تنبيهان
الأول : الأكثر أن
nindex.php?page=treesubj&link=28905_28906_28914_29568يراعى في التعدية ما ضمن منه ، وهو المحذوف لا المذكور ؛ كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187الرفث إلى نسائكم ( البقرة : 187 ) أي : الإفضاء .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=6عينا يشرب بها عباد الله ( الإنسان : 6 ) أي : يروى بها ، وغيره مما سبق .
[ ص: 406 ] ولم أجد
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28905مراعاة الملفوظ به إلا في موضعين :
أحدهما : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=60يقال له إبراهيم ( الأنبياء : 60 ) على قول
ابن الضائع أنه ضمن " يقال " معنى " ينادى " و "
إبراهيم " نائب عن الفاعل ؛ وأورد على نفسه : كيف عدي باللام ، والنداء لا يتعدى به ؟ وأجاب بأنه روعي الملفوظ به وهو القول ؛ لأنه يقال : قلت له .
الثاني : قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=12وحرمنا عليه المراضع من قبل ( القصص : 12 ) فإنه قد يقال : كيف يتعلق التكليف بالمرضع ؟ فأجيب بأنه ضمن " حرم " المعنى اللغوي ، وهو المنع ، فاعترض : كيف عدي بـ " على " والمنع لا يتعدى به ؟ فأجيب بأنه روعي صورة اللفظ .
الثاني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28914_29568التضمين يطلق على غير ما سبق ؛ قال
القاضي أبو بكر في كتاب " إعجاز القرآن " : هو حصول معنى فيه من غير ذكر له باسم أو صفة هي عبارة عنه ، ثم قسمه إلى قسمين : أحدهما : ما يفهم من البنية ، كقولك : معلوم ، فإنه يوجب أنه لا بد من عالم . والثاني : من معنى العبارة كالصفة ، فضارب يدل على مضروب . قال : والتضمين كله إيجاز .
قال : وذكر أن
nindex.php?page=treesubj&link=28914_29568بسم الله الرحمن الرحيم ( الفاتحة : 1 ) من باب التضمين ؛ لأنه تضمن تعليم الاستفتاح في الأمور باسمه على جهة التعظيم لله تعالى ، أو التبرك باسمه " .
وذكر
ابن الأثير في كتاب " المعاني المبتدعة " أن
nindex.php?page=treesubj&link=28914التضمين واقع في القرآن خلافا لما أجمع عليه أهل البيان ، وجعل منه قوله تعالى في الصافات :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=168لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين ( الصافات : 168 - 169 ) .
nindex.php?page=treesubj&link=28914_29568ويطلق التضمين أيضا على إدراج كلام الغير في أثناء الكلام لتأكيد المعنى ، أو لترتيب النظم ، ويسمى الإبداع ، كإبداع الله تعالى في حكايات أقوال المخلوقين ؛ كقوله تعالى
[ ص: 407 ] حكاية عن قول الملائكة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ( البقرة : 30 ) .
ومثل ما حكاه عن المنافقين :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11قالوا إنما نحن مصلحون ( البقرة : 11 ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ( البقرة : 13 ) .
وقالت اليهود ( البقرة : 113 ) .
ومثله : وقالت النصارى ( البقرة : 113 ) ومثله في القرآن كثير .
وكذلك ما أودع في القرآن من اللغات الأعجمية .
ويقرب
nindex.php?page=treesubj&link=28914_29568من التضمين في إيقاع فعل موقع آخر إيقاع الظن موقع اليقين في الأمور المحققة ؛ كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ( البقرة : 46 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة ( البقرة : 249 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=53ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ( الكهف : 53 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=24وظن داود أنما فتناه ( ص : 24 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=48وظنوا ما لهم من محيص ( فصلت : 48 ) .
وشرط
ابن عطية في ذلك ألا يكون متعلقه حسيا ، كما تقول العرب في رجل يرى حاضرا : أظن هذا إنسانا ، وإنما يستعمل ذلك فيما لم يخرج إلى الحس بعد ، كالآيات السابقة .
قال
الراغب في " الذريعة " : " الظن إصابة المطلوب بضرب من الإمارة متردد بين يقين وشك ، فيقرب تارة من طرف اليقين ، وتارة من طرف الشك ، فصار أهل اللغة يفسرونه بهما ؛ فمتى رئي إلى طرف اليقين أقرب استعمل معه " أن " المثقلة والمخففة فيهما ، كقوله
[ ص: 408 ] تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ( البقرة : 46 )
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=171وظنوا أنه واقع بهم ( الأعراف : 171 ) ومتى رئي إلى الشك أقرب استعمل معه " أن " التي للمعدومين من الفعل ، نحو : ظننت أن يخرج .
قال : وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=28914_29568استعمل الظن بمعنى العلم في قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ( البقرة : 46 ) لأمرين :
أحدهما : للتنبيه على أن علم أكثر الناس في الدنيا بالنسبة إلى علمهم في الآخرة كالظن في جنب العلم .
والثاني : أن العلم الحقيقي في الدنيا لا يكاد يحصل إلا للنبيين والصديقين المعنيين بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ( الحجرات : 15 ) والظن متى كان عن أمارة قوية فإنه يمدح به ، ومتى كان عن تخمين لم يمدح به ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12إن بعض الظن إثم ( الحجرات : 12 ) .
وجوز
أبو الفتح في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=4ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ( المطففين : 4 ، 5 ) أن يكون المراد بها اليقين ، وأن تكون على بابها ، وهو أقوى في المعنى ، أي : فقد يمنع من هذا التوهم ، فكيف عند تحقيق الأمر ؟ فهذا أبلغ . كقوله : " يكفيك من شر سماعه " أي : لو توهم البعث والنشور ، وما هناك من عظم الأمر وشدته لاجتنب المعاصي ، فكيف عند تحقق الأمر ! وهذا أبلغ .
وقيل : آيتا البقرة بمعنى الاعتقاد ، والباقي بمعنى اليقين ، والفرق بينهما أن الاعتقاد يقبل التشكيك بخلاف اليقين ، وإن اشتركا جميعا في وجوب الجزم بهما .
وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=20إني ظننت أني ملاق حسابيه ( الحاقة : 20 ) .
وقد جاء عكسه وهو
nindex.php?page=treesubj&link=28914_29568التجوز عن الظن بالعلم ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=81وما شهدنا إلا بما علمنا ( يوسف : 81 ) ولم يكن ذلك علما جازما بل اعتقادا ظنيا .
[ ص: 409 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم ( الإسراء : 36 ) وكان يحكم بالظن وبالظاهر .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10فإن علمتموهن مؤمنات ( الممتحنة : 10 ) وإنما يحصل بالامتحان في الحكم ،
nindex.php?page=treesubj&link=28914_29568ووجه التجوز أن بين الظن والعلم قدرا مشتركا وهو الرجحان ، فتجوز بأحدهما عن الآخر .
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ : الْأَكْثَرُ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28905_28906_28914_29568يُرَاعَى فِي التَّعْدِيَةِ مَا ضُمِّنَ مِنْهُ ، وَهُوَ الْمَحْذُوفُ لَا الْمَذْكُورُ ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ( الْبَقَرَةِ : 187 ) أَيِ : الْإِفْضَاءُ .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=6عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ ( الْإِنْسَانِ : 6 ) أَيْ : يُرْوَى بِهَا ، وَغَيْرُهُ مِمَّا سَبَقَ .
[ ص: 406 ] وَلَمْ أَجِدْ
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28905مُرَاعَاةَ الْمَلْفُوظِ بِهِ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=60يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ( الْأَنْبِيَاءِ : 60 ) عَلَى قَوْلِ
ابْنِ الضَّائِعِ أَنَّهُ ضُمِّنَ " يُقَالُ " مَعْنَى " يُنَادَى " وَ "
إِبْرَاهِيمُ " نَائِبٌ عَنِ الْفَاعِلِ ؛ وَأَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ : كَيْفَ عُدِّيَ بِاللَّامِ ، وَالنِّدَاءُ لَا يُتَعَدَّى بِهِ ؟ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ رُوعِيَ الْمَلْفُوظُ بِهِ وَهُوَ الْقَوْلُ ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ : قُلْتُ لَهُ .
الثَّانِي : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=12وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ ( الْقَصَصِ : 12 ) فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ : كَيْفَ يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ بِالْمُرْضِعِ ؟ فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ضُمِّنَ " حَرَّمَ " الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ ، وَهُوَ الْمَنْعُ ، فَاعْتُرِضَ : كَيْفَ عُدِّيَ بِـ " عَلَى " وَالْمَنْعُ لَا يُتَعَدَّى بِهِ ؟ فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ رُوعِيَ صُورَةُ اللَّفْظِ .
الثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28914_29568التَّضْمِينَ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ مَا سَبَقَ ؛ قَالَ
الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي كِتَابِ " إِعْجَازِ الْقُرْآنِ " : هُوَ حُصُولُ مَعْنًى فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لَهُ بِاسْمٍ أَوْ صِفَةٍ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْهُ ، ثُمَّ قَسَّمَهُ إِلَى قِسْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مَا يُفْهَمُ مِنَ الْبِنْيَةِ ، كَقَوْلِكَ : مَعْلُومٌ ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَالِمٍ . وَالثَّانِي : مِنْ مَعْنَى الْعِبَارَةِ كَالصِّفَةِ ، فَضَارِبٌ يَدُلُّ عَلَى مَضْرُوبٍ . قَالَ : وَالتَّضْمِينُ كُلُّهُ إِيجَازٌ .
قَالَ : وَذُكِرَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28914_29568بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( الْفَاتِحَةِ : 1 ) مِنْ بَابِ التَّضْمِينِ ؛ لِأَنَّهُ تَضَمَّنَ تَعْلِيمَ الِاسْتِفْتَاحِ فِي الْأُمُورِ بِاسْمِهِ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ لِلَّهِ تَعَالَى ، أَوِ التَّبَرُّكِ بِاسْمِهِ " .
وَذَكَرَ
ابْنُ الْأَثِيرِ فِي كِتَابِ " الْمَعَانِي الْمُبْتَدَعَةِ " أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28914التَّضْمِينَ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ خِلَافًا لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَيَانِ ، وَجَعَلَ مِنْهُ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي الصَّافَّاتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=168لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( الصَّافَّاتِ : 168 - 169 ) .
nindex.php?page=treesubj&link=28914_29568وَيُطْلَقُ التَّضْمِينُ أَيْضًا عَلَى إِدْرَاجِ كَلَامِ الْغَيْرِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ لِتَأْكِيدِ الْمَعْنَى ، أَوْ لِتَرْتِيبِ النَّظْمِ ، وَيُسَمَّى الْإِبْدَاعَ ، كَإِبْدَاعِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حِكَايَاتِ أَقْوَالِ الْمَخْلُوقِينَ ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
[ ص: 407 ] حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ( الْبَقَرَةِ : 30 ) .
وَمِثْلُ مَا حَكَاهُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ( الْبَقَرَةِ : 11 ) .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ( الْبَقَرَةِ : 13 ) .
وَقَالَتِ الْيَهُودُ ( الْبَقَرَةِ : 113 ) .
وَمِثْلُهُ : وَقَالَتِ النَّصَارَى ( الْبَقَرَةِ : 113 ) وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ .
وَكَذَلِكَ مَا أُودِعَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ اللُّغَاتِ الْأَعْجَمِيَّةِ .
وَيَقْرُبُ
nindex.php?page=treesubj&link=28914_29568مِنَ التَّضْمِينِ فِي إِيقَاعِ فِعْلٍ مَوْقِعَ آخَرَ إِيقَاعُ الظَّنِّ مَوْقِعَ الْيَقِينِ فِي الْأُمُورِ الْمُحَقَّقَةِ ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ ( الْبَقَرَةِ : 46 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ ( الْبَقَرَةِ : 249 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=53وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا ( الْكَهْفِ : 53 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=24وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ( ص : 24 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=48وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ( فُصِّلَتْ : 48 ) .
وَشَرَطَ
ابْنُ عَطِيَّةَ فِي ذَلِكَ أَلَّا يَكُونَ مُتَعَلِّقُهُ حِسِّيًّا ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ فِي رَجُلٍ يَرَى حَاضِرًا : أَظُنُّ هَذَا إِنْسَانًا ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَى الْحِسِّ بَعْدُ ، كَالْآيَاتِ السَّابِقَةِ .
قَالَ
الرَّاغِبُ فِي " الذَّرِيعَةِ " : " الظَّنُّ إِصَابَةُ الْمَطْلُوبِ بِضَرْبٍ مِنَ الْإِمَارَةِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ يَقِينٍ وَشَكٍّ ، فَيَقْرُبُ تَارَةً مِنْ طَرَفِ الْيَقِينِ ، وَتَارَةً مِنْ طَرَفِ الشَّكِّ ، فَصَارَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُفَسِّرُونَهُ بِهِمَا ؛ فَمَتَى رُئِيَ إِلَى طَرَفِ الْيَقِينِ أَقْرَبَ اسْتُعْمِلَ مَعَهُ " أَنَّ " الْمُثَقَّلَةُ وَالْمُخَفَّفَةُ فِيهِمَا ، كَقَوْلِهِ
[ ص: 408 ] تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ ( الْبَقَرَةِ : 46 )
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=171وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ ( الْأَعْرَافِ : 171 ) وَمَتَى رُئِيَ إِلَى الشَّكِّ أَقْرَبَ اسْتُعْمِلَ مَعَهُ " أَنْ " الَّتِي لِلْمَعْدُومِينَ مِنَ الْفِعْلِ ، نَحْوَ : ظَنَنْتُ أَنْ يَخْرُجَ .
قَالَ : وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=28914_29568اسْتُعْمِلَ الظَّنُّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=46الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ ( الْبَقَرَةِ : 46 ) لِأَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ عِلْمَ أَكْثَرِ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِهِمْ فِي الْآخِرَةِ كَالظَّنِّ فِي جَنْبِ الْعِلْمِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْعِلْمَ الْحَقِيقِيَّ فِي الدُّنْيَا لَا يَكَادُ يَحْصُلُ إِلَّا لِلنَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ( الْحُجُرَاتِ : 15 ) وَالظَّنُّ مَتَى كَانَ عَنْ أَمَارَةٍ قَوِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُمْدَحُ بِهِ ، وَمَتَى كَانَ عَنْ تَخْمِينٍ لَمْ يُمْدَحْ بِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ( الْحُجُرَاتِ : 12 ) .
وَجَوَّزَ
أَبُو الْفَتْحِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=4أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ( الْمُطَفِّفِينَ : 4 ، 5 ) أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْيَقِينُ ، وَأَنْ تَكُونَ عَلَى بَابِهَا ، وَهُوَ أَقْوَى فِي الْمَعْنَى ، أَيْ : فَقَدْ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا التَّوَهُّمُ ، فَكَيْفَ عِنْدَ تَحْقِيقِ الْأَمْرِ ؟ فَهَذَا أَبْلَغُ . كَقَوْلِهِ : " يَكْفِيكَ مِنْ شَرٍّ سَمَاعُهُ " أَيْ : لَوْ تَوَهَّمَ الْبَعْثَ وَالنُّشُورَ ، وَمَا هُنَاكَ مِنْ عِظَمِ الْأَمْرِ وَشِدَّتِهِ لَاجْتَنَبَ الْمَعَاصِيَ ، فَكَيْفَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْأَمْرِ ! وَهَذَا أَبْلَغُ .
وَقِيلَ : آيَتَا الْبَقَرَةِ بِمَعْنَى الِاعْتِقَادِ ، وَالْبَاقِي بِمَعْنَى الْيَقِينِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاعْتِقَادَ يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ بِخِلَافِ الْيَقِينِ ، وَإِنِ اشْتَرَكَا جَمِيعًا فِي وُجُوبِ الْجَزْمِ بِهِمَا .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=20إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ( الْحَاقَّةِ : 20 ) .
وَقَدْ جَاءَ عَكْسُهُ وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28914_29568التَّجَوُّزُ عَنِ الظَّنِّ بِالْعِلْمِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=81وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا ( يُوسُفَ : 81 ) وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِلْمًا جَازِمًا بَلِ اعْتِقَادًا ظَنِّيًّا .
[ ص: 409 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ( الْإِسْرَاءِ : 36 ) وَكَانَ يَحْكُمُ بِالظَّنِّ وَبِالظَّاهِرِ .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ( الْمُمْتَحَنَةِ : 10 ) وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالِامْتِحَانِ فِي الْحُكْمِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28914_29568وَوَجْهُ التَّجَوُّزِ أَنَّ بَيْنَ الظَّنِّ وَالْعِلْمِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا وَهُوَ الرُّجْحَانُ ، فَتَجُوزُ بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ .