطِنِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَذَلِكَ قَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) . وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=68وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) وَيَجُوزُ أَنْ
[ ص: 79 ] يَكُونَ فِعْلُ ( يَشْهَدُونَ ) بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ عَمَّا عَلِمُوهُ وَيَكُونَ الزُّورُ مَنْصُوبًا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ ، أَيْ لَا يَشْهَدُونَ بِالزُّورِ ؛ أَوْ مَفْعُولًا مُطْلَقًا لِبَيَانِ نَوْعِ الشَّهَادَةِ ، أَيْ لَا يَشْهَدُونَ شَهَادَةً هِيَ زُورٌ لَا حَقٌّ .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) مُنَاسِبٌ لِكِلَا الْجُمْلَتَيْنِ .
وَاللَّغْوُ : الْكَلَامُ الْعَبَثُ وَالسَّفَهُ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ . وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا ) فِي سُورَةِ مَرْيَمَ . وَمَعْنَى الْمُرُورِ بِهِ الْمُرُورُ بِأَصْحَابِهِ اللَّاغِينَ فِي حَالِ لَغْوِهِمْ ، فَجَعَلَ الْمُرُورَ بِنَفْسِ اللَّغْوِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ أَصْحَابَ اللَّغْوِ مُتَلَبِّسُونَ بِهِ وَقْتَ الْمُرُورِ .
وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72مَرُّوا كِرَامًا ) أَنَّهُمْ يَمُرُّونَ وَهُمْ فِي حَالِ كَرَامَةٍ ، أَيْ : غَيْرَ مُتَلَبِّسِينَ بِالْمُشَارَكَةِ فِي اللَّغْوِ فِيهِ ، فَإِنَّ السُّفَهَاءَ إِذَا مَرُّوا بِأَصْحَابِ اللَّغْوِ أَنِسُوا بِهِمْ وَوَقَفُوا عَلَيْهِمْ وَشَارَكُوهُمْ فِي لَغْوِهِمْ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَانُوا فِي غَيْرِ حَالِ كَرَامَةٍ .
وَالْكَرَامَةُ : النَّزَاهَةُ وَمَحَاسِنُ الْخِلَالِ ، وَضِدُّهَا اللُّؤْمُ وَالسَّفَالَةُ . وَأَصْلُ الْكَرَامَةِ أَنَّهَا نَفَاسَةُ الشَّيْءِ فِي نَوْعِهِ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=7أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ) . وَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ
حِمْيَرَ فِي الْحَمَاسَةِ :
وَلَا يَخِيمُ اللِّقَـاءَ فَـارِسُـهُـمْ حَتَّى يَشُقَّ الصُّفُوفَ مِنْ كَرَمِهِ
أَيْ : شَجَاعَتُهُ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=44وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ) .
nindex.php?page=treesubj&link=32489وَإِذَا مَرَّ أَهْلُ الْمُرُوءَةِ عَلَى أَصْحَابِ اللَّغْوِ تَنَزَّهُوا عَنْ مُشَارَكَتِهِمْ وَتَجَاوَزُوا نَادِيَهُمْ فَكَانُوا فِي حَالِ كَرَامَةٍ ، وَهَذَا ثَنَاءٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِتَرَفُّعِهِمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=70وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا ) ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=55وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) .
وَإِعَادَةُ فِعْلِ ( مَرُّوا ) لِبِنَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ الِاسْتِعْمَالِ ، كَقَوْلِ
الْأَحْوَصِ :
فَإِذَا تَزُولُ تَزُولُ عَنْ مُتَخَمِّطٍ تُخْشَى بَوَادِرُهُ عَلَى الْأَقْرَانِ
[ ص: 80 ] وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=63رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ) كَمَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّي فِي شَرْحِ مُشْكِلِ أَبْيَاتِ الْحَمَاسَةِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) .