الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الوجه الثاني ما نقص عن اللفظ

ويأتي فيه أيضا الأقسام السابقة :

الأول الألف : كل ألف تكون في كلمة لمعنى له تفصيل في الوجود له اعتباران :

اعتبار من جهة ملكوتية ، أو صفات حالية ، أو أمور علوية مما لا يدركه الحس ، فإن الألف تحذف في الخط علامة لذلك ، واعتبار من جهة ملكية حقيقية في العلم ، أو أمور سفلية ; فإن الألف تثبت .

واعتبر ذلك في لفظتي القرآن والكتاب ، فإن القرآن هو تفصيل الآيات التي أحكمت في الكتاب ، فالقرآن أدنى إلينا في الفهم من الكتاب وأظهر في التنزيل ; قال الله تعالى في هود : " " الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " " ( الآية : 1 ) ، وقال في فصلت : " " كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون " " ( الآية : 3 ) ، وقال : إن علينا جمعه وقرآنه ( القيامة : 17 ) ; ولذلك ثبت في الخط ألف القرآن ، وحذفت ألف الكتاب .

وقد حذفت ألف القرآن في حرفين ; هو فيهما مرادف للكتاب في الاعتبار ; قال تعالى في سورة يوسف : " " إنا أنزلناه قرآنا عربيا " " ( الآية : 2 ) ، وفى الزخرف : " " إنا جعلناه قرآنا عربيا " " ( الآية : 3 ) ، والضمير في الموضعين ضمير الكتاب المذكور قبله . وقال بعد ذلك في كل واحدة منهما : لعلكم تعقلون ، فقرينته هي من جهة المعقولية . وقال في الزخرف : " " وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم " " ( الآية : 4 ) .

وكذلك كل ما في القرآن من " الكتاب " ، و " كتاب " ; فبغير ألف إلا في أربعة مواضع وهي مقيدة بأوصاف خصصته من الكتاب الكلي : في الرعد : لكل أجل كتاب ( الآية : 38 ) ، [ ص: 23 ] فإن هذا كتاب الآجال ، فهو أخص من الكتاب المطلق أو المضاف إلى الله .

وفى الحجر : وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ( الآية : 4 ) ، فإن هذا كتاب إهلاك القرى ، وهو أخص من كتاب الآجال .

وفى الكهف : واتل ما أوحي إليك من كتاب ( الآية : 27 ) فإن هذا أخص من الكتاب الذي في قوله : " " اتل ما أوحي إليك من الكتاب " " ( العنكبوت : 45 ) ; لأنه أطلق هذا ، وقيد ذلك بالإضافة إلى الاسم المضاف إلى معنى في الوجود ، والأخص أظهر تنزيلا .

وفى النمل : تلك آيات القرآن وكتاب مبين ( الآية : 1 ) هذا الكتاب جاء تابعا للقرآن ، والقرآن جاء تابعا للكتاب ، كما جاء في الحجر : " " تلك آيات الكتاب وقرآن مبين " " ( الآية : 1 ) ، فما في النمل له خصوص تنزيل مع الكتاب الكلي ، فهو تفصيل للكتاب الكلي بجوامع كليته .

ومن ذلك حذف الألف في : بسم الله تنبيها على علوه في أول رتبة الأسماء وانفراده ، وأن عنه انقضت الأسماء ; فهو بكليها ; يدل عليه إضافته إلى اسم الله الذي هو جامع الأسماء كلها ، أولها ، ولهذا لم يتسم به غير الله ، بخلاف غيره من أسمائه ، فلهذا ظهرت الألف معها تنبيها على ظهور التسمية في الوجود ، وحذفت الألف التي قبل الهاء من اسم الله ، وأظهرت التي مع اللام من أوله ، دلالة على أنه الظاهر من جهة التعريف والبيان ، الباطن من جهة الإدراك والعيان .

وكذلك حذفت الألف قبل النون من اسمه : الرحمن حيث وقع ، بيانا لأنا نعلم حقائق تفصيل رحمته في الوجود ، فلا يفرق في علمنا بين الوصف والصفة ، وإنما الفرقان في التسمية والاسم لا في معاني الأسماء المدلول عليها بالتسمية ، بل نؤمن بها إيمانا مفوضا في علم حقيقته إليه .

قلت : وعلماء الظاهر يقولون : للاختصار وكثرة الاستعمال ، وهو من خصائص الجلالة [ ص: 24 ] الشريفة ، فإن همزة الوصل الناقصة من اللفظ في الدرج تثبت خطا إلا في البسملة ، وفي قوله في هود : بسم الله مجراها ومرساها ( الآية : 41 ) ، ولا تحذف إلا بشرطين :

أن تضاف إلى اسم الله - ولهذا أثبتت في : باسم ربك ( العلق : 1 ) ، وأن تكون قبله الباء ، ولم يشترط الكسائي الثاني ، فجوز حذفها كما تحذف في " بسم الملك " ، والجمهور على الأول .

وكذلك حذف الألف في كثير من أسماء الفاعلين مثل : ( ( قدر ) ) ( الأنعام : 37 ) ، و " " علم " " ( الأنعام : 73 ) ، وذلك أن هذه الألف في وسط الكلمة .

وكذلك الألف الزائدة في الجموع السالمة والمكسرة ، مثل " " القنتين " " ( آل عمران : 17 ) ، " " والأبرر " " ( آل عمران : 193 ) ، و " " الجلل " " ( الرحمن : 27 ) و " " الإكرم " " ( الرحمن : 27 ) ، و " " اختلف " " ( البقرة : 164 ) و ( ( استكبرا ) ) ( فاطر : 43 ) فإنها كلها وردت لمعنى مفصل يشتمل عليه معنى تلك اللفظة ، فتحذف حيث يبطن التفصيل ، وتثبت حيث يظهر .

وكذلك ألف الأسماء الأعجمية كـ " " إبرهيم " " ( البقرة : 124 ) ; لأنها زائدة لمعنى غير ظاهر في لسان العربي ; لأن العجمي بالنسبة إلى العربي باطن خفي لا ظهور له فحذفت ألفه .

قال أبو عمرو : اتفقوا على حذف الألف من الأعلام الأعجمية كـ " " إبرهيم " " ( البقرة : 124 ) ، و " " إسمعيل " " ( البقرة : 125 ) ، و " " إسحق " " ( البقرة : 133 ) ، و " " هرون " " ( البقرة : 248 ) ، و " " لقمن " " ( لقمان : 12 ) ، وأما حذفها من " " سليمن " " ( البقرة : 102 ) ، و " " صلح " " ( الأعراف : 77 ) ، و " " ملك " " ( الزخرف : 77 ) - وليست بأعجمية - فلكثرة الاستعمال ، فأما ما لم يكثر استعماله من الأعجمية فبالألف ، كـ طالوت ( البقرة : 247 ) ، و جالوت ( البقرة : 249 ) ، و يأجوج ( الكهف : 94 ) ، و مأجوج ( الكهف : 94 ) .

[ ص: 25 ] واختلفت المصاحف في أربعة : هاروت ( البقرة : 102 ) ، و ماروت ( البقرة : 102 ) ، و هامان ( القصص : 6 ) ، و قارون ( القصص : 76 ) ، فأما داود ( البقرة : 251 ) ، فلا خلاف في رسمه بالألف ; لأنهم قد حذفوا منه واوا ، فلم يجحفوا بحذف ألف أخرى ، ومثله : إسرائيل ( البقرة : 40 ) ترسم بالألف ; لأنه حذف منه الياء .

وكذلك اتفقوا على حذف الألف في جمع السلامة ، مذكرا كان كـ " " العلمين " " ( الفاتحة : 2 ) ; و " " الصبرين " " ( البقرة : 153 ) ; و " " الصدقين " " ( آل عمران : 17 ) ، أو مؤنثا كـ " " المسلمت " " ( الأحزاب : 35 ) ، و " " المؤمنت " " ( النساء : 25 ) ، و " " الطيبت " " ( المائدة : 4 ) ، و " " الخبيثت " " ( النور : 26 ) ، فإن جاء بعد الألف همزة أو حرف مضعف ثبتت الألف ، نحو : السائلين ( البقرة : 177 ) ، و الصائمين ( الأحزاب : 35 ) ، و الظانين ( الفتح : 6 ) ، و الضالين ( الفاتحة : 7 ) و حافين ( الزمر : 75 ) ونحوه .

قال أبو العباس : وقد تكون الصفة ملكوتية روحانية ، وتعتبر من جهة مرتبة سفلى ملكية ، هي أظهر في الاسم ، فتثبت الألف ; كالـ أواب ( ص : 17 ) ، و الخطاب ( ص : 20 ) والـ عذاب ( البقرة : 7 ) ، و أم كنت من العالين ( ص : 75 ) ، و الوسواس الخناس ( الناس : 4 ) .

وقد تكون ملكية جثمانية ، وتعتبر من جهة مرتبة عليا ملكوتية هي أظهر في الاسم فتحذف الألف كـ " " المحرب " " ( آل عمران : 37 ) ، ولأجل هذا التداخل يغمض ذلك ، فيحتاج إلى تدبر وفهم .

ومنه ما يكون ظاهر الفرقان ، كـ الأخيار ( ص : 47 ) ، و الأشرار ( ص : 62 ) تحذف من الأول دون الثاني .

ومنه ما يخفى كـ الفراش ( القارعة : 4 ) ، ويطعمون الطعام ( الإنسان : 8 ) [ ص: 26 ] فالفراش محسوس والطعام ثابت ، ووزنهما واحد ; وهما جسمان ، لكن يعتبر في الأول مكان التشبيه ، فإن التشبيه محسوس ، وصفة التشبيه غير محسوس ، فالمشبه به غير محسوس في حالة الشبه ، إذ جعل جزءا من صفة المشبه به من حيث هو مستفرش مبثوث ، لا من حيث هو جسم ، وأما الطعام فهو المحسوس المعطى للمحتاجين .

وكذلك : " " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعمكم حل لهم " " ( المائدة : 5 ) ثبتت الألف في الأول ; لأنه سفلي بالنسبة إلى طعامنا لمكان التشديد عليهم فيه ، وحذفت من الثاني لأنه علوي بالنسبة إلى طعامهم لعلو ملتنا على ملتهم .

وكذلك : ( ( كانا يأكلان الطعم ) ) ( المائدة : 75 ) فحذفت لعلو هذا الطعام .

وكذلك " " غلقت الأبوب " " ( يوسف : 23 ) غلقت : فيه التكثير في العمل ، فيدخل به أيضا ما ليس بمحسوس من أبواب الاعتصام ، فحذفت الألف لذلك ، ويدل عليه : واستبقا الباب ، وألفيا سيدها لدى الباب ( يوسف : 25 ) ، فأفرد الباب المحسوس من أبواب الاعتصام .

وكذلك : " " وفتحت أبوبها " " ( الزمر : 73 ) ; محذوف لأنها من حيث فتحت ملكوتية علوية ، و : " " مفتحة لهم الأبوب " " ( ص : 50 ) ملكية من حيث هي لهم ، فثبتت الألف ، و : قيل ادخلوا أبواب جهنم ( الزمر : 72 ) ثابتة لأنها من جهة دخولهم محسوسة سفلية ، وكذلك : لها سبعة أبواب ( الحجر : 44 ) من حيث حصرها العدد في الوجود ، ملكية فثبتت الألف .

وكذلك : الجراد ( الأعراف : 133 ) و الضفادع ( الأعراف : 133 ) ، الأول ثابت ، فهو الذي في الواحدة المحسوسة ، والثاني محذوف لأنه ليس في الواحدة المحسوسة ، والجمع هنا ملكوتي من حيث هو آية .

وكذلك " " أن نبدل أمثلكم " " ( الواقعة : 61 ) حذفت لأنها أمثال كلية لم يتعين فيها للفهم [ ص: 27 ] جهة التماثل ; و كأمثال اللؤلؤ ( الواقعة : 23 ) ثابت الألف ; لأنه تعين للفهم جهة التماثل ، وهو البياض والصفاء . " " كذلك يضرب الله للناس أمثلهم " " ( محمد : 3 ) حذفت للعموم ، و : انظر كيف ضربوا لك الأمثال ثابت في الفرقان ( الآية : 9 ) ; لأنها المذكورة حسية مفصلة ، ومحذوفة في الإسراء ( الآية : 48 ) لأنها غير مفصلة باطنة .

وكذلك : " " فإذا نفخ في الصور نفخة وحدة " " ( الحاقة : 13 ) ، و فدكتا دكة واحدة ( الحاقة : 14 ) ; الأولى محذوفة ; لأنها روحانية لا تعلم إلا إيمانا ، والثانية ثابتة لأنها جسمانية يتصور أمثالها من الهوى .

وكذلك : " " كتبيه " " ( الحاقة : 25 ) محذوفة لأنه ملكوتي ، و حسابيه ( الحاقة : 26 ) ثابتة ، لأنها ملكية ، وهما معا في موطن الآخرة .

وكذلك : ( ( القضية ) ) ( الحاقة : 27 ) ملكوتية ، و وماليه ( الحاقة : 28 ) ملكي محسوس ، فحذف الأول وثبت الثاني .

وكذلك : ( ( ولما برزوا لجلوت ) ) ( البقرة : 250 ) حذف لأنه الاسم ، وقتل داود جالوت ( البقرة : 251 ) ثبت لأنه مجسد محسوس فحذف الأول وثبت الثاني .

وكذلك " " سبحن " " حذفت لأنه ملكوتي إلا حرفا واحدا واختلف فيه : قل سبحان ربي ( الإسراء : 93 ) فمن أثبت الألف قال : هذا تبرئة من مقام الإسلام ، وحصره الأجسام ، صدر به مجاوبة للكفار في مواطن الرد والإنكار . ومن أسقط فلعلو حال المصطفى صلى الله عليه وسلم ، لا يشغله عن الحضور تقلبه في الملكوت الخطاب في الملك وهو أولى الوجهين .

وكذلك : " " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة " " ( المائدة : 73 ) ، ثبتت ألف ثالث لأنهم جعلوه أحد ثلاثة مفصلة ، فثبتت الألف علامة لإظهارهم التفصيل في الإله ، تعالى [ ص: 28 ] الله عن قولهم ! وحذفت ألف " " ثلثة " " لأنه اسم العدد الواحد من حيث هو كلمة واحدة .

وكذلك : وما من إله إلا إله واحد ( المائدة : 73 ) حذفت من ( إله ) ، وثبتت في ( واحد ) ألفه ، لأنه إله في ملكوته ، تعالى عن أن تعرف صفته بإحاطة الإدراك ، واحد في ملكه ، تنزه بوحدة أسمائه عن الاعتضاد والاشتراك هذا من جهة إدراكنا ، وأما من جهة ما هي عليه الصفة في نفسها فلا يدرك ذلك ، بل يسلم علمه إلى الله تعالى فتحذف .

وكذلك سقطت الألف الزائدة لتطويل هاء التنبيه في النداء في ثلاثة أحرف : " " أيه المؤمنون " " ( النور : 31 ) ، و " " أيه الساحر " " ( الزخرف : 49 ) ، و " " أيه الثقلان " " ( الرحمن : 31 ) ، والباقي بإثبات الألف ، والسر في سقوطها في هذه الثلاثة الإشارة إلى معنى الانتهاء إلى غاية ليس وراءها في الفهم رتبة يمتد النداء إليها ، وتنبيه على الاقتصار والاقتصاد من حالهم والرجوع إلى ما ينبغي .

وقوله : وتوبوا إلى الله جميعا ( النور : 31 ) يدل على أنهم كل المؤمنين على العموم والاستغراق فيهم . وقوله تعالى حكاية عن فرعون : إن هذا لساحر عليم ( الشعراء : 34 ) ، وقول فرعون : إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ( الشعراء : 49 ) يدل على عظم علمه عندهم ليس فوقه أحد . وقوله : " " سنفرغ لكم أيه الثقلان " " ( الرحمن : 31 ) ، فإقامة الوصف مقام الموصوف يدل على عظم الصفة الملكية ، فإنها تقتضي جميع الصفات الملكوتية والجبروتية ، فليس بعدها رتبة أظهر في الفهم على ما ينبغي لهم من الرجوع إلى اعتبار آلاء الله في بيان النعم ليشكروا وبيان النقم ليحذروا .

وكذلك حذفت الألف الآتية لمد الصوت بالنداء ، مثل " " يقوم " " ( البقرة : 54 ) ، " " يعباد " " ( الزمر : 10 ) ; لأنها زائدة للتوصل بين المرتبتين ، وذلك أمر باطن ليس بصفة محسوسة في الوجود .

قال أبو عمرو : كل ما في القرآن من ذكر ( آياتنا ) فبغير الألف ، إلا في موضعين : في آياتنا ( يونس : 21 ) ، و آياتنا بينات ( يونس : 15 ) .

[ ص: 29 ] وكل ما فيه من ذكر [ أيها ] فبالألف إلا في ثلاثة مواضع محذوفة الألف : في النور : " " أيه المؤمنون " " ( النور : 31 ) ، وفي الزخرف : " " يأيه الساحر " " ( الزخرف : 49 ) ، وفي الرحمن : " " أيه الثقلان " " ( الرحمن : 31 ) .

وكل ما فيه من ساحر فبغير الألف إلا في واحد ; في الذاريات : وقال ساحر أو مجنون ( الذاريات : 39 ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية