اختلف العلماء في لوط ، وسنذكر إن شاء الله أقوال العلماء في ذلك وأدلتهم وما يظهر رجحانه بالدليل من ذلك فنقول وبالله جل وعلا نستعين : عقوبة من ارتكب فاحشة قوم
قال بعض العلماء : الحكم في ذلك : أن يقتل الفاعل والمفعول به مطلقا سواء كانا محصنين أو بكرين ، أو أحدهما محصنا والآخر بكرا .
وممن قال بهذا القول : ، وأصحابه ، وهو أحد قولي مالك بن أنس ، وإحدى الروايتين عن الشافعي أحمد . وحكى غير واحد إجماع الصحابة على هذا القول ، إلا أن القائلين به اختلفوا في . كيفية قتل من فعل تلك الفاحشة
[ ص: 194 ] قال بعضهم : يقتل بالسيف .
وقال بعضهم : يرجم بالحجارة .
وقال بعضهم : يحرق بالنار .
وقال بعضهم : يرفع على أعلى بناء في البلد فيرمى منه منكسا ويتبع بالحجارة .
وحجة من قال بقتل الفاعل والمفعول به في اللواط مطلقا ما أخرجه الإمام أحمد ، وأبو داود ، ، والترمذي ، وابن ماجه والحاكم ، والبيهقي ، عن عكرمة ، عن : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ابن عباس لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به " . من وجدتموه يعمل عمل قوم
قال ابن حجر : ورجاله موثقون ، إلا أن فيه اختلافا اهـ .
وما ذكره من أن يحيى بن معين ينكر عليه حديث عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عكرمة هذا عن ، فيه أن ابن عباس عمرا المذكور ثقة ، أخرج له الشيخان ومالك كما قدمناه مستوفى .
ويعتضد هذا الحديث بما رواه ، سعيد بن جبير ومجاهد ، عن في البكر يوجد على اللوطية : أنه يرجم . أخرجه ابن عباس أبو داود ، ، والنسائي والبيهقي .
وبما أخرجه الحاكم ، ، عن وابن ماجه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أبي هريرة اقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أو لم يحصنا " قال الشوكاني : وإسناده ضعيف .
قال ابن الطلاع في أحكامه : لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم في اللواط ، ولا أنه حكم فيه ، وثبت عنه أنه قال : " " رواه عنه اقتلوا الفاعل والمفعول به ، ابن عباس . اهـ . وأبو هريرة
قال الحافظ : وحديث لا يصح ، وقد أخرجه أبي هريرة البزار من طريق ، عن عاصم بن عمر العمري سهيل ، عن أبيه ، عنه ، وعاصم متروك . وقد رواه من طريقه بلفظ : " ابن ماجه " اهـ . فارجموا الأعلى والأسفل
وأخرج البيهقي عن علي رضي الله عنه : أنه رجم لوطيا ، ثم قال : قال : وبهذا نأخذ برجم اللوطي محصنا كان أو غير محصن . الشافعي
وقال : هذا قول ، قال : ابن عباس يقول : السنة أن يرجم اللوطي أحصن أو لم يحصن . وسعيد بن المسيب
وقال البيهقي أيضا : وأخبرنا أبو نصر بن قتادة ، ، [ ص: 195 ] قالا : ثنا وأبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي ، ثنا أبو عمرو بن مطر إبراهيم بن علي ، ثنا يحيى بن يحيى ، أنبأ ، أنبأ عبد العزيز بن أبي حازم داود بن بكر ، عن ، عن محمد بن المنكدر أن صفوان بن سليم كتب إلى خالد بن الوليد رضي الله عنهما في خلافته يذكر له : أنه وجد رجلا في بعض نواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة ، وأن أبي بكر الصديق أبا بكر رضي الله عنه جمع الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ذلك ، فكان من أشدهم يومئذ قولا رضي الله تعالى عنه ، قال : إن هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم ، نرى أن تحرقه بالنار ، فاجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحرقه بالنار ، فكتب علي بن أبي طالب أبو بكر رضي الله عنه إلى رضي الله عنه يأمره أن يحرقه بالنار . هذا مرسل . خالد بن الوليد
وروي من وجه آخر عن ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد علي رضي الله عنه في غير هذه القصة قال : يرجم ويحرق بالنار .
ويذكر عن ، عن رجل من ابن أبي ليلى همدان : أن عليا رضي الله عنه رجم رجلا محصنا في عمل قوم لوط ، هكذا ذكره عنه مقيدا بالإحصان . الثوري وهشيم رواه عن مطلقا . اهـ منه بلفظه . ابن أبي ليلى
فهذه حجج القائلين بقتل الفاعل والمفعول به في اللواط .
وحجة من قال : إن ذلك القتل بالنار هو ما ذكرناه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا .
وحجة من قال : إن قتله بالسيف قوله صلى الله عليه وسلم : " " ، والقتل إذا أطلق انصرف إلى القتل بالسيف . فاقتلوا الفاعل والمفعول به
وحجة من قال : إن قتله بالرجم هو ما قدمنا من رواية ، سعيد بن جبير ومجاهد ، عن : أنه يرجم ، وما ذكره ابن عباس البيهقي ، وغيره عن علي أنه رجم لوطيا ، ويستأنس لذلك بأن الله رمى أهل تلك الفاحشة بحجارة السجيل .
وحجة من قال : يرفع على أعلى بناء ، أو جبل ويلقى منكسا ، ويتبع بالحجارة : أن ذلك هو الذي فعله الحكيم الخبير بقوم لوط ، كما قال : جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل .
قال مقيده عفا الله عنه : وهذا الأخير غير ظاهر ; لأن قوم لوط لم يكن عقابهم على اللواط وحده ، بل عليه وعلى الكفر ، وتكذيب نبيهم صلى الله عليه وسلم ، فهم قد جمعوا إلى اللواط [ ص: 196 ] ما هو أعظم من اللواط ، وهو الكفر بالله ، وإيذاء رسوله صلى الله عليه وسلم .
القول الثاني : هو أن اللواط زنى فيجلد مرتكبه مائة إن كان بكرا ويغرب سنة ، ويرجم إن كان محصنا . وهذا القول هو أحد قولي . الشافعي
وذكر البيهقي عن الربيع بن سليمان : أن رجع إلى أن اللواط زنى ، فيجري عليه حكم الزنى ، وهو إحدى الروايتين عن الشافعي أحمد رحمهم الله تعالى .
ورواه البيهقي ، عن عطاء ، رضي الله عنهما ، وهو قول وعبد الله بن الزبير أبي يوسف ، ومحمد ، ، وسعيد بن المسيب والحسن ، وقتادة ، والنخعي ، ، والثوري ، وغيرهم . والأوزاعي
واحتج أهل هذا القول بما رواه البيهقي ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن ، عن خالد الحذاء ، عن ابن سيرين أبي موسى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " أخبرنا إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان ، وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس بن يعقوب ، ثنا ، ثنا يحيى بن أبي طالب أبو بدر ، ثنا محمد بن عبد الرحمن فذكره . قال الشيخ : ومحمد بن عبد الرحمن هذا لا أعرفه ، وهو منكر بهذا الإسناد . انتهى منه بلفظه .
وقال الشوكاني - رحمه الله - في " نيل الأوطار " في هذا الحديث : وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن ، كذبه أبو حاتم .
وقال البيهقي : لا أعرفه ، والحديث منكر بهذا الإسناد ، ورواه في الضعفاء ، أبو الفتح الأزدي في الكبير من وجه آخر عن والطبراني أبي موسى ، وفيه بشر بن المفضل البجلي وهو مجهول .
وقد أخرجه في مسنده عنه . اهـ منه . أبو داود الطيالسي
واستدل القائلون بهذا القول أيضا بقياس اللواط على الزنى بجامع أن الكل إيلاج فرج في فرج محرم شرعا ، مشتهى طبعا .
ورد بأن القياس لا يكون في الحدود ; لأنها تدرأ بالشبهات . والأكثرون على جواز القياس في الحدود ، وعليه درج في " مراقي السعود " بقوله :
والحد والكفارة التقدير جوازه فيها هو المشهور
إلا أن يقدح فيه بالقادح المسمى : " فساد الاعتبار " ; لمخالفته لحديث قياس اللائط على الزاني المتقدم : أن الفاعل والمفعول به يقتلان مطلقا ، أحصنا أو لم يحصنا ، ولا شك أن صاحب الفطرة السليمة لا يشتهي اللواط ، بل ينفر منه غاية النفور [ ص: 197 ] بطبعه كما لا يخفى . ابن عباس
القول الثالث : أن اللائط لا يقتل ولا يحد حد الزنى ، وإنما يعزر بالضرب والسجن ونحو ذلك . وهذا قولأبي حنيفة .
واحتج أهل هذا القول بأن الصحابة اختلفوا فيه ، واختلافهم فيه يدل على أنه ليس فيه نص صحيح ، وأنه من مسائل الاجتهاد ، والحدود تدرأ بالشبهات ، قالوا : ولا يتناوله اسم الزنى ; لأن لكل منهما اسما خاصا به ، كما قال الشاعر :
من كف ذات حر في زي ذي ذكر لها محبان لوطي وزناء
قالوا : ولا يصح إلحاقه بالزنى لوجود الفارق بينهما ; لأن الداعي في الزنى من الجانبين بخلاف اللواط ، ولأن الزنى يفضي إلى الاشتباه في النسب وإفساد الفراش بخلاف اللواط ، قال في " مراقي السعود " : والفرق بين الأصل والفرع قدح إبداء مختص بالأصل قد صلح أو مانع في الفرع . . . إلخ . . . . . . واستدل أهل هذا القول أيضا بقوله تعالى : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما الآية [ 4 \ 16 ] .قالوا : المراد بذلك : اللواط . والمراد بالإيذاء : السب أو الضرب بالنعال .
وقد أخرج ، عبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم مجاهد : واللذان يأتيانها منكم ، قال : الرجلان الفاعلان .
وأخرج آدم ، والبيهقي في سننه ، عن مجاهد في قوله : فآذوهما ، يعني سبا ، قاله صاحب " الدر المنثور " .