[ ص: 207 ] النوع السابع والثلاثون
في
nindex.php?page=treesubj&link=28911حكم الآيات المتشابهات
الواردة في الصفات
وقد اختلف الناس في الوارد منها في الآيات والأحاديث على ثلاث فرق :
أحدها : أنه لا مدخل للتأويل فيها ; بل تجرى على ظاهرها ، ولا تؤول شيئا منها ، وهم المشبهة .
والثاني : أن لها تأويلا ، ولكنا نمسك عنه ، مع تنزيه اعتقادنا عن الشبه والتعطيل ، ونقول : لا يعلمه إلا الله ; وهو قول السلف .
والثالث : أنها مؤولة ، وأولوها على ما يليق به .
والأول باطل ، والأخيران منقولان عن الصحابة ، فنقل الإمساك عن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة أنها سئلت عن الاستواء ، فقالت : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة . وكذلك سئل عنه
مالك فأجاب بما قالته
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، إلا أنه زاد فيها : أن من عاد إلى هذا السؤال عنه أضرب عنقه . وكذلك سئل
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري فقال : أفهم من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى ( طه : 5 ) ما أفهم من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثم استوى إلى السماء ( فصلت : 11 ) وسئل
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي عن تفسير هذه الآية فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى كما قال : وإني لأراك ضالا . وسئل
nindex.php?page=showalam&ids=12418ابن راهويه عن
[ ص: 208 ] الاستواء ، أقائم هو أم قاعد ؟ فقال : لا يمل عن القيام حتى يقعد ، ولا يمل عن القعود حتى يقوم ، وأنت إلى غير هذا السؤال أحوج .
قال الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=12795أبو عمرو بن الصلاح : وعلى هذه الطريقة مضى صدر الأمة وسادتها ، وإياها اختار أئمة الفقهاء وقادتها ، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه ، ولا أحد من المتكلمين من أصحابنا يصدف عنها ويأباها .
وأفصح
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي عنهم في غير موضع بنهجين ما سواها حتى ألجم آخرا في ( إلجامه ) كل عالم أو عامي عما عداها . قال : وهو كتاب ( إلجام العوام عن علم الكلام ) وهو آخر تصانيف
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي مطلقا ، أو آخر تصانيفه في أصول الدين ، حث فيه على مذاهب السلف ومن تبعهم .
وممن نقل عنه التأويل
علي ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وغيرهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في كتاب ( التفرقة بين الإسلام والزندقة ) : إن الإمام
أحمد أول في ثلاثة مواضع ، وأنكر ذلك عليه بعض المتأخرين .
قلت : وقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبي يعلى تأويل
أحمد في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158أو يأتي ربك ( الأنعام : 158 ) قال : وهل هو إلا أمره ، بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=33أو يأتي أمر ربك ( النحل : 33 ) .
واختار
ابن برهان وغيره من
الأشعرية التأويل ، قال : ومنشأ الخلاف بين الفريقين :
[ ص: 209 ] أنه هل يجوز في القرآن شيء لا يعلم معناه ؟ فعندهم يجوز ، فلهذا منعوا التأويل ، واعتقدوا التنزيه على ما يعلمه الله .
وعندنا لا يجوز ذلك ، بل الراسخون يعلمونه .
قلت : وإنما حملهم على التأويل وجوب حمل الكلام على خلاف المفهوم من حقيقته لقيام الأدلة على استحالة المتشابه والجسمية في حق البارئ تعالى ، والخوض في مثل هذه الأمور خطره عظيم ، وليس بين المعقول والمنقول تغاير في الأصول ، بل التغاير إنما يكون في الألفاظ ، واستعمال المجاز لغة العرب ، وإنما قلنا : لا تغاير بينهما في الأصول لما علم بالدليل أن العقل لا يكذب ما ورد به الشرع ، إذ لا يرد الشرع بما لا يفهمه العقل ، إذ هو دليل الشرع وكونه حقا ، ولو تصور كذب العقل في شيء لتصور كذبه في صدق الشرع ، فمن طالت ممارسته العلوم ، وكثر خوضه في بحورها أمكنه التلفيق بينهما ، لكنه لا يخلو من أحد أمرين ، إما تأويل يبعد عن الأفهام ، أو موضع لا يتبين فيه وجه التأويل لقصور الأفهام عن إدراك الحقيقة ، والطمع في تلفيق كل ما يرد مستحيل المرام ، والمرد إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ( الشورى : 11 ) .
ونحن نجري في هذا الباب على طريق المؤولين ، حاكين كلامهم .
فمن ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28727صفة الاستواء ، فحكى
مقاتل ، والكلبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن استوى ( طه : 5 ) بمعنى استقر ، وهذا إن صح يحتاج إلى تأويل ، فإن الاستقرار يشعر بالتجسيم .
وعن
المعتزلة بمعنى استولى وقهر وغلب ، ورد بوجهين :
أحدهما : بأن الله تعالى مستول على الكونين ، والجنة والنار وأهلهما ، فأي فائدة في تخصيص العرش !
[ ص: 210 ] الثاني : أن الاستيلاء إنما يكون بعد قهر وغلبة ، والله تعالى منزه عن ذلك ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي .
وقال
أبو عبيد : بمعنى ( صعد ) ، ورد بأنه يوجب هبوطا منه تعالى حتى يصعد ، وهو منفي عن الله .
وقيل : ( الرحمن علا والعرش له استوى ) فجعل ( علا ) فعلا لا حرفا ; حكاه الأستاذ
إسماعيل الضرير في تفسيره ; ورد بوجهين :
أحدهما : أنه جعل الصفة فعلا وهو على ، ومصاحف
أهل الشام والعراق والحجاز قاطعة بأن ( على ) هنا حرف ، ولو كان فعلا لكتبوها باللام ألف كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91ولعلا بعضهم على بعض ( المؤمنون : 91 ) .
والثاني : أنه رفع العرش ولم يرفعه أحد من القراء .
وقيل : تم الكلام عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش ، ثم ابتدأ بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5استوى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=6له ما في السماوات وما في الأرض ( طه : 5 ، 6 ) وهذا ركيك يزيل الآية عن نظمها ومرادها .
قال الأستاذ : والصواب ما قاله
الفراء والأشعري وجماعة من أهل المعاني : إن
[ ص: 211 ] معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5استوى ) أقبل على خلق العرش وعمد إلى خلقه ، فسماه استواء ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثم استوى إلى السماء وهي دخان ( فصلت : 11 ) أي قصد وعمد إلى خلق السماء فكذا هاهنا ، قال : وهذا القول مرضي عند العلماء ليس فيه تعطيل ولا تشبيه .
قال
الأشعري : ( على ) هنا بمعنى ( في ) كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102على ملك سليمان ( البقرة : 102 ) ومعناه أحدث الله في العرش فعلا سماه استواء ، كما فعل فعلا سماه فضلا ونعمة ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=8فضلا من الله ونعمة ( الحجرات : 7 و 8 ) فسمى التحبيب والتكريه فضلا ونعمة . وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فأتى الله بنيانهم من القواعد ( النحل : 26 ) أي فخرب الله بنيانهم ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ( الحشر : 2 ) أي قصدهم وكما أن التخريب والتعذيب سماها إتيانا ، فكذلك أحدث فعلا بالعرش سماه استواء .
قال : وهذا قول مرضي عند العلماء لسلامته من التشبيه والتعطيل ، وللعرش خصوصية ليست لغيره من المخلوقات ; لأنه أول خلق الله وأعظم ، والملائكة حافون به ، ودرجة الوسيلة متصلة به ، وأنه سقف الجنة ، وغير ذلك .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ( المائدة : 116 ) قيل : النفس هاهنا الغيث تشبيها له بالنفس ، لأنه مستتر كالنفس .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28ويحذركم الله نفسه ( آل عمران : 28 ) ; أي عقوبته ، وقيل : يحذركم الله إياه .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وهو الله في السماوات وفي الأرض ( الأنعام : 3 ) اختار
البيهقي معناه أنه المعبود في السماوات والأرض مثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ( الزخرف : 84 ) وهذا القول هو أصح الأقوال ، وقال
الأشعري في ( الموجز ) :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم ( الأنعام : 3 )
[ ص: 212 ] أي عالم بما فيهما ، وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وهو الله في السماوات ) جملة تامة ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وفي الأرض يعلم ) كلام آخر ، وهذا قول المجسمة ، واستدلت
الجهمية بهذه الآية على أنه تعالى في كل مكان ، وظاهر ما فهموه من الآية من أسخف الأقوال .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك والملك صفا ( الفجر : 22 ) قيل : استعارة الواو موضع الباء لمناسبة بينهما في معنى الجمع ، إذ الباء موضوعة للإلصاق وهو جمع ، والواو موضوعة للجمع ، والحروف ينوب بعضها عن بعض ، وتقول عرفا : جاء الأمير بالجيش إذا كان مجيئهم مضافا إليه بتسليطه أو بأمره ولا شك أن الملك إنما يجيء بأمره على ما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=27وهم بأمره يعملون ( الأنبياء : 27 ) فصار كما لو صرح به ، وقال : جاء الملك بأمر ربك ، وهو كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24فاذهب أنت وربك ( المائدة : 24 ) أي اذهب أنت بربك ، أي بتوفيق ربك وقوته إذ معلوم أنه إنما يقاتل بذلك من حيث صرف الكلام إلى المفهوم في العرف .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=42يوم يكشف عن ساق ( القلم : 42 ) قال
قتادة : عن شدة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي : أي عن أمر عظيم ، قال الشاعر :
وقامت الحرب بنا على ساق
وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى معاناة وجد فيه شمر عن ساقه ، فاستعيرت الساق في موضع الشدة .
[ ص: 213 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=56ما فرطت في جنب الله ( الزمر : 56 ) قال اللغويون : معناه ما فرطت في طاعة الله وأمره ، لأن التفريط لا يقع إلا في ذلك ، والجنب المعهود من ذوي الجوارح لا يقع فيه تفريط ألبتة ، فكيف يجوز وصف القديم سبحانه بما لا يجوز !
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=31سنفرغ لكم أيها الثقلان ( الرحمن : 31 ) فرغ يأتي بمعنى قطع شغلا ، أتفرغ لك ، أي أقصد قصدك ، والآية منه ، أي سنقصد لعقوبتكم ونحكم جزاءكم .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37وإني لأظنه كاذبا ( غافر : 37 ) إن قيل : لأي علة نسب الظن إلى الله وهو شك ؟
قيل : فيه جوابان :
أحدهما : أن يكون الظن لفرعون ، وهو شك لأنه قال قبله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37فأطلع إلى إله موسى ( غافر : 37 ) وإني لأظن
موسى كاذبا ، فالظن على هذا
لفرعون .
والثاني : أن يكون تم الكلام عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا ( غافر : 37 ) على معنى : وإني لأعلمه كاذبا ، فإذا كان الظن لله كان علما ويقينا ، ولم يكن شكا كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=20إني ظننت أني ملاق حسابيه ( الحاقة : 20 ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255لا تأخذه سنة ولا نوم ( البقرة : 255 ) لم يرد سبحانه بنفي النوم والسنة عن نفسه إثبات اليقظة والحركة ; لأنه لا يقال لله تعالى : يقظان ولا نائم ; لأن اليقظان لا يكون إلا عن نوم ولا يجوز وصف القديم به ، وإنما أراد بذلك نفي الجهل والغفلة ، كقوله : ما أنا عنك بغافل .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لما خلقت بيدي ( ص : 75 ) ، قال
السهيلي : اليد في الأصل كالمصدر ، عبارة عن صفة لموصوف ، ولذلك مدح سبحانه وتعالى بالأيدي مقرونة مع الأبصار في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=45أولي الأيدي والأبصار ( ص : 45 ) ولم يمدحهم بالجوارح ; لأن المدح إنما
[ ص: 214 ] يتعلق بالصفات لا بالجواهر ، قال : وإذا ثبت هذا فصح قول
الأشعري : إن اليدين في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لما خلقت بيدي ( ص : 75 ) صفة ورد بها الشرع ، ولم يقل إنها في معنى القدرة كما قال المتأخرون من أصحابه ، ولا بمعنى النعمة ، ولا قطع بشيء من التأويلات تحرزا منه عن مخالفة السلف ، وقطع بأنها صفة تحرزا عن مذاهب المشبهة .
فإن قيل : وكيف خوطبوا بما لا يعلمون إذ اليد بمعنى الصفة لا يعرفونه ، ولذلك لم يسأل أحد منهم عن معناها ، ولا خاف على نفسه توهم التشبيه ، ولا احتاج إلى شرح وتنبيه ، وكذلك الكفار ، لو كان لا يعقل عندهم إلا في الجارحة لتعلقوا بها في دعوى التناقض ، واحتجوا بها على الرسول ، ولقالوا : زعمت أن الله ليس كمثله شيء ، ثم تخبر أن له يدا ، ولما لم ينقل ذلك عن مؤمن ولا كافر ، علم أن الأمر عندهم كان جليا لا خفاء به ، لأنها صفة سميت الجارحة بها مجازا ، ثم استمر المجاز فيها حتى نسيت الحقيقة ، ورب مجاز كثير استعمل حتى نسي أصله ، وتركت صفته - والذي يلوح من معنى هذه الصفة أنها قريبة من معنى القدرة إلا أنها أخص ، والقدرة أعم ، كالمحبة مع الإرادة والمشيئة ، فاليد أخص من معنى القدرة ، ولذا كان فيها تشريف لازم .
وقال
البغوي في تفسير قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لما خلقت بيدي ( ص : 75 ) في تحقيق الله التثنية في اليد دليل على أنه ليس بمعنى النعمة والقوة والقدرة ، وإنما هما صفتان من صفات ذاته . قال
مجاهد : اليد هاهنا بمعنى التأكيد والصلة مجاز (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لما خلقت ) كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27ويبقى وجه ربك ( الرحمن : 27 ) قال
البغوي : وهذا تأويل غير قوي ; لأنها لو كانت صلة لكان لإبليس أن يقول : إن كنت خلقته فقد خلقتني ، وكذلك في القدرة والنعمة لا يكون
لآدم في الخلق مزية على إبليس ، وأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مما عملت أيدينا ( يس : 71 )
[ ص: 215 ] فإن العرب تسمي الاثنين جمعا ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=19هذان خصمان اختصموا ( الحج : 19 ) .
وأما العين في الأصل فهي صفة ومصدر لمن قامت به ثم عبر عن حقيقة الشيء بالعين ، قال : وحينئذ فإضافتها للبارئ في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39ولتصنع على عيني ( طه : 39 ) حقيقة - لا مجاز كما توهم أكثر الناس - لأنه صفة في معنى الرؤية والإدراك ، وإنما المجاز في تسمية العضو بها ، وكل شيء يوهم الكفر والتجسيم فلا يضاف إلى البارئ سبحانه لا حقيقة ولا مجازا .
قال
السهيلي : ومن فوائد هذه المسألة أن يسأل عن المعنى الذي لأجله قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39ولتصنع على عيني ( طه : 39 ) بحرف ( على ) وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تجري بأعيننا ( القمر : 14 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37واصنع الفلك بأعيننا ( هود : 37 ) وما الفرق ؟ والفرق أن الآية الأولى وردت في إظهار أمر كان خفيا وإبداء ما كان مكنونا ، فإن الأطفال إذ ذاك كانوا يغذون ويصنعون سرا ، فلما أراد أن يصنع
موسى ويغذى ويربى على جلي أمن وظهور أمر لا تحت خوف واستسرار دخلت ( على ) في اللفظ تنبيها على المعنى ; لأنها تعطي معنى الاستعلاء ، والاستعلاء ظهور وإبداء فكأنه سبحانه يقول : ولتصنع على عيني أمن لا تحت خوف ، وذكر العين لتضمنها معنى الرعاية والكلأ وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تجري بأعيننا ( القمر : 14 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37واصنع الفلك بأعيننا ( هود : 37 ) ، فإنه إنما يريد في رعاية منا وحفظ ، ولا يريد إبداء شيء ولا إظهاره بعد كتم ، فلم يحتج الكلام إلا معنى ( على ) .
ولم يتكلم
السهيلي على حكمة الإفراد في قصة
موسى والجمع في الباقي ، وهو سر لطيف ، وهو إظهار الاختصاص الذي خص به
موسى في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41واصطنعتك لنفسي ( طه : 41 ) فاقتضى الاختصاص الاختصاص الآخر في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39ولتصنع على عيني ( طه : 39 ) بخلاف قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تجري بأعيننا ( القمر : 14 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37واصنع الفلك بأعيننا ( هود : 37 ) فليس فيه من الاختصاص ما في صنع
موسى على عينه سبحانه .
[ ص: 216 ] قال
السهيلي رحمه الله : وأما النفس فعبارة عن حقيقة الوجود دون معنى زائد ، وقد استعمل من لفظها النفاسة والشيء النفيس ، فصلحت للتعبير عنه سبحانه ، بخلاف ما تقدم من الألفاظ المجازية .
وأما الذات فقد استوى أكثر الناس بأنها معنى النفس والحقيقة ، ويقولون : ذات البارئ هي نفسه ، ويعبرون بها عن وجوده وحقيقته ، ويحتجون بقوله صلى الله عليه وسلم في قصة
إبراهيم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018603ثلاث كذبات كلهن في ذات الله .
قال : وليست هذه اللفظة إذا استقريتها في اللغة والشريعة كما زعموا ، وإلا لقيل : عبدت ذات الله ، واحذر ذات الله ، وهو غير مسموع ، ولا يقال إلا بحرف في المستحل معناه في حق البارئ تعالى ، لكن حيث وقع فالمراد به الديانة والشريعة التي هي ذات الله ، فذات وصف للديانة . هذا هو المفهوم من كلام العرب ، وقد بان غلط من جعلها عبارة عن نفس ما أضيف إليه .
ومنه
nindex.php?page=treesubj&link=28706إطلاق العجب على الله تعالى في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12بل عجبت ) ( الصافات : 12 ) على قراءة
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، بضم التاء على معنى أنهم قد حلوا محل من يتعجب منهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14127الحسين بن الفضل : العجب من الله تعالى إنكار الشيء وتعظيمه ، وهو
[ ص: 217 ] لغة العرب وفي الحديث :
عجب ربكم من إلكم وقنوطكم ، وقوله :
إن الله يعجب من الشاب إذا لم يكن له صبوة .
قال
البغوي : وسمعت
أبا القاسم النيسابوري ، قال : سمعت
أبا عبد الله البغدادي ، يقول : سئل
الجنيد عن هذه الآية ؟ فقال : إن الله لا يعجب من شيء ، ولكن الله وافق رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وإن تعجب فعجب قولهم ( الرعد : 5 ) أي هو كما يقوله .
فائدة
كل ما جاء في القرآن العظيم من نحو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189لعلكم تفلحون ) أو (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21تتقون ) أو (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=52تشكرون )
فالمعتزلة يفسرونه بالإرادة ; لأن عندهم أنه تعالى لا يريد إلا الخير ، ووقوع الشر على خلاف إرادته ،
وأهل السنة يفسرونه بالطلب لما في الترجي من معنى الطلب ، والطلب غير الإرادة على ما تقرر في الأصول ، فكأنه قال : كونوا متقين أو مفلحين ; إذ يستحيل وقوع شيء في الوجود على خلاف إرادته تعالى ، بل كل الكائنات مخلوقة له تعالى ووقوعها بإرادته ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
[ ص: 207 ] النَّوْعُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28911حُكْمِ الْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ
الْوَارِدَةِ فِي الصِّفَاتِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْوَارِدِ مِنْهَا فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلتَّأْوِيلِ فِيهَا ; بَلْ تُجْرَى عَلَى ظَاهِرِهَا ، وَلَا تُؤَوِّلُ شَيْئًا مِنْهَا ، وَهُمُ الْمُشَبِّهَةُ .
وَالثَّانِي : أَنَّ لَهَا تَأْوِيلًا ، وَلَكِنَّا نُمْسِكُ عَنْهُ ، مَعَ تَنْزِيهِ اعْتِقَادِنَا عَنِ الشَّبَهِ وَالتَّعْطِيلِ ، وَنَقُولُ : لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ; وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ ، وَأَوَّلُوهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ .
وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ، وَالْأَخِيرَانِ مَنْقُولَانِ عَنِ الصَّحَابَةِ ، فَنُقِلَ الْإِمْسَاكُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنِ الِاسْتِوَاءِ ، فَقَالَتْ : الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ . وَكَذَلِكَ سُئِلَ عَنْهُ
مَالِكٌ فَأَجَابَ بِمَا قَالَتْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمُّ سَلَمَةَ ، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهَا : أَنَّ مَنْ عَادَ إِلَى هَذَا السُّؤَالِ عَنْهُ أَضْرِبُ عُنُقَهُ . وَكَذَلِكَ سُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَقَالَ : أَفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ( طه : 5 ) مَا أَفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ( فُصِّلَتْ : 11 ) وَسُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كَمَا قَالَ : وَإِنِّي لَأَرَاكَ ضَالًّا . وَسُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=12418ابْنُ رَاهَوَيْهِ عَنِ
[ ص: 208 ] الِاسْتِوَاءِ ، أَقَائِمٌ هُوَ أَمْ قَاعِدٌ ؟ فَقَالَ : لَا يَمَلُّ عَنِ الْقِيَامِ حَتَّى يَقْعُدَ ، وَلَا يَمَلُّ عَنِ الْقُعُودِ حَتَّى يَقُومَ ، وَأَنْتَ إِلَى غَيْرِ هَذَا السُّؤَالِ أَحْوَجُ .
قَالَ الشَّيْخُ
nindex.php?page=showalam&ids=12795أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ : وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مَضَى صَدْرُ الْأُمَّةِ وَسَادَتُهَا ، وَإِيَّاهَا اخْتَارَ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ وَقَادَتُهَا ، وَإِلَيْهَا دَعَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَأَعْلَامُهُ ، وَلَا أَحَدَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا يَصْدِفُ عَنْهَا وَيَأْبَاهَا .
وَأَفْصَحَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ عَنْهُمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِنَهْجَيْنِ مَا سِوَاهَا حَتَّى أَلْجَمَ آخِرًا فِي ( إِلْجَامِهِ ) كُلَّ عَالِمٍ أَوْ عَامِّيٍّ عَمَّا عَدَاهَا . قَالَ : وَهُوَ كِتَابُ ( إِلْجَامُ الْعَوَامِّ عَنْ عِلْمِ الْكَلَامِ ) وَهُوَ آخِرُ تَصَانِيفِ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيِّ مُطْلَقًا ، أَوْ آخِرُ تَصَانِيفِهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ ، حَثَّ فِيهِ عَلَى مَذَاهِبِ السَّلَفِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ .
وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ التَّأْوِيلُ
عَلِيٌّ ، nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ ( التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالزَّنْدَقَةِ ) : إِنَّ الْإِمَامَ
أَحْمَدَ أَوَّلَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
قُلْتُ : وَقَدْ حَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى تَأْوِيلَ
أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ( الْأَنْعَامِ : 158 ) قَالَ : وَهَلْ هُوَ إِلَّا أَمْرُهُ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=33أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ( النَّحْلِ : 33 ) .
وَاخْتَارَ
ابْنُ بَرْهَانَ وَغَيْرُهُ مِنَ
الْأَشْعَرِيَّةِ التَّأْوِيلَ ، قَالَ : وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ :
[ ص: 209 ] أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَا يُعْلَمُ مَعْنَاهُ ؟ فَعِنْدَهُمْ يَجُوزُ ، فَلِهَذَا مَنَعُوا التَّأْوِيلَ ، وَاعْتَقَدُوا التَّنْزِيهَ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ .
وَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ ، بَلِ الرَّاسِخُونَ يَعْلَمُونَهُ .
قُلْتُ : وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى التَّأْوِيلِ وُجُوبُ حَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ الْمَفْهُومِ مِنْ حَقِيقَتِهِ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى اسْتِحَالَةِ الْمُتَشَابِهِ وَالْجِسْمِيَّةِ فِي حَقِّ الْبَارِئِ تَعَالَى ، وَالْخَوْضُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ خَطَرُهُ عَظِيمٌ ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ تَغَايُرٌ فِي الْأُصُولِ ، بَلِ التَّغَايُرُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَلْفَاظِ ، وَاسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ لُغَةُ الْعَرَبِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : لَا تَغَايُرَ بَيْنِهِمَا فِي الْأُصُولِ لِمَا عُلِمَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ الْعَقْلَ لَا يُكَذِّبُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ ، إِذْ لَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِمَا لَا يَفْهَمُهُ الْعَقْلُ ، إِذْ هُوَ دَلِيلُ الشَّرْعِ وَكَوْنُهُ حَقًّا ، وَلَوْ تُصُوِّرَ كَذِبُ الْعَقْلِ فِي شَيْءٍ لَتُصُوِّرَ كَذِبُهُ فِي صِدْقِ الشَّرْعِ ، فَمَنْ طَالَتْ مُمَارَسَتُهُ الْعُلُومَ ، وَكَثُرَ خَوْضُهُ فِي بُحُورِهَا أَمْكَنَهُ التَّلْفِيقُ بَيْنَهُمَا ، لَكِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ ، إِمَّا تَأْوِيلٌ يَبْعُدُ عَنِ الْأَفْهَامِ ، أَوْ مَوْضِعٌ لَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ وَجْهُ التَّأْوِيلِ لِقُصُورِ الْأَفْهَامِ عَنْ إِدْرَاكِ الْحَقِيقَةِ ، وَالطَّمَعُ فِي تَلْفِيقِ كُلِّ مَا يَرِدُ مُسْتَحِيلُ الْمَرَامِ ، وَالْمَرَدُّ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ( الشُّورَى : 11 ) .
وَنَحْنُ نَجْرِي فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى طَرِيقِ الْمُؤَوِّلِينَ ، حَاكِينَ كَلَامَهُمْ .
فَمِنْ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28727صِفَةُ الِاسْتِوَاءِ ، فَحَكَى
مُقَاتِلٌ ، وَالْكَلْبِيُّ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ اسْتَوَى ( طه : 5 ) بِمَعْنَى اسْتَقَرَّ ، وَهَذَا إِنْ صَحَّ يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ ، فَإِنَّ الِاسْتِقْرَارَ يُشْعِرُ بِالتَّجْسِيمِ .
وَعَنِ
الْمُعْتَزِلَةِ بِمَعْنَى اسْتَوْلَى وَقَهَرَ وَغَلَبَ ، وَرُدَّ بِوَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَوْلٍ عَلَى الْكَوْنَيْنِ ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَأَهْلِهِمَا ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي تَخْصِيصِ الْعَرْشِ !
[ ص: 210 ] الثَّانِي : أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ قَهْرٍ وَغَلَبَةٍ ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ .
وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : بِمَعْنَى ( صَعِدَ ) ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُوجِبُ هُبُوطًا مِنْهُ تَعَالَى حَتَّى يَصْعَدَ ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ عَنِ اللَّهِ .
وَقِيلَ : ( الرَّحْمَنُ عَلَا وَالْعَرْشُ لَهُ اسْتَوَى ) فَجَعَلَ ( عَلَا ) فِعْلًا لَا حَرْفًا ; حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ
إِسْمَاعِيلُ الضَّرِيرُ فِي تَفْسِيرِهِ ; وَرُدَّ بِوَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ جَعَلَ الصِّفَةَ فِعْلًا وَهُوَ عَلَى ، وَمَصَاحِفُ
أَهْلِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ قَاطِعَةٌ بِأَنَّ ( عَلَى ) هُنَا حَرْفٌ ، وَلَوْ كَانَ فِعْلًا لَكَتَبُوهَا بِاللَّامِ أَلِفٍ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ( الْمُؤْمِنُونَ : 91 ) .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ رَفَعَ الْعَرْشَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ .
وَقِيلَ : تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ ، ثُمَّ ابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5اسْتَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=6لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ( طه : 5 ، 6 ) وَهَذَا رَكِيكٌ يُزِيلُ الْآيَةَ عَنْ نَظْمِهَا وَمُرَادِهَا .
قَالَ الْأُسْتَاذُ : وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ
الْفَرَّاءُ وَالْأَشْعَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعَانِي : إِنَّ
[ ص: 211 ] مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5اسْتَوَى ) أَقْبَلَ عَلَى خَلْقِ الْعَرْشِ وَعَمَدَ إِلَى خَلْقِهِ ، فَسَمَّاهُ اسْتِوَاءً ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ ( فُصِّلَتْ : 11 ) أَيْ قَصَدَ وَعَمَدَ إِلَى خَلْقِ السَّمَاءِ فَكَذَا هَاهُنَا ، قَالَ : وَهَذَا الْقَوْلُ مَرَضِيٌّ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ فِيهِ تَعْطِيلٌ وَلَا تَشْبِيهٌ .
قَالَ
الْأَشْعَرِيُّ : ( عَلَى ) هُنَا بِمَعْنَى ( فِي ) كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ( الْبَقَرَةِ : 102 ) وَمَعْنَاهُ أَحْدَثَ اللَّهُ فِي الْعَرْشِ فِعْلًا سَمَّاهُ اسْتِوَاءً ، كَمَا فَعَلَ فِعْلًا سَمَّاهُ فَضْلًا وَنِعْمَةً ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=8فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ( الْحُجُرَاتِ : 7 وَ 8 ) فَسَمَّى التَّحْبِيبَ وَالتَّكْرِيهَ فَضْلًا وَنِعْمَةً . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ( النَّحْلِ : 26 ) أَيْ فَخَرَّبَ اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ( الْحَشْرِ : 2 ) أَيْ قَصَدَهُمْ وَكَمَا أَنَّ التَّخْرِيبَ وَالتَّعْذِيبَ سَمَّاهَا إِتْيَانًا ، فَكَذَلِكَ أَحْدَثَ فِعْلًا بِالْعَرْشِ سَمَّاهُ اسْتِوَاءً .
قَالَ : وَهَذَا قَوْلٌ مَرْضِيٌّ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لِسَلَامَتِهِ مِنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ ، وَلِلْعَرْشِ خُصُوصِيَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ وَأَعْظَمُ ، وَالْمَلَائِكَةُ حَافُّونَ بِهِ ، وَدَرَجَةُ الْوَسِيلَةِ مُتَّصِلَةٌ بِهِ ، وَأَنَّهُ سَقْفُ الْجَنَّةِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ( الْمَائِدَةِ : 116 ) قِيلَ : النَّفْسُ هَاهُنَا الْغَيْثُ تَشْبِيهًا لَهُ بِالنَّفْسِ ، لِأَنَّهُ مُسْتَتِرٌ كَالنَّفْسِ .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ( آلِ عِمْرَانَ : 28 ) ; أَيْ عُقُوبَتَهُ ، وَقِيلَ : يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ( الْأَنْعَامِ : 3 ) اخْتَارَ
الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ الْمَعْبُودُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ( الزُّخْرُفِ : 84 ) وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ ، وَقَالَ
الْأَشْعَرِيُّ فِي ( الْمُوجَزِ ) :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ ( الْأَنْعَامِ : 3 )
[ ص: 212 ] أَيْ عَالِمٌ بِمَا فِيهِمَا ، وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ ) جُمْلَةٌ تَامَّةٌ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ ) كَلَامٌ آخَرُ ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُجَسِّمَةِ ، وَاسْتَدَلَّتِ
الْجَهْمِيَّةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَانٍ ، وَظَاهِرُ مَا فَهِمُوهُ مِنَ الْآيَةِ مِنْ أَسْخَفِ الْأَقْوَالِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا ( الْفَجْرِ : 22 ) قِيلَ : اسْتِعَارَةُ الْوَاوِ مَوْضِعَ الْبَاءِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي مَعْنَى الْجَمْعِ ، إِذِ الْبَاءُ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِلْصَاقِ وَهُوَ جَمْعٌ ، وَالْوَاوُ مَوْضُوعَةٌ لِلْجَمْعِ ، وَالْحُرُوفُ يَنُوبُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ ، وَتَقُولُ عُرْفًا : جَاءَ الْأَمِيرُ بِالْجَيْشِ إِذَا كَانَ مَجِيئُهُمْ مُضَافًا إِلَيْهِ بِتَسْلِيطِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَلَكَ إِنَّمَا يَجِيءُ بِأَمْرِهِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=27وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ( الْأَنْبِيَاءِ : 27 ) فَصَارَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ ، وَقَالَ : جَاءَ الْمَلَكُ بِأَمْرِ رَبِّكَ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ ( الْمَائِدَةِ : 24 ) أَيِ اذْهَبْ أَنْتَ بِرَبِّكَ ، أَيْ بِتَوْفِيقِ رَبِّكَ وَقُوَّتِهِ إِذْ مَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا يُقَاتِلُ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ صَرْفُ الْكَلَامِ إِلَى الْمَفْهُومِ فِي الْعُرْفِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=42يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ( الْقَلَمِ : 42 ) قَالَ
قَتَادَةُ : عَنْ شِدَّةٍ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12354إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : أَيْ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقْ
وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا وَقَعَ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ يَحْتَاجُ إِلَى مُعَانَاةٍ وَجِدٍّ فِيهِ شَمَّرَ عَنْ سَاقِهِ ، فَاسْتُعِيرَتِ السَّاقُ فِي مَوْضِعِ الشِّدَّةِ .
[ ص: 213 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=56مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ( الزُّمَرِ : 56 ) قَالَ اللُّغَوِيُّونَ : مَعْنَاهُ مَا فَرَّطْتُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ ، لِأَنَّ التَّفْرِيطَ لَا يَقَعُ إِلَّا فِي ذَلِكَ ، وَالْجَنْبُ الْمَعْهُودُ مِنْ ذَوِي الْجَوَارِحِ لَا يَقَعُ فِيهِ تَفْرِيطٌ أَلْبَتَّةَ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ وَصْفُ الْقَدِيمِ سُبْحَانَهُ بِمَا لَا يَجُوزُ !
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=31سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ ( الرَّحْمَنِ : 31 ) فَرَغَ يَأْتِي بِمَعْنَى قَطَعَ شُغْلًا ، أَتَفَرَّغُ لَكَ ، أَيْ أَقْصِدُ قَصْدَكَ ، وَالْآيَةُ مِنْهُ ، أَيْ سَنَقْصِدُ لِعُقُوبَتِكُمْ وَنُحْكِمُ جَزَاءَكُمْ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ( غَافِرٍ : 37 ) إِنْ قِيلَ : لِأَيِّ عِلَّةٍ نُسِبَ الظَّنُّ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ شَكٌّ ؟
قِيلَ : فِيهِ جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الظَّنُّ لِفِرْعَوْنَ ، وَهُوَ شَكٌّ لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ( غَافِرٍ : 37 ) وَإِنِّي لَأَظُنُّ
مُوسَى كَاذِبًا ، فَالظَّنُّ عَلَى هَذَا
لِفِرْعَوْنَ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ( غَافِرٍ : 37 ) عَلَى مَعْنَى : وَإِنِّي لَأَعْلَمُهُ كَاذِبًا ، فَإِذَا كَانَ الظَّنُّ لِلَّهِ كَانَ عِلْمًا وَيَقِينًا ، وَلَمْ يَكُنْ شَكًّا كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=20إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ( الْحَاقَّةِ : 20 ) .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ( الْبَقَرَةِ : 255 ) لَمْ يُرِدْ سُبْحَانَهُ بِنَفْيِ النَّوْمِ وَالسِّنَةِ عَنْ نَفْسِهِ إِثْبَاتَ الْيَقَظَةِ وَالْحَرَكَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلَّهِ تَعَالَى : يَقْظَانُ وَلَا نَائِمٌ ; لِأَنَّ الْيَقْظَانَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ نَوْمٍ وَلَا يَجُوزُ وَصْفُ الْقَدِيمِ بِهِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَ الْجَهْلِ وَالْغَفْلَةِ ، كَقَوْلِهِ : مَا أَنَا عَنْكَ بِغَافِلٍ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ( ص : 75 ) ، قَالَ
السُّهَيْلِيُّ : الْيَدُ فِي الْأَصْلِ كَالْمَصْدَرِ ، عِبَارَةٌ عَنْ صِفَةٍ لِمَوْصُوفٍ ، وَلِذَلِكَ مَدَحَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْأَيْدِي مَقْرُونَةً مَعَ الْأَبْصَارِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=45أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ( ص : 45 ) وَلَمْ يَمْدَحْهُمْ بِالْجَوَارِحِ ; لِأَنَّ الْمَدْحَ إِنَّمَا
[ ص: 214 ] يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ لَا بِالْجَوَاهِرِ ، قَالَ : وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَصَحَّ قَوْلُ
الْأَشْعَرِيِّ : إِنَّ الْيَدَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ( ص : 75 ) صِفَةٌ وَرَدَ بِهَا الشَّرْعُ ، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهَا فِي مَعْنَى الْقُدْرَةِ كَمَا قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَلَا بِمَعْنَى النِّعْمَةِ ، وَلَا قَطَعَ بِشَيْءٍ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ تَحَرُّزًا مِنْهُ عَنْ مُخَالَفَةِ السَّلَفِ ، وَقَطَعَ بِأَنَّهَا صِفَةٌ تَحَرُّزًا عَنْ مَذَاهِبِ الْمُشَبِّهَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : وَكَيْفَ خُوطِبُوا بِمَا لَا يَعْلَمُونَ إِذِ الْيَدُ بِمَعْنَى الصِّفَةِ لَا يَعْرِفُونَهُ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْأَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ مَعْنَاهَا ، وَلَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ تَوَهُّمَ التَّشْبِيهِ ، وَلَا احْتَاجَ إِلَى شَرْحٍ وَتَنْبِيهٍ ، وَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ ، لَوْ كَانَ لَا يُعْقَلُ عِنْدَهُمْ إِلَّا فِي الْجَارِحَةِ لَتَعَلَّقُوا بِهَا فِي دَعْوَى التَّنَاقُضِ ، وَاحْتَجُّوا بِهَا عَلَى الرَّسُولِ ، وَلَقَالُوا : زَعَمْتَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ تُخْبِرُ أَنَّ لَهُ يَدًا ، وَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ مُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ ، عُلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ كَانَ جَلِيًّا لَا خَفَاءَ بِهِ ، لِأَنَّهَا صِفَةٌ سُمِّيَتِ الْجَارِحَةُ بِهَا مَجَازًا ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْمَجَازُ فِيهَا حَتَّى نُسِيَتِ الْحَقِيقَةُ ، وَرُبَّ مُجَازٍ كَثِيرٍ اسْتُعْمِلَ حَتَّى نُسِيَ أَصْلُهُ ، وَتُرِكَتْ صِفَتُهُ - وَالَّذِي يَلُوحُ مِنْ مَعْنَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ مَعْنَى الْقُدْرَةِ إِلَّا أَنَّهَا أَخَصُّ ، وَالْقُدْرَةُ أَعَمُّ ، كَالْمَحَبَّةِ مَعَ الْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ ، فَالْيَدُ أَخَصُّ مِنْ مَعْنَى الْقُدْرَةِ ، وَلِذَا كَانَ فِيهَا تَشْرِيفٌ لَازِمٌ .
وَقَالَ
الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ( ص : 75 ) فِي تَحْقِيقِ اللَّهِ التَّثْنِيَةَ فِي الْيَدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ ، وَإِنَّمَا هُمَا صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ . قَالَ
مُجَاهِدٌ : الْيَدُ هَاهُنَا بِمَعْنَى التَّأْكِيدِ وَالصِّلَةِ مَجَازٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لِمَا خَلَقْتُ ) كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ( الرَّحْمَنِ : 27 ) قَالَ
الْبَغَوِيُّ : وَهَذَا تَأْوِيلٌ غَيْرُ قَوِيٍّ ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ صِلَةً لَكَانَ لِإِبْلِيسَ أَنْ يَقُولَ : إِنْ كُنْتَ خَلَقْتَهُ فَقَدْ خَلَقْتَنِي ، وَكَذَلِكَ فِي الْقُدْرَةِ وَالنِّعْمَةِ لَا يَكُونُ
لِآدَمَ فِي الْخَلْقِ مَزِيَّةٌ عَلَى إِبْلِيسَ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا ( يس : 71 )
[ ص: 215 ] فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الِاثْنَيْنِ جَمْعًا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=19هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا ( الْحَجِّ : 19 ) .
وَأَمَّا الْعَيْنُ فِي الْأَصْلِ فَهِيَ صِفَةٌ وَمَصْدَرٌ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ ثُمَّ عُبِّرَ عَنْ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ بِالْعَيْنِ ، قَالَ : وَحِينَئِذٍ فَإِضَافَتُهَا لِلْبَارِئِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ( طه : 39 ) حَقِيقَةٌ - لَا مَجَازٌ كَمَا تَوَهَّمَ أَكْثَرُ النَّاسِ - لِأَنَّهُ صِفَةٌ فِي مَعْنَى الرُّؤْيَةِ وَالْإِدْرَاكِ ، وَإِنَّمَا الْمَجَازُ فِي تَسْمِيَةِ الْعُضْوِ بِهَا ، وَكُلُّ شَيْءٍ يُوهِمُ الْكُفْرَ وَالتَّجْسِيمَ فَلَا يُضَافُ إِلَى الْبَارِئِ سُبْحَانَهُ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا .
قَالَ
السُّهَيْلِيُّ : وَمِنْ فَوَائِدِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسْأَلَ عَنِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ( طه : 39 ) بِحَرْفِ ( عَلَى ) وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ( الْقَمَرِ : 14 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ( هُودٍ : 37 ) وَمَا الْفَرْقُ ؟ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى وَرَدَتْ فِي إِظْهَارِ أَمْرٍ كَانَ خَفِيًّا وَإِبْدَاءِ مَا كَانَ مَكْنُونًا ، فَإِنَّ الْأَطْفَالَ إِذْ ذَاكَ كَانُوا يُغَذَّوْنَ وَيُصْنَعُونَ سِرًّا ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصْنَعَ
مُوسَى وَيُغَذَّى وَيُرَبَّى عَلَى جَلِيِّ أَمْنٍ وَظُهُورِ أَمْرٍ لَا تَحْتَ خَوْفٍ وَاسْتِسْرَارٍ دَخَلَتْ ( عَلَى ) فِي اللَّفْظِ تَنْبِيهًا عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّهَا تُعْطِي مَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ ، وَالِاسْتِعْلَاءُ ظُهُورٌ وَإِبْدَاءٌ فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ : وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنَيْ أَمْنٍ لَا تَحْتَ خَوْفٍ ، وَذَكَرَ الْعَيْنَ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الرِّعَايَةِ وَالْكَلَأِ وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ( الْقَمَرِ : 14 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ( هُودٍ : 37 ) ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ فِي رِعَايَةٍ مِنَّا وَحِفْظٍ ، وَلَا يُرِيدُ إِبْدَاءَ شَيْءٍ وَلَا إِظْهَارَهُ بَعْدَ كَتْمٍ ، فَلَمْ يَحْتَجِ الْكَلَامُ إِلَّا مَعْنَى ( عَلَى ) .
وَلَمْ يَتَكَلَّمِ
السُّهَيْلِيُّ عَلَى حِكْمَةِ الْإِفْرَادِ فِي قِصَّةِ
مُوسَى وَالْجَمْعِ فِي الْبَاقِي ، وَهُوَ سِرٌّ لَطِيفٌ ، وَهُوَ إِظْهَارُ الِاخْتِصَاصِ الَّذِي خُصَّ بِهِ
مُوسَى فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ( طه : 41 ) فَاقْتَضَى الِاخْتِصَاصُ الِاخْتِصَاصَ الْآخَرَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ( طه : 39 ) بِخِلَافِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ( الْقَمَرِ : 14 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ( هُودٍ : 37 ) فَلَيْسَ فِيهِ مِنَ الِاخْتِصَاصِ مَا فِي صُنْعِ
مُوسَى عَلَى عَيْنِهِ سُبْحَانَهُ .
[ ص: 216 ] قَالَ
السُّهَيْلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَأَمَّا النَّفْسُ فَعِبَارَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْوُجُودِ دُونَ مَعْنًى زَائِدٍ ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ مِنْ لَفْظِهَا النَّفَاسَةُ وَالشَّيْءُ النَّفِيسُ ، فَصَلُحَتْ لِلتَّعْبِيرِ عَنْهُ سُبْحَانَهُ ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ .
وَأَمَّا الذَّاتُ فَقَدِ اسْتَوَى أَكْثَرُ النَّاسِ بِأَنَّهَا مَعْنَى النَّفْسِ وَالْحَقِيقَةِ ، وَيَقُولُونَ : ذَاتُ الْبَارِئِ هِيَ نَفْسُهُ ، وَيُعَبِّرُونَ بِهَا عَنْ وُجُودِهِ وَحَقِيقَتِهِ ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ
إِبْرَاهِيمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018603ثَلَاثُ كِذْبَاتٍ كُلُّهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ .
قَالَ : وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ إِذَا اسْتَقْرَيْتَهَا فِي اللُّغَةِ وَالشَّرِيعَةِ كَمَا زَعَمُوا ، وَإِلَّا لَقِيلَ : عَبَدْتُ ذَاتَ اللَّهِ ، وَاحْذَرْ ذَاتَ اللَّهِ ، وَهُوَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ ، وَلَا يُقَالُ إِلَّا بِحَرْفٍ فِي الْمُسْتَحِلِّ مَعْنَاهُ فِي حَقِّ الْبَارِئِ تَعَالَى ، لَكِنْ حَيْثُ وَقَعَ فَالْمُرَادُ بِهِ الدِّيَانَةُ وَالشَّرِيعَةُ الَّتِي هِيَ ذَاتُ اللَّهِ ، فَذَاتٌ وَصْفٌ لِلدِّيَانَةِ . هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَقَدْ بَانَ غَلَطُ مَنْ جَعَلَهَا عِبَارَةً عَنْ نَفْسِ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ .
وَمِنْهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28706إِطْلَاقُ الْعَجَبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=12بَلْ عَجِبْتَ ) ( الصَّافَّاتِ : 12 ) عَلَى قِرَاءَةِ
حَمْزَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيِّ ، بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ قَدْ حَلُّوا مَحَلَّ مَنْ يُتَعَجَّبُ مِنْهُمْ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14127الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ : الْعَجَبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِنْكَارُ الشَّيْءِ وَتَعْظِيمُهُ ، وَهُوَ
[ ص: 217 ] لُغَةُ الْعَرَبِ وَفِي الْحَدِيثِ :
عَجَبُ رَبِّكُمْ مِنْ إِلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ ، وَقَوْلُهُ :
إِنَّ اللَّهَ يَعْجَبُ مِنَ الشَّابِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ صَبْوَةٌ .
قَالَ
الْبَغَوِيُّ : وَسَمِعْتُ
أَبَا الْقَاسِمِ النَّيْسَابُورِيَّ ، قَالَ : سَمِعْتُ
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيَّ ، يَقُولُ : سُئِلَ
الْجُنَيْدُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ ؟ فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ مِنْ شَيْءٍ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ وَافَقَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ( الرَّعْدِ : 5 ) أَيْ هُوَ كَمَا يَقُولُهُ .
فَائِدَةٌ
كُلُّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) أَوْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21تَتَّقُونَ ) أَوْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=52تَشْكُرُونَ )
فَالْمُعْتَزِلَةُ يُفَسِّرُونَهُ بِالْإِرَادَةِ ; لِأَنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُرِيدُ إِلَّا الْخَيْرَ ، وَوُقُوعُ الشَّرِّ عَلَى خِلَافِ إِرَادَتِهِ ،
وَأَهْلُ السُّنَّةِ يُفَسِّرُونَهُ بِالطَّلَبِ لِمَا فِي التَّرَجِّي مِنْ مَعْنَى الطَّلَبِ ، وَالطَّلَبُ غَيْرُ الْإِرَادَةِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : كُونُوا مُتَّقِينَ أَوْ مُفْلِحِينَ ; إِذْ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُ شَيْءٍ فِي الْوُجُودِ عَلَى خِلَافِ إِرَادَتِهِ تَعَالَى ، بَلْ كُلُّ الْكَائِنَاتِ مَخْلُوقَةٌ لَهُ تَعَالَى وَوُقُوعُهَا بِإِرَادَتِهِ ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا .