فصل
. وقد يكون اللفظ محتملا لمعنيين وهو في أحدهما أظهر ، فيسمى الراجح ظاهرا ، والمرجوح مؤولا
مثال المؤول قوله - تعالى - : وهو معكم أين ما كنتم ( الحديد : 4 ) فإنه يستحيل حمل المعية على القرب بالذات ، فتعين صرفه عن ذلك ، وحمله إما على الحفظ والرعاية ، أو على القدرة والعلم والرؤية كما قال - تعالى - : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( ق : 16 ) .
وكقوله - تعالى - : واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ( الإسراء : 24 ) فإنه يستحيل حمله على الظاهر لاستحالة أن يكون آدمي له أجنحة ، فيحمل على الخضوع وحسن الخلق .
وكقوله - تعالى - : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ( الإسراء : 13 ) يستحيل أن يشد في القيامة في عنق كل طائع وعاص وغيرهما طير من الطيور ، فوجب حمله على التزام الكتاب في الحساب لكل واحد منهم بعينه .
ومثال الظاهر قوله - تعالى - : فمن اضطر غير باغ ولا عاد ( الأنعام : 145 ) فإن الباغي يطلق على الجاهل وعلى الظالم وهو فيه أظهر وأغلب ، كقوله - تعالى - : ثم بغي عليه لينصرنه الله ( الحج : 60 ) . وقوله : ولا تقربوهن حتى يطهرن ( البقرة : 222 ) فيقال للانقطاع طهر ، وللوضوء والغسل ؛ غير أن الثاني أظهر .
وكقوله - تعالى - : وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة : 196 ) فيقال : للابتداء التمام وللفراغ ، غير أن الفراغ أظهر وقوله - تعالى - فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف ( الطلاق : 2 ) فيحتمل أن يكون الخيار في الأجل أو بعده ؛ والظاهر الأول ، لكنه يحمل على أنه مفارقة الأجل .
وقوله : فلا جناح عليه أن يطوف بهما ( البقرة : 158 ) والظاهر يقتضي حمله [ ص: 341 ] على الاستحباب لأن قوله : فلا جناح بمنزلة قوله : لا بأس ، وذلك لا يقتضي الوجوب ولكن هذا الظاهر متروك بل هو واجب ؛ لأن طواف الإفاضة واجب ، ولأنه ذكره بعد التطوع ، فقال : ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم فدل على أن النهي السابق نهي عن ترك واجب ، لا نهي عن ترك مندوب أو مستحب .
وقد يكون الكلام ظاهرا في شيء فيعدل به عن الظاهر بدليل آخر ، كقوله - تعالى - : الحج أشهر معلومات ( البقرة : 197 ) والأشهر اسم لثلاثة ؛ لأنه أقل الجمع .
وكقوله - تعالى - : فإن كان له إخوة فلأمه السدس ( النساء : 11 ) فالظاهر اشتراط ثلاثة من الإخوة ، لكن قام الدليل من خارج على أن المراد اثنان ، لأنهما يحجبانها عن الثلث إلى السدس .