[ ص: 193 ] nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=167وإن كانوا ليقولون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=168لو أن عندنا ذكرا من الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=169لكنا عباد الله المخلصين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=170nindex.php?page=treesubj&link=29008_30542فكفروا به فسوف يعلمون انتقال من ذكر كفر المشركين بتعدد الإله وبإنكار البعث وما وصفوا به الرسول صلى الله عليه وسلم من السحر والجنون ، ثم بما نسبوا لله مما لا يليق بإلهيته ، وما تخلل ذلك من المواعظ والوعيد لهم والوعد للمؤمنين والعبرة بمصارع المكذبين السابقين وما لقيه رسل الله من أقوامهم .
فانتقل الكلام إلى ذكر ما كفر به المشركون من تكذيب القرآن الذي أنزله الله هدى لهم ، فالمقصود من هذا هو قوله " فكفروا به " أي الذكر ، وإنما قدم له في نظم الكلام ما فيه تسجيل عليهم تهافتهم في القول ، إذ كانوا قبل أن يأتيهم
محمد صلى الله عليه وسلم بالكتاب المبين يودون أن يشرفهم الله بكتاب لهم كما شرف الأولين ، ويرجون لو كان ذلك أن يكونوا عبادا لله مخلصين له ، فلما جاءهم ما رغبوا فيه كفروا به وذلك أفظع الكفر لأنه كفر بما كانوا على بصيرة من أمره ، إذ كانوا يتمنونه لأنفسهم ويغبطون الأمم التي أنزل عليهم مثله ، فلم يكن كفرهم عن مباغتة ولا عن قلة تمكن من النظر .
وتأكيد الخبر ب ( إن ) المخففة من الثقيلة وبلام الابتداء الفارقة بين المخففة والنافية للتسجيل عليهم بتحقيق وقوع ذلك منهم ليسد عليهم باب الإنكار .
وإقحام فعل " كانوا " للدلالة على أن خبر " كان " ثابت لهم في الماضي .
والتعبير بالمضارع في " يقولون " لإفادة أن ذلك تكرر منهم .
و ( لو ) شرطية وسدت ( أن ) وصلتها مسد فعل الشرط وهو كثير في الكلام .
والذكر : الكتاب المقروء ، سمي ذكرا لأنه يذكر الناس بما يجب عليهم ، مسمى بالمصدر . وتقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون في سورة الحجر .
و "
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=168من الأولين " صفة ل " ذكرا " ، والمراد ب " الأولين " الرسل السابقون ، و ( من ) ابتدائية ، أي : ذكرا جائيا من الرسل الأولين ، أي مثل
موسى وعيسى . ومرادهم
[ ص: 194 ] بهذا أن الرسل الأولين لم يكونوا مرسلين إليهم ولا بلغوا إليهم كتابهم ولو كانوا مرسلين إليهم لآمنوا بهم فكانوا عباد الله المخلصين ، فذكر في جواب ( لو ) ما هو أخص من الإيمان ليفيد معنى الإيمان بدلالة الفحوى .
وفي جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=169لكنا عباد الله المخلصين صيغة قصر من أجل كون المسند إليه معرفة بالإضمار والمسند معرفة بالإضافة ، أي لكنا عباد الله دون غيرنا ، ولما وصف المسند ب " المخلصين " وهو معرف بلام الجنس ، حصل قصر عباد الله الذين لهم صفة الإخلاص في المسند إليه ، وهذا قصر ادعائي للمبالغة في ثبوت صفة الإخلاص لهم حتى كانوا شبيهين بالمنفردين بالإخلاص لعدم الاعتداد بإخلاص غيرهم في جانب إخلاصهم . وهو يئول إلى معنى تفضيل أنفسهم في الإخلاص لله حينئذ ، كما صرح به في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=157أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم .
والفاء في قوله " فكفروا به " للتعقيب على فعل " ليقولون " ، أي استمر قولهم حتى كان آخره أن جاءهم الكتاب فكفروا به ، أو للفضيحة ، والتقدير : فكان عندهم ذكر فكفروا به ، فالضمير عائد إلى الذكر وهو القرآن ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز ، وهذا معنى قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=42وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا .
وبهذا كان للوعيد بقوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=170فسوف يعلمون " موقعه المصادف المجز من الكلام ، وهوله بما ضمنه من الإبهام .
و ( سوف ) أخت السين في إفادة مطلق الاستقبال .
[ ص: 193 ] nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=167وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=168لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=169لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=170nindex.php?page=treesubj&link=29008_30542فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ انْتِقَالٌ مَنْ ذِكْرِ كُفْرِ الْمُشْرِكِينَ بِتَعَدُّدِ الْإِلَهِ وَبِإِنْكَارِ الْبَعْثِ وَمَا وَصَفُوا بِهِ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السِّحْرِ وَالْجُنُونِ ، ثُمَّ بِمَا نَسَبُوا لِلَّهِ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِإِلَهِيَّتِهِ ، وَمَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْوَعِيدِ لَهُمْ وَالْوَعْدِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْعِبْرَةِ بِمَصَارِعِ الْمُكَذِّبِينَ السَّابِقِينَ وَمَا لَقِيَهُ رُسُلُ اللَّهِ مِنْ أَقْوَامِهِمْ .
فَانْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى ذِكْرِ مَا كَفَرَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ تَكْذِيبِ الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ هَدًى لَهُمْ ، فَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا هُوَ قَوْلُهُ " فَكَفَرُوا بِهِ " أَيِ الذِّكْرِ ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ لَهُ فِي نَظْمِ الْكَلَامِ مَا فِيهِ تَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ تَهَافُتُهُمْ فِي الْقَوْلِ ، إِذْ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ يَوَدُّونَ أَنْ يُشَرِّفَهُمُ اللَّهُ بِكِتَابٍ لَهُمْ كَمَا شَرَّفَ الْأَوَّلِينَ ، وَيَرْجُونَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا عِبَادًا لِلَّهِ مُخْلَصِينَ لَهُ ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا رَغِبُوا فِيهِ كَفَرُوا بِهِ وَذَلِكَ أَفْظَعُ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ كُفْرٌ بِمَا كَانُوا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ ، إِذْ كَانُوا يَتَمَنَّوْنَهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَغْبِطُونَ الْأُمَمَ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ مِثْلُهُ ، فَلَمْ يَكُنْ كُفْرُهُمْ عَنْ مُبَاغَتَةٍ وَلَا عَنْ قِلَّةِ تَمَكُّنٍ مِنَ النَّظَرِ .
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ ( إِنْ ) الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَبِلَامِ الِابْتِدَاءِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْمُخَفَّفَةِ وَالنَّافِيَةِ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِتَحْقِيقِ وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِيَسُدَّ عَلَيْهِمْ بَابَ الْإِنْكَارِ .
وَإِقْحَامُ فِعْلِ " كَانُوا " لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ خَبَرَ " كَانَ " ثَابِتٌ لَهُمْ فِي الْمَاضِي .
وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فِي " يَقُولُونَ " لِإِفَادَةِ أَنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُمْ .
وَ ( لَوْ ) شَرْطِيَّةٌ وَسَدَّتْ ( أَنَّ ) وَصِلَتُهَا مَسَدَّ فِعْلِ الشَّرْطِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ .
وَالذِّكْرُ : الْكِتَابُ الْمَقْرُوءُ ، سُمِّيَ ذِكْرًا لِأَنَّهُ يُذَكِّرُ النَّاسَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ، مُسَمًّى بِالْمَصْدَرِ . وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ .
وَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=168مِنَ الْأَوَّلِينَ " صِفَةٌ لِ " ذِكْرًا " ، وَالْمُرَادُ بِ " الْأَوَّلِينَ " الرُّسُلُ السَّابِقُونَ ، وَ ( مِنَ ) ابْتِدَائِيَّةٌ ، أَيْ : ذِكْرًا جَائِيًا مِنَ الرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ ، أَيْ مِثْلَ
مُوسَى وَعِيسَى . وَمُرَادُهُمْ
[ ص: 194 ] بِهَذَا أَنَّ الرُّسُلَ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَكُونُوا مُرْسَلِينَ إِلَيْهِمْ وَلَا بَلَّغُوا إِلَيْهِمْ كِتَابَهُمْ وَلَوْ كَانُوا مُرْسَلِينَ إِلَيْهِمْ لَآمَنُوا بِهِمْ فَكَانُوا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ، فَذَكَرَ فِي جَوَابِ ( لَوْ ) مَا هُوَ أَخَصُّ مِنَ الْإِيمَانِ لِيُفِيدَ مَعْنَى الْإِيمَانِ بِدَلَالَةِ الْفَحْوَى .
وَفِي جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=169لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ صِيغَةُ قَصْرٍ مِنْ أَجْلِ كَوْنِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ مَعْرِفَةً بِالْإِضْمَارِ وَالْمُسْنَدِ مَعْرِفَةً بِالْإِضَافَةِ ، أَيْ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ دُونَ غَيْرِنَا ، وَلَمَّا وَصَفَ الْمُسْنَدَ بِ " الْمُخْلَصِينَ " وَهُوَ مُعَرَّفٌ بِلَامِ الْجِنْسِ ، حَصَلَ قَصْرُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ لَهُمْ صِفَةُ الْإِخْلَاصِ فِي الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ ، وَهَذَا قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِلْمُبَالَغَةِ فِي ثُبُوتِ صِفَةِ الْإِخْلَاصِ لَهُمْ حَتَّى كَانُوا شَبِيهِينَ بِالْمُنْفَرِدِينَ بِالْإِخْلَاصِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِإِخْلَاصِ غَيْرِهِمْ فِي جَانِبِ إِخْلَاصِهِمْ . وَهُوَ يَئُولُ إِلَى مَعْنَى تَفْضِيلِ أَنْفُسِهِمْ فِي الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ حِينَئِذٍ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=157أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ .
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ " فَكَفَرُوا بِهِ " لِلتَّعْقِيبِ عَلَى فِعْلِ " لَيَقُولُونَ " ، أَيِ اسْتَمَرَّ قَوْلُهُمْ حَتَّى كَانَ آخِرُهُ أَنْ جَاءَهُمُ الْكِتَابُ فَكَفَرُوا بِهِ ، أَوْ لِلْفَضِيحَةِ ، وَالتَّقْدِيرُ : فَكَانَ عِنْدَهُمْ ذِكْرٌ فَكَفَرُوا بِهِ ، فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الذِّكْرِ وَهُوَ الْقُرْآنُ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=42وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لِيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا .
وَبِهَذَا كَانَ لِلْوَعِيدِ بِقَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=170فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " مَوْقِعُهُ الْمُصَادِفُ الْمِجَزُّ مِنَ الْكَلَامِ ، وَهَوْلُهُ بِمَا ضَمِنَهُ مِنَ الْإِبْهَامِ .
وَ ( سَوْفَ ) أُخْتُ السِّينِ فِي إِفَادَةِ مُطْلَقِ الِاسْتِقْبَالِ .