قوله تعالى : وما هي من الظالمين ببعيد .
في هذه الآية الكريمة ثلاثة أوجه من التفسير للعلماء : اثنان منها كلاهما يشهد له القرآن ، وواحد يظهر أنه ضعيف .
أما الذي [ ص: 193 ] يظهر أنه ضعيف فهو أن المعنى : أن تلك الحجارة ليست بعيدة من قوم لوط ، أي لم تكن تخطئهم .
قاله القرطبي ، وغيره ; لأن هذا يكفي عنه قوله تعالى : وأمطرنا عليها حجارة [ 11 \ 82 ] ونحوها من الآيات . أما الوجهان اللذان يشهد لكل واحد منهما قرآن :
فالأول منهما : أن ديار قوم لوط ليست ببعيدة من الكفار المكذبين لنبينا ، فكان عليهم أن يعتبروا بما وقع لأهلها إذا مروا عليها في أسفارهم إلى الشام ، ويخافوا أن يوقع الله بهم بسبب تكذيب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مثل ما وقع من العذاب بأولئك ، بسبب تكذيبهم لوطا عليه الصلاة والسلام ، والآيات الدالة على هذا كثيرة جدا . كقوله : وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون [ 37 \ 137 ، 138 ] ، وقوله : وإنها لبسبيل مقيم إن في ذلك لآية للمؤمنين [ 15 \ 76 ، 77 ] ، وقوله : وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم [ 51 \ 37 ] ، وقوله : ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون [ 29 \ 35 ] إلى غير ذلك من الآيات . وعلى هذا القول فالضمير في قوله : وما هي راجع إلى ديار قوم لوط المفهومة من المقام .
الوجه الثاني أن المعنى : وما تلك الحجارة التي أمطرت على قوم لوط ببعيد من الظالمين للفاعلين مثل فعلهم ، فهو تهديد لمشركي العرب كالذي قبله .
ومن الآيات الدالة على هذا الوجه قوله تعالى : أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها [ 47 \ 10 ] ، فإن قوله : وللكافرين أمثالها ظاهر جدا في ذلك ، والآيات بنحو ذلك كثيرة .