[ ص: 94 ] القاعدة الثانية
ينقسم باعتبار إلى أقسام : عطف الاسم على مثله ، والفعل على الفعل
الأول : عطف الاسم على الاسم ، وشرط ابن عمرون وصاحبه ابن مالك فيه أن يصح أن يسند أحدهما إلى ما أسند إلى الآخر ولهذا منع أن يكون ( وزوجك ) في ( اسكن أنت وزوجك ) ( البقرة : 35 ) ، ( الأعراف : 19 ) معطوفا على الضمير المستكن في " اسكن " ، وجعله من عطف الجمل بمعنى أنه مرفوع بفعل محذوف ، أي ولتسكن زوجك .
ونظيره قوله تعالى : ( لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى ) ( طه : 58 ) لأن من حق المعطوف حلوله محل المعطوف عليه ، ولا يصح حلول زوجك محل الضمير ، لأن فاعل فعل الأمر الواحد المذكر ، نحو : " قم " لا يكون إلا ضميرا مستترا ، فكيف يصح وقوع الظاهر موقع المضمر الذي قبله ! ورد عليه الشيخ أثير الدين أبو حيان ، بأنه لا خلاف في صحة " تقوم هند وزيد " ، ولا يصح مباشرة زيد لـ ( تقوم ) لتأنيثه .
( الثاني ) عطف الفعل على الفعل ، قال ابن عمرون وغيره : يشترط فيه اتفاق زمانهما ، فإن خالف رد إلى الاتفاق بالتأويل ، لا سيما إذا كان لا يلبس ، وكانت مغايرة الصيغ اتساعا ، قال الله تعالى : ( والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة ) ( الأعراف : 170 ) فعطف الماضي على المضارع ، لأنها من صلة الذين ، وهو يضارع الشرط لإيهامه ، والماضي في الشرط في حكم المستقبل ، فقد تغايرت الصيغ في هذا كما ترى ، واللبس مأمون ، ولا نظر في الجمل إلى اتفاق المعاني لأن كل جملة مستقلة بنفسها . انتهى .
[ ص: 95 ] ومثله قوله تعالى : ( إن شاء جعل لك خيرا من ذلك ) ( الفرقان : 10 ) ثم قال ( ويجعل لك قصورا ) ( الفرقان : 10 ) .
وقوله : ( ويوم نسير الجبال ) ( الكهف : 47 ) ثم قال : ( وحشرناهم ) .
وقال صاحب " المستوفى " : لا يتمشى عطف الفعل على الفعل إلا في المضارع ، منصوبا كان ، كقوله تعالى : ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) ( المدثر : 31 ) أو مجزوما كقوله : ( يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى ) ( نوح : 4 ) .
فإن قيل : كيف حكمتم بأن العاطف مختص بالمضارع ، وهم يقولون : قام زيد ، وقعد بكر ، وعلى هذا قوله تعالى : ( إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ) ( الكهف : 10 ) فيه عطف الماضي على الماضي ، وعطف الدعاء على الدعاء .
( فالجواب ) أن المراد بالعطف هنا أن تكون لفظتان تتبع الثانية منهما الأولى في إعرابها ، وإذا كانت اللفظة غير معربة ، فكيف يصح فيها التبعية ؟ فصح أن هذه الألفاظ لا يصح أن يقال : إنها معطوفة على ما قبلها العطف الذي نقصده الآن .
وإن صح أن يقال : معطوفة العطف الذي ليس للإتباع ، بل يكون عطف الجملة على الجملة من حيث هما جملتان ، والجملة من حيث هي لا مدخل لها في الإعراب إلا أن تحل محل الفرد ، وظهر أنه يصح وقوع العطف عليه ، وعدمه باعتبارين .
( الثالث ) عطف الفعل على الاسم ، والاسم على الفعل ، وقد اختلف فيه ، فمنهم من منعه ، والصحيح الجواز إذا كان مقدرا بالفعل كقوله تعالى : ( صافات ويقبضن ) ( الملك : 19 ) وقوله : ( إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله ) ( الحديد : 18 ) . واحتج بهذا على أن اسم الفاعل حمله على معنى المصدقين الذين تصدقوا . الزمخشري
[ ص: 96 ] قال ابن عمرون : ويدل لعطف الاسمية على الفعلية قوله تعالى : ( فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا ) ( مريم : 37 ) فعطف ( فويل للذين كفروا ) ( مريم : 37 ) وهي جملة اسمية على ( فاختلف ) وهي فعلية بالفاء . وقال تعالى : ( وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ) ( التوبة : 87 ) . وقال تعالى : ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية فأما من أوتي كتابه بيمينه ) ( الحاقة : 18 - 19 ) .
قال : وإذا جاز عطف الاسمية على الفعلية بـ ( أم ) في قوله تعالى : ( سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ) ( الأعراف : 193 ) إذ الموضع للمعادلة ، وقيل : إنه أوقع الاسمية موقع الفعلية ، نظرا إلى المعنى : أصمتم فما المانع هنا ؟
وجعل ابن مالك قوله تعالى : ( ومخرج الميت من الحي ) ( الأنعام : 95 ) عطفا على ( يخرج ) لأن الاسم في تأويل الفعل .
والتحقيق ما قاله : إنه عطف على ( الزمخشري فالق الحب والنوى ) ( الأنعام : 95 ) ليتناسب المتعاطفان ، وفي الأول يخالف ذلك والأصل عدمه ، وأيضا قوله : ( يخرج الحي ) تفسير لـ ( فالق الحب والنوى ) فلا يصح أن يكون عطفا على ( يخرج ) لأنه ليس تفسيرا لقوله : ( فالق الحب ) فيعطف على تفسيره ، بل هو قسيم له .