304 - ومن روى عن ثقة فكذبه فقد تعارضا ولكن كذبه 305 - لا تثبتن بقول شيخه فقد
كذبه الآخر فاردد ما جحد 306 - وإن يرده ب " لا أذكر " أو
ما يقتضي نسيانه فقد رأوا 307 - الحكم للذاكر عند المعظم
وحكي الإسقاط عن بعضهم 308 - كقصة الشاهد واليمين إذ
نسيه سهيل الذي أخذ 309 - عنه فكان بعد عن ربيعه
عن نفسه يرويه لن يضيعه 310 - نهى والشافعي ابن عبد الحكم
يروي عن الحي لخوف التهم
( ومن روى ) من الثقات ( عن ) شيخ ( ثقة ) أيضا حديثا ( فكذبه ) المروي عنه صريحا ، كقوله : كذب علي ( فقد تعارضا ) في قولهما ; كالبينتين إذا تكاذبتا ; فإنهما يتعارضان ; إذ الشيخ قطع بكذب الراوي ، والراوي قطع بالنقل ، ولكل منهما جهة ترجيح ، أما الراوي فلكونه مثبتا ، وأما الشيخ فلكونه نفى ما يتعلق به في أمر يقرب من المحصور غالبا .
( ولكن كذبه ) أي : الراوي ( لا تثبتن ) بنون التأكيد الخفيفة من أثبت ( بقول شيخه ) هذا ، بحيث يكون جرحا ; فإن ، وأيضا ( فقد كذبه الآخر ) أي : كذب الراوي الشيخ بالتصريح إن فرض أنه قال : كذب ، بل سمعته منه ، أو بما يقوم مقام التصريح ، وهو جزمه بكون الشيخ حدثه به ; لأن ذلك قد يستلزم تكذيبه في دعواه أنه كذب عليه ، وليس قبول قول أحدهما بأولى من الآخر . الجرح كذلك لا يثبت بغير مرجح
وأيضا فكما قال التاج السبكي : عدالة كل واحد منهما متيقنة ، وكذبه مشكوك فيه ، واليقين لا يرفع بالشك ، فتساقطا ، كرجل قال لامرأته : إن كان هذا الطائر غرابا فأنت طالق ، وعكس آخر ، ولم يعرف الطائر ; فإنه لا يمنع واحد منهما من غشيان امرأته مع أن إحدى المرأتين طالق ، وهذا بخلاف الشاهد ; فإن الماوردي قال : إن تكذيب الأصل جرح للفرع ، والفرق غلظ باب [ ص: 82 ] الشهادة وضيقه ، وكأنه أراد في خصوص تلك الشهادة ليوافق غيره .
( و ) إذا تساقطا في مسألتنا ( فاردد ) أيها الواقف عليه ( ما جحد ) الشيخ من المروي خاصة ; لكذب واحد منهما لا بعينه ، ولكن لو حدث به الشيخ نفسه أو ثقة غير الأول عنه ، ولم ينكره عليه ، فهو مقبول ، كل هذا إذا صرح بالتكذيب ، فإن جزم بالرد بدون تصريح كقوله : ما رويت هذا ، أو ما حدثت به قط ، أو أنا عالم أنني ما حدثتك ، أو لم أحدثك ، فقد سوى تبعا للخطيب وغيره بينهما أيضا ، وهو الذي مشى عليه شيخنا في توضيح النخبة ، لكنه قال في الفتح : إن الراجح عندهم ; أي : المحدثين ، القبول . ابن الصلاح
وتمسك بصنيع مسلم ; حيث أخرج حديث عن عمرو بن دينار أبي معبد عن : ابن عباس ، مع قول ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير أبي معبد لعمرو : لم أحدثك به ; فإنه دل على أن مسلما كان يرى . صحة الحديث ، ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه عدلا
وكذا صحح الحديث وغيره ، وكأنهم حملوا الشيخ في ذلك على النسيان كالصيغ التي بعدها . البخاري
ويؤيده قول رحمه الله في هذا الحديث بعينه : كأنه نسي بعد أن حدثه ، [ ص: 83 ] بل قال الشافعي قتادة حين حدث عن كثير بن [ أبي كثير عن ] أبي سلمة عن بشيء ، وقال أبي هريرة كثير : ما حدثت بهذا قط ، إنه نسي ، لكن إلحاق هذه الألفاظ بالصورة الأولى أظهر .
ولعل تصحيح هذا الحديث بخصوصه لمرجح اقتضاه تحسينا للظن بالشيخين ، لا سيما وقد قيل ، كما أشار إليه : إن الرد إنما هو عند التساوي ، فلو رجح أحدهما عمل به . قال شيخنا : وهذا الحديث من أمثلته . الفخر الرازي
هذا مع أن شيخنا قد حكى عن الجمهور من الفقهاء في هذه الصورة القبول ، وعن بعض الحنفية ورواية عن أحمد الرد قياسا على الشاهد .
وبالجملة ، فظاهر صنيع شيخنا ، وقصر الخلاف على هذه ، وفيه نظر ، فالخلاف موجود ، فمن متوقف ، ومن قائل بالقبول مطلقا ، وهو اختيار اتفاق المحدثين على الرد في صورة التصريح بالكذب ابن السبكي ، تبعا لأبي المظفر بن السمعاني ، وقال به ، وإن كان أبو الحسين بن القطان الآمدي والهندي حكيا الاتفاق على الرد من غير تفصيل ، وهو مما يساعد ظاهر صنيع [ ص: 84 ] شيخنا في الصورة الأولى ، وينازع في الثانية .
ويجاب بأن الاتفاق في الأولى والخلاف في الثانية بالنظر للمحدثين خاصة .
وأما لو أنكر الشيخ المروي بالفعل كأن عمل بخلاف الخبر ، فقد تقدم في الفصل السادس قريبا أنه لا يقدح في الخبر ، ولا في راويه ، وكذا إذا ترك العمل به ، وهل يسوغ عمل الراوي نفسه به بحيث لم نقبله منه ؟ الظاهر نعم إذا كان أهلا ، قياسا على ما سيأتي في سادس أنواع التحمل فيما إذا أعلم الشيخ الطالب بأن هذا مرويه ، ولكن منعه من روايته عنه ; إذ لا فرق ، هذا كله إذا لم يذكر الشيخ أن المروي ليس من حديثه أصلا ، فإن صرح بذلك فلا ، حتى لو رواه ثانيا لا يقبل منه ، بل ذاك مقتض لجرحه .
وفيه نظر ، ثم إن ما تقدم فيما يرده الشيخ بالصريح ، أو ما يقوم مقامه كما شرح ( و ) إما ( إن يرده ب ) قوله : ( لا أذكر ) هذا ، أو لا أعرف أني حدثته به ( أو ) نحوهما من الألفاظ التي فيها ( ما يقتضي نسيانه ) ، كيغلب على ظني أنني ما حدثته بهذا ، أو لا أعرف أنه من حديثي ، والراوي جازم به ( فقد رأوا ) أي : الجمهور من المحدثين ، قبوله ( الحكم ل ) الراوي ( الذاكر ) كما هو ( عند المعظم ) من الفقهاء والمتكلمين ، وصححه غير واحد ، منهم الخطيب [ ص: 85 ] وشيخنا ، بل حكى فيه اتفاق المحدثين ; لأن الفرض أن الراوي ثقة جزما ، فلا يطعن فيه بالاحتمال ; إذ المروي عنه غير جازم بالنفي ، بل جزم الراوي عنه وشكه هو قرينة لنسيانه ( وحكي الإسقاط ) في المروي وعدم القبول ( عن بعضهم ) بكسر الميم ; أي : بعض العلماء ، وهم قوم من الحنفية كما قال وابن الصلاح ، ونسبه ابن الصلاح النووي في شرح مسلم للكرخي منهم ، بل حكاه ابن الصباغ في العدة عن أصحاب أبي حنيفة ، لكن في التعميم نظر ، إلا أن يريد المتأخرين منهم ، لا سيما وسيأتي في المسألة الثانية من صفة رواية الحديث وأدائه عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن أنه يجوز له روايته . إذا وجد سماعه في كتابه وهو غير ذاكر لسماعه
ويتأيد بقول الكيا الطبري : إنه لا يعرف لهم في مسألتنا بخصوصها كلام [ ص: 86 ] إلا إن أخذ من ردهم حديث : ( ( ) ) الذي ذكره إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل من أمثلة من حدث ونسي . ابن الصلاح
وذكر الرافعي في الأقضية أن القاضي حكاه وجها عن بعض الأصحاب ، ونقله شارح اللمع عن اختيار القاضي ابن كج ، وأنه قاسه على الشاهد . وتوجيه هذا القول أن الفرع تبع للأصل في إثبات الحديث بحيث إذا أثبت الأصل الحديث ثبتت رواية الفرع ، فكذلك ينبغي أن يكون فرعا عليه وتبعا له في النفي . أبي حامد المروروذي
ولكن هذا متعقب ; فإن عدالة الفرع يقتضي صدقه ، وعدم علم الأصل لا ينافيه ، ، خصوصا الشاك . فالمثبت الجازم مقدم على النافي
قال شيخنا : وأما قياس ذلك بالشهادة ، يعني على الشهادة ، إذا ظهر توقف الأصل ، ففاسد ; لأن شهادة الفرع لا تسمع مع القدرة على شهادة الأصل ، بخلاف الرواية ، فافترقا ، على أن بعض المتأخرين - كما حكاه البلقيني - قد أجرى في الشهادة على الشهادة الوجهين فيما لو لم ينكر الحاكم حكمه بل [ ص: 87 ] توقف ، والأوفق هناك لقول الأكثرين قبول الشهادة بحكمه ، فاستويا .
وفي المسألة قول آخر ، وهو إن كان الشيخ رأيه يميل إلى غلبة النسيان ، أو كان ذلك عادته في محفوظاته ، قبل الذاكر الحافظ ، وإن كان رأيه يميل إلى جهله أصلا بذلك الخبر رد ، فقلما ينسى الإنسان شيئا حفظه نسيانا لا يتذكره بالتذكير ، والأمور تبنى على الظاهر لا على النادر ، قاله ابن الأثير . وأبو زيد الدبوسي
وقد صنف ، ثم الدارقطني الخطيب : ( ) ، وفيه ما يدل على تقوية المذهب الأول الصحيح ; لكون كثير منهم حدث بأحاديث ، ثم لما عرضت عليه لم يتذكرها ، لكن لاعتمادهم على الرواة عنهم صاروا يروونها عن الذي رواها عنهم عن أنفسهم . ولذلك أمثلة كثيرة ; ( كقصة ) حديث ( الشاهد واليمين ) ، الذي لفظه : من حدث ونسي . أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد
( إذ نسيه ( الذي أخذ ) أي : حمل ( عنه ) عن أبيه عن سهيل ) ابن أبي صالح ( فكان ) أبي هريرة سهيل ( بعد ) بضم الدال على البناء ( عن ( عن نفسه يرويه ) ، فيقول : أخبرني ربيعه ) هو ابن أبي عبد الرحمن ربيعة ، وهو عندي ثقة ، أنني حدثته إياه ولا أحفظه ، قال : وقد كان أصابت عبد العزيز الدراوردي سهيلا علة أذهبت بعض عقله ، ونسي بعض [ ص: 88 ] حديثه ، فكان يحدث به عمن سمعه منه . وفائدته سوى ما تضمنته من شدة الوثوق بالراوي عنه - مما لم يذكره - الإعلام بالمروي ، وكونه ( لن يضيعه ) بضم أوله من أضاع ; إذ بتركه لروايته يضيع . ابن الصلاح
ومن ظريف ما اتفق في المعنى أن ، وهو أستاذ زمانه حفظا وإتقانا وورعا ، حدث قال : سمعت أبا القاسم بن عساكر سعيد بن المبارك الدهان ببغداد يقول : رأيت في النوم شخصا أعرفه ينشد صاحبا له :
أيها الماطل ديني أملي وتماطل
علل القلب فإني قانع منك بباطل
قال الخطيب في الكفاية : ولأجل أن النسيان غير مأمون على الإنسان ، بحيث يؤدي إلى جحود ما روي عنه ، وتكذيب الراوي له ، كره من كره من العلماء ، منهم التحديث عن الأحياء ; فإنه قال الشعبي لابن عون : لا تحدثني عن الأحياء . ومعمر ; فإنه قال لعبد الرزاق : إن قدرت أن لا تحدث عن حي فافعل .
( ) بالإسكان ( نهى والشافعي ابن عبد الحكم ) ، هو محمد بن عبد الله ( يروي ) أي : عن الرواية ، [ ص: 89 ] ( عن الحي ) ، وهو كما [ أشار إليه الخطيب قريبا ] دون ( ل ) أجل ( خوف التهم ) إذا جزم الشيخ بالنفي ، وذلك فيما رويناه في مناقبه والمدخل ، كلاهما ابن الصلاح للبيهقي ، من طريق أبي سعيد الجصاص عن قال : سمعت من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حكاية ، فحكيتها عنه ، فنميت إليه ، فأنكرها ، قال : فاغتم أبي ; أي : لذلك غما شديدا ، وكنا نجله ، فقلت له : يا أبت ، أنا أذكره لعله يتذكر ، فمضيت إليه ، فقلت له : يا الشافعي أبا عبد الله ، أليس تذكر يوم كذا وكذا في الإملاء على الكلمة ؟ فذكرها ، ثم قال لي : يا محمد ، لا تحدث عن الحي ; فإن الحي لا يؤمن عليه أن ينسى .
لكن قد قيد بعض المتأخرين الكراهة بما إذا كان له طريق آخر سوى طريق الحي ، أما إذا لم يكن له سواها وحدثت واقعة فلا معنى للكراهة ; لما في الإمساك من كتم العلم ، وقد يموت الراوي قبل موت المروي عنه ، فيضيع العلم [ إن لم يحدث به غيره ] ، وهو حسن ; إذ المصلحة محققة ، والمفسدة مظنونة ، كما قدمناه في قبول المبتدع فيما لم نره من حديث غيره ، من أن مصلحة تحصيل ذاك المروي مقدمة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته .
وكذا يحسن تقييد مسألتنا بما إذا كانا في بلد واحد ، أما إن كانا في بلدين فلا ; لاحتمال أن يكون [ الحامل له على الإنكار النفاسة ] مع قلتها بين المتقدمين ، وقد حدث عن عمرو بن دينار بشيء ، وسئل الزهري عنه [ ص: 90 ] فأنكره ، وبلغ ذلك الزهري عمرا ، فاجتمع فقال له : " يا بالزهري أبا بكر ، أليس قد حدثتني بكذا ؟ فقال : ما حدثتك ، ثم قال : والله ، ما حدثت به وأنا حي إلا أنكرته ، حتى توضع أنت في السجن " .
وقد أوردت القصة في السادس من المسلسلات . وروى في الأحكام عن البخاري حماد بن حميد عن حديثا ، ووجد في بعض النسخ وصفه بصاحب لنا ، وإن عبيد الله بن معاذ عبيد الله كان في الأحياء حينئذ .