اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون .
الجملة مبينة لجملة سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ; لأن فيما [ ص: 257 ] سينكشف بعد توجيه كتابه إلى ملكة سبأ ما يصدق خبر الهدهد إن جاء من الملكة جواب عن كتابه ، أو يكذب خبر الهدهد إن لم يجئ منها جواب . ألهم الله سليمان بحكمته أن يجعل لاتصاله ببلاد اليمن طريق المراسلة لإدخال المملكة في حيز نفوذه والانتفاع باجتلاب خيراتها وجعلها طريق تجارة مع شرق مملكته فكتب إلى ملكة سبأ كتابا لتأتي إليه وتدخل تحت طاعته وتصلح ديانة قومها ، وليعلم أن الله ألقى في نفوس الملوك المعاصرين له رهبة من ملكه وجلبا لمرضاته ; لأن الله أيده وإن كانت مملكته أصغر من ممالك جيرانه مثل مملكة اليمن ومملكة مصر . وكانت مملكة سليمان يومئذ محدودة بالأردن وتخوم مصر وبحر الروم . ولم يزل تبادل الرسائل بين الملوك من سنة الدول ومن سنة الدعاة إلى الخير . وقد كتب النبيء صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر . وقد عظم شأن الكتابة في دول الإسلام قال الحريري في المقامة الثانية والعشرين : ( والمنشئ جهينة الأخبار ، وحقيبة الأسرار ، وقلمه لسان الدولة ، وفارس الجولة . . . ) إلخ .
واتخذ للمراسلة وسيلة الطير الزاجل من حمام ونحوه ، فالهدهد من فصيلة الحمام وهو قابل للتدجين ، فقوله : ( اذهب بكتابي هذا ) يقتضي كلاما محذوفا وهو أن سليمان فكر في الاتصال بين مملكته وبين مملكة سبأ فأحضر كتابا وحمله الهدهد .
وتقدم القول على ( ماذا ) عند قوله تعالى : وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم في سورة النحل . وفعل ( انظر ) معلق عن العمل بالاستفهام .
والإلقاء : الرمي إلى الأرض . وتقدم في قوله تعالى : ( وألقوه في غيابة الجب ) في سورة يوسف وهو هنا مستعمل إما في حقيقته إن كان شأن الهدهد أن يصل إلى المكان فيرمي الكتاب من منقاره ، وإما في مجازه إن كان يدخل المكان المرسل إليه فيتناول أصحابه الرسالة من رجله التي تربط فيها الرسالة فيكون الإلقاء مثل قوله : فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون في سورة النحل .
والمراد بالرجع : رجع الجواب عن الكتاب ، أي : من قبول أو رفض . وهذا كقوله الآتي : فانظري ماذا تأمرين .