وأما حكمه وإن كان أكثر القراء لم يتعرضوا لذلك لعدم تعلقهم به فإنا لما رأينا بعض أئمتنا قد تعرض إلى ذلك في الصلاة كالحافظ أبي عمرو الداني والأستاذ والإمام أبي العلاء الهمداني والعلامة أبي القاسم بن الفحام والمجتهد أبي الحسن السخاوي أبي القاسم الدمشقي المعروف بأبي شامة ، وغيرهم ، تعرضوا لذكره في كتبهم ، ورووا في ذلك أخبارا عن سلف القراء والفقهاء لم نجد بدا من ذكره على عادتنا في ذكر ما يحتاج إليه المقرئ ، وغيره مما يتعلق بالقراءات . ( أخبرني ) الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله المقدسي بقراءتي عليه . أخبرنا محمد بن علي بن أبي القاسم الوراق قراءة عليه سنة ثمان عشرة وسبعمائة . أخبرنا عبد الصمد بن أبي الجيش . أخبرنا محمد بن أبي الفرج الموصلي ، أخبرنا يحيى [ ص: 425 ] بن سعدون القرطبي . أخبرنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي الصقلي . قال : حدثنا عبد الباقي يعني ابن فارس بن أحمد . حدثنا . حدثنا أبو أحمد يعني السامري أبو الحسن علي بن الرقي . قال : حدثني قنبل بن عبد الرحمن حدثنا أحمد بن محمد بن عون القوس . حدثنا عبد الحميد بن جريج عن مجاهد أنه كان يكبر من والضحى إلى الحمد لله . قال : فأرى أن يفعله الرجل إماما كان ، أو غير إمام رواه ابن جريج الحافظ أبو عمرو عن أبي الفتح فارس عن أبي أحمد ، بلفظه سواء . وقال الحافظ أبو عمرو : حدثنا أبو الفتح . حدثنا عبد الله يعني السامري . حدثنا أحمد يعني أحمد بن مجاهد . حدثنا عبد الله يعني أبا بكر بن أبي داود السجستاني . حدثنا حدثنا يعقوب يعني ابن سفيان الفسوي الحافظ الحميدي سألت قلت سفيان يعني ابن عيينة يا أبا محمد رأيت شيئا ربما فعله الناس عندنا يكبر القارئ في شهر رمضان إذا ختم ، يعني في الصلاة فقال : رأيت صدقة بن عبد الله بن كثير يؤم الناس منذ أكثر من سبعين سنة فكان إذا ختم القرآن كبر . وبه عن الحميدي قال : حدثنا محمد بن عمر بن عيسى أن أباه أخبره أنه قرأ بالناس في شهر رمضان فأمره أن يكبر من " والضحى " حتى يختم . وبه عن ابن جريج الحميدي قال : سمعت شيخنا من أهل عمر بن سهل مكة يقول رأيت عمر بن عيسى صلى بنا في شهر رمضان فكبر من " والضحى " فأنكر بعض الناس عليه فقال : أمرني به فسألنا ابن جريج فقال : أنا أمرته . ابن جريج
وقال الشيخ أبو الحسن السخاوي ، وروى بعض علمائنا الذين اتصلت قراءتنا بهم بإسناده عن أبي محمد الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد القرشي قال : صليت بالناس خلف المقام بالمسجد الحرام في التراويح في شهر رمضان فلما كانت ليلة الختمة كبرت من خاتمة الضحى إلى آخر القرآن في الصلاة فلما سلمت التفت ، وإذا بأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي قد صلى ورائي فلما بصر بي قال لي : أحسنت أصبت السنة .
( قلت ) : أظن هذا الذي عناه السخاوي ببعض علمائنا هو - والله أعلم - إما الإمام [ ص: 426 ] أبو بكر بن مجاهد فإنه رواه عن أبي محمد مضر بن محمد بن خالد الضبي عن حامد بن يحيى بن هانئ البلخي نزيل طرسوس عن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد القرشي المكي المقري الإمام بالمسجد الحرام ، وصاحب شبل بن عباد - والله أعلم - .
وأما الأستاذ فإنه رواه عن أبو علي الأهوازي أبي الفرج محمد بن أحمد بن إبراهيم الشنبوذي عن عن ابن شنبوذ مضر فذكره ، وقد تقدم ما أسنده الداني عن البزي عن : إن تركت التكبير ، فقد تركت سنة من سنن نبيك - صلى الله عليه وسلم - وبالإسناد المتقدم آنفا إلى الإمام الشافعي قال : وأخبرني قنبل ابن المقري قال : سمعت ابن الشهيد الحجبي يكبر خلف المقام في شهر رمضان . قال : وأخبرني يعني قنبل ابن المقري فقال لي ابن الشهيد الحجبي ، أو بعض الحجبة ، ابن الشهيد ، أو شك في أحدهما . وبه قال ابن بقية أخبرني قنبل أحمد بن محمد بن عون القواس قال : سمعت ابن الشهيد الحجبي يكبر خلف المقام في شهر رمضان قال : وأخبرني قنبل ركين بن الحصيب مولى الجبيريين قال : سمعت ابن الشهيد الحجبي يكبر خلف المقام في شهر رمضان حين ختم ، من " والضحى " يعني في صلاة التراويح . ورواه الحافظ أبو عمرو عن بإسناده المتقدم آنفا . وقال الإمام المحقق المجمع على تقدمه قنبل أبو الحسن علي بن جعفر بن محمد السعيدي الرازي ، ثم الشيرازي في آخر كتابه تبصرة البيان في القراءات الثمان ما هذا نصه : ابن كثير يكبر من خاتمة " والضحى " إلى آخر القرآن ، واختلف عنه في لفظ التكبير فكبر ( الله أكبر ) ، قنبل ( لا إله إلا الله والله أكبر ) يسكت في آخر السورة ويصل التكبير بالتسمية في الصلاة ، وغيرها . قال الأستاذ الزاهد والبزي ، إمام القراء في عصره أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري بخراسان في كتابه الإرشاد في القراءات الأربع عشرة : والمستحب للمكبر في الصلاة على مذهب ابن كثير التهليل ، وهو ( لا إله إلا الله والله أكبر ) لئلا يلتبس بتكبيرة الركوع . فقد ثبت التكبير في الصلاة عن أهل مكة فقهائهم ، وقرائهم وناهيك بالإمام الشافعي وسفيان بن عيينة وابن جريج وابن كثير ، وغيرهم [ ص: 427 ] ، وأما غيرهم فلم نجد عنهم في ذلك نصا حتى أصحاب مع ثبوته عن إمامهم فلم أجد لأحد منهم نصا فيه في شيء من كتبهم المبسوطة ، ولا المطولة الموضوعة للفقه ، وإنما ذكره استطرادا الشافعي والإمام الإمام أبو الحسن السخاوي أبو إسحاق الجعبري ، وكلاهما من أئمة الشافعية والعلامة أبو شامة ، وهو من أكبر أصحاب الذين كان يفتى بقولهم في عصرهم الشافعي بالشام ، بل هو ممن وصل إلى رتبة الاجتهاد وحاز وجمع من أنواع العلوم ما لم يجمعه غيره وحاز خصوصا في علوم الحديث والقراءات والفقه والأصول . ولقد حدثني من لفظه شيخنا الإمام حافظ الإسلام أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الشافعي قال : حدثني شيخنا الإمام العلامة أبو إسحاق إبراهيم ابن العلامة تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري شيخ الشافعية ، وابن شيخهم قال : سمعت والدي يقول : عجبت لأبي شامة كيف قلد ( نعم ) ، بلغنا عن شيخ الشافعية وزاهدهم وورعهم في عصرنا الإمام العلامة الشافعي الخطيب أبي الثناء محمود بن محمد بن جملة الإمام والخطيب بالجامع الأموي بدمشق الذي لم تر عيناي مثله رحمه الله أنه كان يفتي به ، وربما عمل به في التراويح في شهر رمضان ورأيت أنا غير واحد من شيوخنا يعمل به ويأمر من يعمل به في صلاة التراويح ، وفي الإحياء في ليالي رمضان حتى كان بعضهم إذا وصل في الإحياء إلى الضحى قام بما بقي من القرآن في ركعة واحدة فإذا انتهى إلى يكبر إثر كل سورة قل أعوذ برب الناس كبر في آخرها ثم يكبر ثانيا للركوع ، وإذا قام في الركعة الثانية قرأ الفاتحة وما تيسر من أول البقرة . وفعلت أنا كذلك مرات لما كنت أقوم بالإحياء إماما بدمشق ومصر . وأما من كان يكبر في صلاة التراويح فإنهم يكبرون إثر كل سورة ، ثم يكبرون للركوع ، وذلك إذا آثر التكبير آخر السورة ، ومنهم من كان إذا قرأ الفاتحة وأراد الشروع في السورة كبر وبسمل وابتدأ السورة . وختم مرة صبي في التراويح فكبر على العادة فأنكر عليه بعض أصحابنا الشافعية فرأيت صاحبنا [ ص: 428 ] الشيخ الإمام زين الدين عمر بن مسلم القرشي رحمه الله بعد ذلك في الجامع الأموي ، وهو ينكر على ذلك المنكر ويشنع عليه ويذكر قول الذي حكاه الشافعي السخاوي وأبو شامة ويقول : رحم الله الخطيب ابن جملة لقد كان عالما متيقظا متحريا . ثم رأيت كتاب الوسيط تأليف الإمام الكبير شيخ الإسلام أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي الشافعي رحمه الله ، وفيه ما هو نص على التكبير في الصلاة كما سيأتي لفظه في الفصل بعد هذا في صيغة التكبير . والقصد أنني تتبعت كلام الفقهاء من أصحابنا فلم أر لهم نصا في غير ما ذكرت ، وكذلك لم أر للحنفية ، ولا للمالكية ، وأما الحنابلة فقال الفقيه الكبير 55 في كتاب الفروع له : وهل يكبر لختمة من الضحى ، أو أبو عبد الله محمد بن مفلح ألم نشرح آخر كل سورة ؟ فيه روايتان ، ولم تستحبه الحنابلة لقراءة غير ابن كثير وقيل ويهلل . انتهى .
( قلت ) : ولما من الله تعالى علي بالمجاورة بمكة ودخل شهر رمضان فلم أر أحدا ممن صلى التراويح بالمسجد الحرام إلا يكبر من الضحى عند الختم فعلمت أنها سنة باقية فيهم إلى اليوم - والله أعلم - .
ثم العجب ممن ينكر التكبير بعد ثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن أصحابه والتابعين وغيرهم ، ويجيز ما ينكر في صلوات غير ثابتة ، وقد نص على استحباب صلاة التسبيح غير واحد من أئمة العلم كابن المبارك ، وغيره مع أن أكثر الحفاظ لا يثبتون حديثها فقال القاضي الحسين ، وصاحب التهذيب والتتمة في أواخر كتاب الجنائز من كتاب البحر : والروياني للحديث الوارد ، وذكرها أيضا صاحب المنية في الفتاوى من الحنفية ، وقال صدر القضاة في شرحه للجامع الصغير في مسألة " ويكره التكرار وعد الآي " : وما روي من الأحاديث أن من قرأ في الصلاة الإخلاص كذا مرة ونحوه فلم يصححها الثقات ، أما صلاة التسبيح ، فقد أوردها الثقات ، وهي صلاة مباركة ، وفيها ثواب عظيم ، ومنافع كثيرة ، ورواها يستحب صلاة التسبيح العباس ، وابنه وعبد الله بن عمرو .
( قلت ) : وقد [ ص: 429 ] اختلف كلام النووي في استحبابها فمنع في شرح المهذب والتحقيق ، وقال في تهذيب الأسماء واللغات في الكلام على " سبح " : وأما صلاة التسبيح المعروفة فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها خلاف العادة في غيرها ، وقد جاء فيها حديث حسن في كتاب الترمذي ، وغيره ، وذكرها المحاملي ، وصاحب التتمة ، وغيرهما من أصحابنا ، وهي سنة حسنة انتهى .