[ ص: 284 ] إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلاثة .
إذا رجت الأرض بدل من جملة إذا وقعت الواقعة وهو بدل اشتمال .
والرج : الاضطراب والتحرك الشديد ، فمعنى رجت رجها راج ، وهو ما يطرأ فيها من الزلازل والخسف ونحو ذلك .
وتأكيده بالمصدر للدلالة على تحققه وليتأتى التنوين المشعر بالتعظيم والتهويل .
والبس يطلق بمعنى التفتت وهو تفرق الأجزاء المجموعة ، ومنه البسيسة من أسماء السويق أي فتتت الجبال ونسفت فيكون كقوله تعالى ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا .
ويطلق البس أيضا على السوق للماشية ، يقال : بس الغنم ، إذا ساقها . وفي الحديث والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، فهو في معنى قوله تعالى فيأتي قوم يبسون بأموالهم وأهليهم ويوم نسير الجبال ، وقوله وسيرت الجبال وتأكيده بقوله بسا كالتأكيد في قوله رجا لإفادة التعظيم بالتنوين .
وتفريع فكانت هباء منبثا على وبست الجبال لائق بمعنى البس لأن الجبال إذا سيرت فإنما تسير تسييرا يفتتها ويفرقها ، أي تسيير بعثرة وارتطام .
والهباء : ما يلوح في خيوط شعاع الشمس من دقيق الغبار ، وتقدم عند قوله تعالى فجعلناه هباء منثورا في سورة الفرقان .
والمنبث : اسم فاعل انبث ، مطاوع بثه ، إذا فرقه . واختير هذا المطاوع لمناسبته مع قوله وبست الجبال في أن المبني للنائب معناه كالمطاوعة ، وقوله فكانت هباء منبثا تشبيه بليغ ، أي فكانت كالهباء المنبث .
والخطاب في وكنتم أزواجا ثلاثة للناس كلهم ، وهذا تخلص للمقصود من السورة وهو الموعظة .
[ ص: 285 ] والأزواج : الأصناف . والزوج يطلق على الصنف والنوع كقوله تعالى فيها من كل فاكهة زوجان ووجه ذلك أن الصنف إذا ذكر يذكر معه نظيره غالبا فيكون زوجا .