الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        باب العتق على جعل

                                                                                                        ( ومن أعتق عبده على مال فقبل العبد عتق ) وذلك مثل أن يقول أنت حر على ألف درهم أو بألف درهم ، وإنما يعتق بقبوله ; لأنه معاوضة المال بغير المال ، إذ العبد لا يملك نفسه ، ومن قضية المعاوضة ثبوت الحكم بقبول العوض للحال كما في البيع فإذا قبل صار حرا وما شرط دين عليه حتى تصح الكفالة به ، بخلاف بدل الكتابة ; لأنه ثبت مع المنافي وهو قيام الرق على ما عرف ، وإطلاق لفظ المال ينتظم أنواعه من النقد والعرض والحيوان ، وإن كان بغير عينه لأنه [ ص: 33 ] معاوضة المال بغير المال فشابه النكاح والطلاق والصلح عن دم العمد ، وكذا الطعام والمكيل والموزون إذا كان معلوم الجنس ولا تضره جهالة الوصف لأنها يسيرة .

                                                                                                        قال : ( ولو علق عتقه بأداء المال صح وصار مأذونا ) وذلك مثل أن يقول : إن أديت إلي ألف درهم فأنت حر ، ومعنى قوله صح أنه يعتق عند الأداء من غير أن يصير مكاتبا ; لأنه صريح في تعليق العتق بالأداء ، وإن كان فيه معنى المعاوضة في الانتهاء على ما نبين إن شاء الله تعالى ، وإنما صار مأذونا ; لأنه رغبه في الاكتساب بطلبه الأداء منه ومراده التجارة دون التكدي فكان إذنا له دلالة .

                                                                                                        ( وإن أحضر المال أجبره الحاكم على قبضه وعتق العبد ) ومعنى الإجبار فيه وفي سائر الحقوق أنه ينزل قابضا بالتخلية .

                                                                                                        وقال زفر رحمه الله : لا يجبر على القبول ، وهو القياس لأنه تصرف يمين ، إذ هو تعليق العتق بالشرط لفظا ، ولهذا لا يتوقف على قبول العبد ولا يحتمل الفسخ ، ولا جبر على مباشرة شروط الأيمان ، لأنه لا استحقاق قبل وجود الشرط بخلاف الكتابة ; لأنه معاوضة والبدل فيها واجب .

                                                                                                        ولنا أنه تعليق نظرا إلى اللفظ ومعاوضة نظرا إلى المقصود ، لأنه ما علق عتقه بالأداء إلا ليحثه على دفع المال فينال العبد شرف الحرية ، والمولى المال بمقابلته ، بمنزلة الكتابة ، ولهذا كان عوضا في الطلاق في مثل هذا اللفظ حتى كان بائنا فجعلناه تعليقا في الابتداء عملا باللفظ ودفعا للضرر عن المولى ، حتى لا يمتنع عليه بيعه ولا يكون العبد أحق بمكاسبه ، ولا يسري إلى الولد المولود قبل الأداء ، وجعلناه معاوضة في الانتهاء عند الأداء دفعا للضرر عن العبد حتى يجبر المولى على القبول ، فعلى هذا يدور الفقه ، وتخرج المسائل ، نظيره الهبة بشرط العوض ; ولو أدى البعض يجبر على القبول إلا أنه لا يعتق ما لم يؤد الكل لعدم الشرط كما إذا حط البعض وأدى الباقي ، ثم لو أدى ألفا اكتسبها قبل التعليق رجع المولى عليه وعتق لاستحقاقها ، ولو كان اكتسبها بعده لم [ ص: 34 ] يرجع عليه لأنه مأذون من جهته بالأداء منه ، ثم الأداء في قوله إن أديت يقتصر على المجلس لأنه تخيير ، وفي قوله إذا أديت لا يقتصر ; لأن إذا تستعمل للوقت بمنزلة متى .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الخدمات العلمية