الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( ومن حلف على يمين وقال : إن شاء الله متصلا بيمينه فلا حنث عليه ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { من حلف على يمين وقال : إن شاء الله فقد بر في يمينه }إلا أنه لا بد من الاتصال لأنه بعد الفراغ رجوع ولا رجوع في اليمين ، [ ص: 65 ] والله تعالى أعلم بالصواب .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السابع : قال عليه السلام : { من حلف على يمين ، وقال : إن شاء الله ، فقد بر في يمينه }; قلت : غريب بهذا اللفظ ، وبمعناه أحاديث : منها ما أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من حلف [ ص: 65 ] فاستثنى ، فإن شاء مضى ، وإن شاء ترك ، غير حنث ، }انتهى .

                                                                                                        بلفظ النسائي ، وفي لفظ له : فهو بالخيار إن شاء مضى وإن شاء ترك ، ولفظ ابن ماجه ، نحوه ، ولفظ أبي داود : من حلف على يمين ، فقال : إن شاء الله ، فقد استثنى ، ولفظ الترمذي : فقال : إن شاء الله ، فلا حنث عليه ، وقال : حديث حسن ; وقد رواه عبيد الله بن عمر ، وغيره عن نافع عن ابن عمر موقوفا وهكذا روي عن سالم عن ابن عمر موقوفا ، ولا نعلم أحدا رفعه غير أيوب السختياني ، وقال : إسماعيل بن إبراهيم كان أيوب أحيانا يرفعه ، وأحيانا لا يرفعه انتهى .

                                                                                                        قلت : رفعه غيره ، كما أخرجه النسائي عن كثير بن فرقد أنه حدث عن نافع أنه حدث عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من حلف ، فقال : إن شاء الله فقد استثنى }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني في " علله " : رواه أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، وقد تابعه أيوب بن موسى المكي عن نافع ، فرفعه أيضا ، قال : ورواه الأوزاعي ، واختلف عنه ، فرواه عمر بن هاشم عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، ورواه هقل بن زياد عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، انتهى .

                                                                                                        وبسند السنن رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثالث والأربعين ، من القسم الثالث بالألفاظ الثلاثة : لم يحنث ; فهو بالخيار إن شاء مضى ، [ ص: 66 ] وإن شاء ترك ، فقد استثنى وقال البيهقي في " المعرفة " : رواه سفيان ، ووهيب بن خالد ، وعبد الوارث ، وحماد بن سلمة ، وابن علية عن أيوب مرفوعا ، ثم شك أيوب في رفعه ، فتركه ، قاله حماد بن زيد ; ورواه مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر موقوفا { : من قال والله ، ثم قال : إن شاء الله ، فلم يفعل الذي حلف عليه لم يحنث . }ورواه موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أيضا موقوفا ، وقال فيه : ثم وصل الكلام بالاستثناء ، وفي رواية : فقال في إثر يمينه : إن شاء الله ، انتهى كلامه .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من حلف على يمين ، فقال : [ ص: 67 ] إن شاء الله لم يحنث ، }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فقال لي : هذا حديث أخطأ فيه عبد الرزاق ، فاختصره من حديث معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن سليمان بن داود ، قال : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ، الحديث بطوله انتهى .

                                                                                                        وظاهر هذه الأحاديث تقتضي اشتراط الاتصال ، فإنها كلها بالفاء ، وهي للتعقيب من غير مهلة ، واستشكل على هذا ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ، تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله ، فقال له صاحبه : قل : إن شاء الله ، فلم يقل ، فأطاف بهن ، فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة [ ص: 68 ] نصف إنسان ، فقال عليه السلام : لو قال : إن شاء الله لم يحنث ، وكان دركا لحاجته انتهى .

                                                                                                        وقد ترجم عليه النسائي " باب إذا حلف ، فقال له صاحبه : قل : إن شاء الله ، فقالها : هل يكون استثناء ؟ " ثم ساقه ، وهذا فيه نظر ، لأن المحلوف عليه من سليمان عليه السلام إنما هو الطواف ، وقد فعله وأما قوله : تلد كل امرأة منهن غلاما ، فليس داخلا في اليمين ، لأن الإنسان إنما يحلف على ما يقدر عليه ، وأيضا فقد لا يكون من شريعتهم اشتراط الاتصال ، أو يكون معناه ، لو قال : إن شاء الله متصلا بكلامه ، وفيه تعسف ، ويرده قوله في لفظ لهما : فقال له صاحبه : قل : إن شاء الله ، فلم يقل ، الحديث ، وفي آخره : { وأيم الذي نفس محمد بيده ، لو قال : إن شاء الله ، لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون } ، وأشكل من ذلك حديث أخرجه أبو داود في " سننه " حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا شريك عن سماك عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : { والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا ، ثم قال : إن شاء الله ، }انتهى .

                                                                                                        ثم أخرجه عن مسعر عن سماك عن عكرمة يرفعه ، قال : والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا ، ثم سكت ، ثم قال : إن شاء الله انتهى .

                                                                                                        قال أبو داود : وزاد فيه الوليد بن مسلم عن شريك ، قال : ثم لم يغزهم ، وقد أسند هذا الحديث غير واحد عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس ، انتهى .

                                                                                                        قلت : رواه ابن حبان في " صحيحه " مسندا ، وأخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس .

                                                                                                        وعن مسعر بن كدام عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا ، ثم سكت ساعة ، ثم قال : إن شاء الله }انتهى .

                                                                                                        قال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : [ ص: 69 ] هذا حديث رواه شريك ، ومسعر ، فأسنداه مرة ، وأرسلاه أخرى ، انتهى .

                                                                                                        وأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن عبد الواحد بن صفوان عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا ، بلفظ أبي يعلى سواء ، وذكره ابن القطان في " كتابه " من جهة ابن عدي ، ثم قال : وعبد الواحد هذا ليس حديثه بشيء ، والصحيح مرسل ، انتهى .

                                                                                                        أثر :

                                                                                                        في اشتراط الاتصال ، وأخرج الدارقطني في " سننه " عن عمر بن مدرك ثنا سعيد بن منصور ثنا ابن الزناد عن سالم عن ابن عمر ، قال : كل استثناء غير موصول فصاحبه حانث ، انتهى .

                                                                                                        وعمر بن مدرك ضعيف ، وفي " المعرفة " للبيهقي : وروى سالم عن ابن عمر ، أنه قال : كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه ، وكل استثناء غير موصول ، إلى آخره .

                                                                                                        أثر آخر :

                                                                                                        أخرجه الطبراني في " معجمه " عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: { واذكر ربك إذا نسيت }قال : إذا شئت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت ، وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا أن نستثني إلا بصلة اليمين ، انتهى .

                                                                                                        وقد استوفينا الروايات عن ابن عباس في ذلك ، والكلام عليها في أحاديث الأصول ، ومما يدل على عدم اشتراط الاتصال ما رواه مالك في " الموطإ " عن زيد بن أسلم عن { جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار ، إلى أن قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما له ضرب الله عنقه ؟ قال : فسمعه الرجل ، فقال : يا رسول الله في سبيل الله ؟ فقال عليه السلام : في سبيل الله قال : فقتل الرجل في سبيل الله ، }مختصر .

                                                                                                        وهذا الرجل لم يسم في الحديث ، فكونه عليه السلام قال : في سبيل الله ، بعد قول الرجل إياها ، دليل على أن الانفصال غير قاطع ، والله أعلم .




                                                                                                        الخدمات العلمية