الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الثاني : استثنى الشيخ أبو عمرو بن الحاجب قولنا : إن القراءات السبع متواترة ما ليس من قبيل الأداء ، ومثله بالمد والإمالة وتخفيف الهمزة ; يعني فإنها ليست متواترة ، وهذا ضعيف ، والحق أن المد والإمالة لا شك في تواتر المشترك بينهما ، وهو المد من حيث هو مد ، والإمالة من حيث إنها إمالة ، ولكن اختلف القراء في تقدير المد ; فمنهم من رآه طويلا ، [ ص: 467 ] ومنهم من رآه قصيرا ; ومنهم من بالغ في القصر ، ومنهم من تزايد ; فحمزة وورش بمقدار ست لغات ، وقيل : خمس ، وقيل : أربع ، وعن عاصم ثلاث ، وعن الكسائي : ألفان ونصف ، وقالون : ألفان ، والسوسي : ألف ونصف .

قال الداني في " التيسير " : أطولهم مدا في الضربين جميعا - يعني المتصل والمنفصل - ورش وحمزة ، ودونهما عاصم ، ودونه ابن عامر والكسائي ، ودونهما أبو عمرو من طريق أهل العراق ، وقالون من طريق أبي نشيط بخلاف عنه ، وهذا كله على التقريب من غير إفراط ، وإنما هو على مقدار مذاهبهم من التحقيق والحدر . انتهى كلامه .

فعلم بهذا أن أصل المد متواتر ، والاختلاف والطرق إنما هو في كيفية التلفظ به .

وكان الإمام أبو القاسم الشاطبي رحمه الله يقرأ بمدتين : طولى لورش وحمزة ، ووسطى لمن بقي .

وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه كره قراءة حمزة لما فيها من طول المد وغيره ، فقال : [ ص: 468 ] لا تعجبني ، ولو كانت متواترة لما كرهها . وكذلك ذكر القراء أن الإمالة قسمان : إمالة محضة ، وهي أن ينحى بالألف إلى الياء وتكون الياء أقرب ، وبالفتحة إلى الكسرة وتكون الكسرة أقرب ، وإمالة تسمى بين بين ، وهي كذلك إلا أن الألف والفتحة أقرب ، وهذه أصعب الإمالتين ، وهي المختارة عند الأئمة ، ولا شك في تواتر الإمالة أيضا ، وإنما اختلافهم في كيفيتها مبالغة وحضورا .

أما تخفيف الهمزة - وهو الذي يطلق عليه تخفيف وتليين وتسهيل ، أسماء مترادفة - فإنه يشمل أربعة أنواع من التخفيف ، وكل منها متواتر بلا شك .

أحدها : النقل ، وهو نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ، نحو : ( قد أفلح ) ( المؤمنون : 1 ) بنقل حركة الهمزة ، وهي الفتحة إلى دال قد وتسقط الهمز ، فيبقى اللفظ بدال مفتوحة بعدها فاء ، وهذا النقل قراءة نافع من طريق ورش في حال الوصل والوقف ، وقراءة حمزة في حال الوقف .

الثاني : أن تبدل الهمزة حرف مد من جنس حركة ما قبلها إن كان قبلها فتحة أبدلت ألفها نحو : " باس " ، وهذا البدل قراءة أبي عمرو بن العلاء ، ونافع من طريق ورش في فاء الفعل ، وحمزة إذا وقف على ذلك .

الثالث : تخفيف الهمز ، بين بين ، ومعناه أن تسهل الهمزة بينها وبين الحرف الذي منه حركتها ، فإن كانت مضمومة سهلت بين الهمزة والواو ، أو مفتوحة فبين الهمزة والألف ، أو مكسورة فبين الهمزة والياء ، وهذا يسمى إشماما ، وقرأ به كثير من القراء ، وأجمعوا عليه في قوله تعالى : ( قل آلذكرين ) ( الأنعام : 143 و 144 ) ، ونحوه ، وذكره النحاة عن لغات العرب .

قال ابن الحاجب في " تصريفه " : واغتفر التقاء الساكنين في نحو : آلحسن عندك ؟ وآيمن الله يمينك ؟ وهو في كل كلمة أولها همزة وصل مفتوحة ، ودخلت همزة الاستفهام عليها ، وذلك ما فيه لام التعريف مطلقا ، وفي ايمن الله وايم الله خاصة ، إذ لا ألف وصل مفتوحة [ ص: 469 ] سواها ; وإنما فعلوا ذلك خوف لبس الخبر بالاستخبار ، ألا ترى أنهم لو قالوا : ألحسن عندك ؟ وحذفوا همزة الوصل على القياس في مثلها لم يعلم أستخبار هو أم خبر ؟ فأتوا بهذه عوضا عن همزة الوصل قبل الساكن ، فصار قبل الساكن مدة ، فقالوا : آلحسن عندك ؟ وكذلك آيمن الله يمينك ؟ فيما ذكره .

وبعض العرب يجعل همزة الوصل فيما ذكرنا بين بين ، ويقول : آلحسن عندك ؟ وآيمن الله يمينك ؟ فيما ذكرنا ، وقد جاء عن القراء بالوجهين في مثل ذلك ، والمشهور الأول ، وقد أشار الصحابة - رضي الله عنهم - إلى التسهيل بين بين في رسم المصاحف العثمانية ، فكتبوا صورة الهمزة الثانية في قوله تعالى في سورة آل عمران : "قل أؤنبئكم " ( آل عمران : 15 ) واوا على إرادة التسهيل بين بين ، قاله الداني وغيره .

الرابع : تخفيف الإسقاط ; وهو أن تسقط الهمزة رأسا . وقد قرأ به أبو عمرو في الهمزتين من كلمتين إذا اتفقتا في الحركة ، فأسقط الأولى منهما على رأي الشاطبي ، وقيل : الثانية في نحو : ( جاء أجلهم ) ( النحل : 61 ) ، ووافقه على ذلك في المفتوحتين نافع من طريق قالون ، وابن كثير من طريق البزي ، وجاء هذا الإسقاط في كلمة واحدة في قراءة قنبل ، عن ابن كثير في : ( أين شركاي الذين كنتم تشاقون فيهم ) ( النحل : 27 ) بإسقاط همزة شركائي .

التالي السابق


الخدمات العلمية