وخلاصة القول : أن المسألة من الأمور التعبدية التي يجب فيها الوقوف عند نصوص الكتاب والسنة وعمل الصدر الأول من السلف الصالح . وقد علمنا أن القاعدة المقررة في نصوص القرآن الصريحة والأحاديث الصحيحة أن ( الناس لا يجزون في الآخرة إلا بأعمالهم يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ) ( 82 : 19 ) ( واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ) ( 31 : 33 ) وأن أن " النبي صلى الله عليه وسلم بلغ أقرب أهل عشيرته إليه بأمر ربه " فقال ذلك لعمه وعمته ولابنته سيدة النساء . وأن اعملوا لا أغني عنكم من الله شيئا ، والثواب ما يثوب ويرجع إلى العامل من تأثير عمله في نفسه - إلخ ما تقدم شرحه من التذكير بالآيات الكثيرة والأحاديث فيه ، وكل ذلك من الأخبار وقواعد العقائد فلا يدخلها النسخ . مدار النجاة في الآخرة على تزكية النفس بالإيمان والعمل الصالح
وورد مع ذلك الأمر وفي غيرها بالدعاء لأحياء المؤمنين وأمواتهم في صلاة الجنازة سواء استجيب أم لا ، ويستحيل شرعا وعقلا استجابة كل دعاء لتناقض الأدعية ولاقتضاء الاستجابة ألا يعاقب فاسق ولا مجرم إلا إذا اتفق وجود أحد لا يدعو له أحد برحمة ولا مغفرة في صلاة ولا غيرها ولما يترتب على ذلك من تعطيل كثير من النصوص أو عدم صدقها . فالدعاء عبادة ثوابها لفاعلها
وورد في الأخبار جواز ، وقد بينا حكمته مع النصوص فيه ، والظاهر من هذا أن الوالدين ينتفعان ببعض عمل أولادهما لأن الشارع ألحقهم بهما فيسقط عنهما ما ينوبون عنهما فيه من أداء دين الله تعالى كديون الناس ، وينالهما من دعائهم لهما خير ، ليس هو ثواب الدعاء نفسه ، ولكن مدار الجزاء والنجاة على عمل المرء لنفسه لا على عمل أولاده جمعا بين النصوص . صدقة الأولاد عن الوالدين ودعائهم لهما وقضاء ما وجب عليهما من صيام أو صدقة أو نسك
فمن أراد أن يتبع الهدى ، ويتقي جعل الدين تابعا للهوى ، فليقف عند النصوص الصحيحة ويتبع فيها سيرة السلف الصالح ، ويعرض عن أقيسة بعض الخلف المروجة للبدع . وإذا زين لك الشيطان أنه يمكنك أن تكون أهدى وأكمل عملا بالدين من الصحابة والتابعين ، فحاسب نفسك على الفرائض المجمع عليها والصحيحة التي يضعف الخلاف فيها ، [ ص: 238 ] وانظر أين مكانك منها ، فإن رأيت ولو بعين العجب والغرور أنك بلغت مد أحدهم أونصيفه من الكمال فيها ، فعند ذلك تعذر في الزيادة عليها ، وهيهات هيهات لا يدعي ذلك إلا جهول مفتون ، أو من به مس من الجنون ، وإن أكثر المتعبدين بالبدع ، مقصرون في أداء الفرائض أو في المواظبة على السنن ، ومنهم المصرون على الفواحش والمنكرات ، كإصرارهم على ما التزموا ولا سيما في ليلتي العيدين وأول جمعة من رجب ، وتذبح عندها الذبائح ، وتطبخ أنواع المآكل ، فيأكلون ثم يشربون ، ويبولون ويغوطون ، ويلغون ويصخبون ويقرأ لهم القرآن ، من يستأجرون لذلك من العميان ، ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ، وإذا كان ما يأتون من القراءة والذكر هنالك من البدع المنكرة ، وكان بعض المباحات يعد هنالك من الأمور المكروهة أو المحرمة ، فما القول في سائر أفعالهم الظاهرة والباطنة ؟ . في المقابر من العادات ، كاتخاذها أعيادا تشد إليها الرحال ، ويجتمع لديها النساء والرجال والأطفال ،
ولو لم يرد في حظر هذه الاجتماعات في المقابر إلا حديث في السنن الثلاثة مرفوعا بسند صحيح ( ابن عباس ) لكفى ولكن ذلك كله قد صار من قبيل شعائر الدين ، وآيات اليقين توقف لها الأوقاف التي يسجلها ويحكم بصحتها قضاة الشرع الجاهلون ، ويأكل منها أدعياء العلم والعرفان الضالون المضلون ، ولقد كان بعض الصحابة وغيرهم من علماء السلف يتركون بعض السنن أحيانا حتى لا يظن العوام أنها مفروضة بالتزامها تأسيا بالرسول صلى الله عليه وسلم في ترك المواظبة على بعض الفضائل خشية أن تصير من الفرائض ، فخلف من بعدهم خلف قصروا في الفرائض ، وتركوا السنن والشعائر ، وواظبوا على هذه البدع ، حتى إنهم ليتركون لأجلها الأعياد والجمع ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج