( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ) هذه تسلية للرسول عن متابعة أهل الكتاب له . أعلمه أولا أنهم يعلمون أنه الحق ، وهم يكتمونه ، ولا يرتبون على العلم به مقتضاه . ثم سلاه عن قبولهم الحق ، بأنهم قد انتهوا في العناد وإظهار المعاداة إلى رتبة ، لو جئتهم فيها بجميع المعجزات التي كل معجزة منها تقتضي قبول الحق ، ما تبعوك ولا سلكوا طريقك . وإذا كانوا لا يتبعونك مع مجيئك لهم بجميع المعجزات ، فأحرى أن لا يتبعوك إذا جئتهم بمعجزة واحدة . والمعنى : بكل آية يدل على أن توجهك إلى الكعبة هو الحق . واللام في : " ولئن " ، هي التي تؤذن بقسم محذوف متقدم . فقد اجتمع القسم المتقدم المحذوف ، والشرط متأخر عنه ، فالجواب للقسم وهو قوله : ( ما تبعوا ) ، ولذلك لم تدخله الفاء . وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ، وهو منفي بما ماضي الفعل مستقبل . المعنى : أي ما يتبعون قبلتك ; لأن الشرط قيد في الجملة ، والشرط مستقبل ، فوجب أن يكون مضمون الجملة مستقبلا ، ضرورة لأن المستقبل لا يكون شرطا في الماضي . ونظير هذا التركيب في المثبت قوله تعالى : ( ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون ) ، التقدير : ليظلن أوقع الماضي المقرون باللام جوابا للقسم المحذوف ، ولذلك دخلت عليه اللام موقع المستقبل ، فهو ماض من حيث اللفظ ، [ ص: 431 ] مستقبل من حيث المعنى ; لأن الشرط قيد فيه ، كما ذكرنا . وجواب الشرط في الآيتين محذوف ، سد مسده جواب القسم ، ولذلك أتى فعل الشرط ماضيا في اللفظ ; لأنه إذا كان الجواب محذوفا ، وجب مضي فعل الشرط لفظا ، إلا في ضرورة الشعر ، فقد يأتي مضارعا . وذهب الفراء إلى أن إن هنا بمعنى لو ، ولذلك كانت ما في الجواب ، فجعل ما تبعوا جوابا لإن ; لأن إن بمعنى لو ، فكما أن لو تجاب بما ، كذلك أجيبت " إن " التي بمعنى لو ، وإن كان إن إذا لم يكن بمعنى لو ، لم يكن جوابها مصدرا بما ، بل لا بد من الفاء . تقول : إن تزرني فما أزورك ، ولا يجوز : ما أزورك . وعلى هذا يكون جواب القسم محذوفا لدلالة جواب إن عليه . وهذا الذي قاله الفراء هو بناء على مذهبه أن القسم إذا تقدم على الشرط ، جاز أن يكون الجواب للشرط دون القسم . وليس هذا مذهب البصريين ، بل الجواب يكون للقسم بشرطه المذكور في النحو . واستعمال إن بمعنى لو قليل ، فلا ينبغي أن يحمل على ذلك ، إذا ساغ إقرارها على أصل وضعها . وقال ابن عطية : وجاء جواب لئن كجواب لو ، وهي ضدها في أن لو تطلب المضي والوقوع ، وإن تطلب الاستقبال ; لأنهما جميعا يترتب قبلهما القسم . فالجواب إنما هو للقسم ; لأن أحد الحرفين يقع موقع الآخر ، هذا قول . انتهى كلامه . سيبويه
وهذا الكلام فيه تثبيج وعدم نص على المراد ; لأن أوله يقتضي أن الجواب لإن ، وقوله بعد : فالجواب إنما هو للقسم ، يدل على أن الجواب ليس لإن ، والتعليل بعد بقوله : لأن أحد الحرفين يقع موقع الآخر ، لا يصلح أن يعلل به قوله ; فالجواب إنما هو للقسم ، بل يصلح أن يكون تعليلا ، لأن الجواب لإن ، وأجريت في ذلك مجرى لو . وأما قوله : هذا قول ، فليس في كتاب سيبويه ، إلا أن : " ما تبعوا " جواب القسم ، ووضع فيه الماضي موضع المستقبل . قال سيبويه : وقالوا لئن فعلت ما فعل ، يريد معنى ما هو فاعل وما يفعل . وقال أيضا . وقال تعالى : ( سيبويه ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ) : أي ما يمسكهما . وقال بعض الناس : كل واحدة من : لئن ولو ، تقوم مقام الأخرى ، ويجاب بما يجاب به ، ومنه : ( ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا ) ; لأن معناه : ولو أرسلنا ريحا . وكذلك لو يجاب جواب لئن ، كقولك : لو أحسنت إلي أحسن إليك ، هذا قول الأخفش والفراء . وقال والزجاج : لا يجاب إحداهما بجواب الأخرى ; لأن معناهما مختلف ، وقدر الفعل الماضي الذي وقع بعد لئن بمعنى الاستقبال ، تقديره : لا يتبعون ، وليظلن . انتهى كلامه . سيبويه
وتلخص من هذا كله أن في قوله : ( ما تبعوا ) قولين : أحدهما : أنها جواب قسم محذوف ، وهو قول . والثاني : أن ذلك جواب إن لإجرائها مجرى لو ، وهو قول سيبويه الأخفش والفراء . وظاهر قوله : ( أوتوا الكتاب ) : العموم ، وقد قال به هنا قوم . وقال والزجاج الأصم : المراد علماؤهم المخبر عنهم في الآية المتقدمة أنهم الذين أوتوا الكتاب ، وفي الآية المتأخرة . ويدل على خصوص ذلك خصوص ما تقدم ، وخصوص ما تأخر ، فكذلك المتوسط والإخبار بإصرارهم ، وهو شأن المعاند ، وأنه قد آمن به كثير من أهل الكتاب وتبعوا قبلته . واختلفوا في قوله : ( ما تبعوا قبلتك ) . قال الحسن والجبائي : أراد جميعهم ، كأنه قال : لا يجتمعون على اتباع قبلتك ، على نحو : ( ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ) ، ويكون إذ ذاك إخبارا عن المجموع ، من حيث هو مجموع ، لا حكم على الأفراد . وقال الأصم : بل المراد أن أحدا منهم لا يؤمن . وقد تقدم أن من قول الأصم : أنه أريد بأهل الكتاب الخصوص ، فكأنه قال : كل فرد من أولئك المختصين بالعناد ، المستمرين على جحود الحق ، لا يؤمن ولا يتبع قبلتك . وقد احتج أبو مسلم بهذه الآية ، على أن علم الله في عباده وفيما يفعلونه ، ليس بحجة لهم فيما يرتكبون ، وأنهم مستطيعون لأن يفعلوا الخير الذي أمروا به ، ويتركوا ضده الذي نهوا عنه . قيل : واحتج أصحابنا به على القول بتكليف ما لا يطاق ، وهو أنه أخبر عنهم أنهم [ ص: 432 ] لا يتبعون قبلته ، فلو اتبعوا قبلته ، لزم انقلاب خبر الله الصدق كذبا ، وعلمه جهلا ، وهو محال ، وما استلزم المحال فهو محال . وأضاف تعالى القبلة إليه ; لأنه المتعبد بها والمقتدى به في التوجه إليها . أيأس الله نبيه من اتباعهم قبلته ، لأنهم لم يتركوا اتباعه عن دليل لهم وضح ، ولا عن شبهة عرضت ، وإنما ذلك على سبيل العناد ، ومن نازع عنادا فلا يرجى منه انتزاع .
( وما أنت بتابع قبلتهم ) : هذه جملة خبرية . قيل : ومعناها النهي ، أي لا تتبع قبلتهم ، ومعناها : الدوام على ما أنت عليه ، وإلا فهو معصوم عن اتباع قبلتهم بعد ورود الأمر . وقيل : هي باقية على معنى الخبر ، وهو أنه بين بهذا الإخبار أن هذه القبلة لا تصير منسوخة ، فجاءت هذه الجملة رفعا لتجويز النسخ ، أو قطع بذلك رجاء أهل الكتاب ، فإنهم قالوا : يا محمد ، عد إلى قبلتنا ، ونؤمن بك ونتبعك ، مخادعة منهم ، فأيأسهم الله من اتباعه قبلتهم ، أو بين بذلك حصول عصمته ، أو أخبر بذلك على سبيل التعذر لاختلاف قبلتيهم ، أو جاء ذلك على سبيل المقابلة ، أي ما هم بتاركي باطلهم ، وما أنت بتارك حقك . وأفرد القبلة في قوله : " قبلتهم " ، وإن كانت مثناة ، إذ لليهود قبلة ، وللنصارى قبلة مغايرة لتلك القبلة ، لأنهما اشتركتا في كونهما باطلتين ، فصار الاثنان واحدا من جهة البطلان ، وحسن ذلك المقابلة في اللفظ ; لأن قبله ( ما تبعوا قبلتك ) . وهذه الجملة أبلغ في النفي من حيث كانت اسمية تكرر فيها الاسم مرتين ، ومن حيث أكد النفي بالباء في قوله : ( بتابع ) ، وهي مستأنفة معطوفة على الكلام قبلها ، لا على الجواب وحده ، إذ لا يحل محله ; لأن نفي تبعيتهم لقبلته مقيد بشرط لا يصح أن يكون قيدا في نفي تبعيته قبلتهم . وقرأ بعض القراء : بتابع قبلتهم على الإضافة ، وكلاهما فصيح ، أعني إعمال اسم الفاعل هنا وإضافته ، وقد تقدم في أيهما أقيس .
( وما بعضهم بتابع قبلة بعض ) : الضمير في " بعضهم " عائد على أهل الكتاب . والمعنى : أن اليهود لا يتبعون قبلة النصارى ، ولا النصارى تتبع قبلة اليهود ، وذلك إشارة إلى أن اليهود لا تتنصر ، وإلى أن النصارى لا تتهود ، وذلك لما بينهما من إفراط العداوة والتباغض . وقد رأينا اليهود والنصارى كثيرا ما يدخلون في ملة الإسلام ، ولم يشاهد يهوديا تنصر ، ولا نصرانيا تهود . والمراد بالبعضين : من هو باق على دينه من أهل الكتاب ، هذا قول السدي وابن زيد ، وهو الظاهر . وقيل : أحد البعضين من آمن من أهل الكتاب ، والبعض الثاني من كان على دينه منهم ; لأن كلا منهما يسفه حلم الآخر ويكفره ، إذ تباينت طريقتهما . ألا ترى إلى مدح اليهود قبل أن يعلموا بإسلامه وبهتهم له بعد ذلك ؟ وتضمنت هذه الجمل : أن عبد الله بن سلام أهل الكتاب ، وإن اتفقوا على خلافك ، فهم مختلفون في القبلة ، وقبلة اليهود بيت المقدس ، وقبلة النصارى مطلع الشمس .
( ولئن اتبعت أهواءهم ) ، اللام أيضا مؤذنة بقسم محذوف ، ولذلك جاء الجواب بقوله : إنك ، وتعليق وقوع الشيء على شرط لا يقتضي إمكان ذلك الشرط . يقول الرجل لامرأته : إن صعدت إلى السماء فأنت طالق ، ومعلوم امتناع صعودها إلى السماء . وقال تعالى في الملائكة الذين أخبر عنهم : أنهم ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) ، قال : ( ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين ) ، وإذا اتضح ذلك سهل ما ورد من هذا النوع . وفهم من ذلك الاستحالة ; لأن المعلق على المستحيل مستحيل . ويصير معنى هذه الجملة ، التي ظاهرها الوقوع على تقدير امتناع الوقوع ، ويصير المعنى : لا يعد ظالما ، ولا تكونه ، لأنك لا تتبع أهواءهم ، وكذلك لا يحبط عملك ; لأن إشراكك ممتنع ، وكذلك لا يجزى أحد من الملائكة جهنم ; لأنه لا يدعي أنه إله . وقالوا : ما خوطب به من هو معصوم مما لا يمكن وقوعه منه ، فهو محمول على إرادة أمته ، ومن يمكن وقوع ذلك منه ، وإنما جاء الخطاب له على سبيل التعظيم لذلك الأمر ، والتفخيم لشأنه ، حتى يحصل التباعد منه . ونظير ذلك قولهم : إياك [ ص: 433 ] أعني : واسمعي يا جارة .
قال : قوله : ( الزمخشري ولئن اتبعت أهواءهم ) ، بعد الإفصاح عن حقيقة حاله المعلومة عنده في قوله : ( وما أنت بتابع قبلتهم ) ، كلام وارد على سبيل الفرض ، والتقدير بمعنى : ولئن اتبعتهم مثلا بعد وضوح البرهان والإحاطة بحقيقة الأمر ، إنك إذا لمن المرتكبين الظلم الفاحش . وفي ذلك لطف للسامعين ، وزيادة تحذير ، واستفظاع بحال من يترك الدليل بعد إنارته ويتبع الهوى ، وإلهاب للثبات على الحق . انتهى كلامه . وقال في المنتخب : اختلفوا في هذا الخطاب . قال بعضهم : هو للرسول ، وقال بعضهم : هو للرسول وغيره . وقال بعضهم : هو لغير الرسول ; لأنه علم تعالى أن الرسول لا يفعل ذلك ، فلا يجوز أن يخصه بهذا الخطاب . أهواءهم : تقدم أنه جمع هوى ، ولا يجمع على أهوية ، وأكثر استعمال الهوى فيما لا خير فيه ، وقد يستعمل في الخير ، وأصله الميل والمحبة ، وجمع ، وإن كان أصله المصدر ; لاختلاف أغراضهم ومتعلقاتها وتباينها .
( من بعد ما جاءك من العلم ) : أي من الدلائل والآيات التي تفيد لك العلم وتحصله ، فأطلق اسم الأثر على المؤثر . سمى تلك الدلائل علما ، مبالغة وتعظيما وتنبيها على أن العلم من أعظم المخلوقات شرفا ومرتبة . ودلت الآية على أن توجه الوعيد على العلماء أشد من توجهه على غيرهم . وقد فسر العلم هنا بالحق ، يعني أن ما جاءه من تحويل القبلة هو الحق . وقال مقاتل : العلم هنا : البيان ، وجاء في هذا المكان : ( من بعد ما جاءك ) ، وقال قبل هذا : ( بعد الذي جاءك ) ، وجاء في الرعد : ( بعد ما جاءك ) ، فاختص موضعا بالذي ، وموضعين بما ، وهذا الموضع بمن . والذي نقوله في هذا : أنه من اتساع العبارة وذكر المترادف ; لأن ما والذي موصولان ، فأيا منهما ذكرت ، كان فصيحا حسنا . وأما المجيء بمن ، فهو دلالة على ابتداء بعدية المجيء ، وأما قوله : " بعد " ، فهو على معنى من ، والتبعدية مقيدة بها من حيث المعنى ، وإن كان إطلاق بعد لا يقتضيها . وقال بعضهم : في الجواب عن ذلك دخول ما مكان الذي ; لأن " الذي " أخص ، " وما " أشد إبهاما ، فحيث خص بالذي أشير به إلى العلم بصحة الدين ، الذي هو الإسلام ، المانع من ملتي اليهود والنصارى ، فكان اللفظ الأخص الأشهر أولى فيه ; لأنه علم بكل أصول الدين ، وخص بلفظ ما ، ما أشير به إلى العلم بركن من أركان الدين ، أحدهما القبلة ، والآخر الكتاب ; لأنه أشار إلى قوله : ( ومن الأحزاب من ينكر بعضه ) ، قال : وأما دخول من ففائدته ظاهرة ، وهي بيان أول الوقت الذي وجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخالف أهل الكتاب في أمر القبلة ، أي ذلك الوقت الذي أمرك الله فيه بالتوجه فيه إلى نحو القبلة ، إن اتبعت أهواءهم ، كنت ظالما واضعا الباطل في موضع الحق . انتهى كلامه .
( إنك إذا لمن الظالمين ) : قد ذكرنا أن هذه الجملة هي جواب القسم المحذوف الذي آذنت بتقديره اللام في لئن ، ودل على جواب الشرط ، لا يقال : إنه يكون جوابا لهما ، لامتناع ذلك لفظا ومعنى . أما المعنى ، [ ص: 434 ] فلأن الاقتضاء مختلف . فاقتضاء القسم على أنه لا عمل له فيه ; لأن القسم إنما جيء به توكيدا للجملة المقسم عليها ، وما جاء على سبيل التوكيد لا يناسب أن يكون عاملا ، واقتضاء الشرط على أنه عامل فيه ، فتكون الجملة في موضع جزم ، وعمل الشرط لقوة طلبه له . وأما اللفظ ، فإن هذه الجملة إذا كانت جواب قسم ، لم يحتج إلى مزيد رابط ، وإذا كانت جواب شرط ، احتاجت لمزيد رابط ، وهو الفاء . ولا يجوز أن تكون خالية من الفاء موجودة فيها الفاء ، فلذلك امتنع أن يقال إن الجملة جواب للقسم والشرط معا . ودخلت إذا بين اسم إن وخبرها لتقرير النسبة التي بينهما ، وكان حدها أن تتقدم أو تتأخر . فلم تتقدم ; لأنه سبق قسم وشرط ، والجواب هو للقسم . فلو تقدمت ، لتوهم أنها لتقرير النسبة التي بين الشرط والجواب المحذوف ، ولم يتأخر ، لئلا تفوت مناسبة الفواصل وآخر الآي : فتوسطت والنية بها التأخير لتقرير النسبة . وتحرير معنى إذن صعب ، وقد اضطرب الناس في معناها ، وقد نص على أن معناها الجواب والجزاء . واختلف النحويون في فهم كلام سيبويه ، وقد أمعنا الكلام في ذلك في ( كتاب التكميل ) من تأليفنا ، والذي تحصل فيها أنها لا تقع ابتداء كلام ، بل لا بد أن يسبقها كلام لفظا أو تقديرا ، وما بعدها في اللفظ أو التقدير ، وإن كان مسببا عما قبلها ، فهي في ذلك على وجهين : أحدهما : أن تدل على إنشاء الارتباط والشرط ، بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها . مثال ذلك أزورك فتقول : إذا أزورك ، فإنما تريد الآن أن تجعل فعله شرطا لفعلك . وإنشاء السببية في ثاني حال من ضرورته أن يكون في الجواب ، وبالفعلية في زمان مستقبل ، وفي هذا الوجه تكون عاملة ، ولعملها مذكور في النحو . الوجه الثاني : أن تكون مؤكدة لجواب ارتبط بمتقدم ، أو منبهة على مسبب مشروط حصل في الحال ، وهي في الحالين غير عاملة ; لأن المؤكدات لا يعتمد عليها ، والعامل يعتمد عليه ، وذلك نحو : إن تأتني إذن آتك ، ووالله إذن لأفعلن . فلو أسقطت إذن ، لفهم الارتباط . ولما كانت في هذا الوجه غير معتمد عليها ، جاز دخولها على الجملة الاسمية الصريحة نحو : أزورك فتقول : إذن أنا أكرمك ، وجاز توسطها نحو : أنا إذا أكرمك ، وتأخرها . وإذا تقرر هذا ، فجاءت إذا في الآية مؤكدة للجواب المرتبط بما تقدم ، وإنما قررت معناها هنا لأنها كثيرة الدور في القرآن ، فتحمل في كل موضع على ما يناسب من هذا الذي قررناه . سيبويه