الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 233 ] ( ولا تقاتل المرأة إلا بإذن زوجها ولا العبد إلا بإذن سيده ) لما بينا ( إلا أن يهجم العدو على بلدة للضرورة ) وينبغي للمسلمين أن لا يغدروا ولا يغلوا ولا يمثلوا لقوله عليه الصلاة والسلام : { لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا }والغلول السرقة من المغنم ، والغدر الخيانة ونقض العهد ، والمثلة المروية في قصة العرنيين منسوخة بالنهي المتأخر هو المنقول

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الحادي عشر : قال عليه السلام : { لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا }قلت : تقدم ذلك في حديث بريدة .

                                                                                                        قوله : والمثلة المروية في قصة العرنيين منسوخة بالنهي المتأخر قلت : أخرج البخاري ، ومسلم حديث العرنيين في " كتاب الحدود " من رواية سعيد عن قتادة عن أنس { أن نفرا من عكل ثمانية } ، وفي لفظ { أن أناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام ، فاستوخموا الأرض ، وسقمت أبدانهم ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألا تخرجون مع راعينا في إبله ، فتصيبون من أبوالها وألبانها ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، فخرجوا ، فشربوا من أبوالها وألبانها ، فصحوا ، ثم مالوا على الرعاء ، فقتلوهم ، وارتدوا عن الإسلام ، واستاقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في إثرهم ، وأتي بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم ، وتركهم في الحرة حتى ماتوا } ، وفي لفظ : { وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون ، ولم يحسمهم حتى ماتوا } ، وفي لفظ : { فقطع أيديهم وأرجلهم ، ثم أمر بمسامير فأحميت ، ثم كحلهم بها } ، وفي [ ص: 234 ] لفظ : { وتركهم بالحرة يعضون الحجارة } ، وفي آخره ، قال قتادة : { وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد ذلك يحث على الصدقة ، وينهى عن المثلة }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ لهما ، قال قتادة : فحدثني محمد بن سيرين أن ذلك قبل أن تنزل الحدود انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ للبيهقي : قال أنس : { فما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا خطبة ، إلا نهى فيها عن المثلة }انتهى .

                                                                                                        قال في " المعرفة " : وحديث العرنيين إما أن يحمل على النسخ ، كما روي عن ابن سيرين ، وقتادة ، وبه قال الشافعي ، أو يحمل على أنه فعل بهم ما فعل بالرعاء ، وقد جاء مصرحا عند مسلم عن أنس ، قال : { إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء }انتهى .

                                                                                                        وقال أبو الفتح اليعمري في " سيرته " : من الناس من زعم أن حديث العرنيين منسوخ بآية المائدة { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله }الآية ، ومن الناس من أبى ذلك ، لما وقع من الخلاف في سبب نزولها ، وقد ذكر البغوي وغيره لها قصة أخرى ، وأيضا فليس فيها أكثر مما يشعره لفظة " إنما " من الاقتصار في حد الحرابة ، على ما في الآية ، وأما من زاد على الحرابة جنايات أخر ، كما فعل هؤلاء حيث زادوا بالردة ، وسمل أعين الرعاء ، وغير ذلك وروى ابن سعد في خبرهم { أنهم قطعوا يد الراعي ورجله ، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات } ، فليس في الآية ما يمنع من التغليظ عليهم ، والزيادة في عقوبتهم ، فهذا ليس بمثلة ، والمثلة ما كان ابتداء عن غير جزاء ، وقد جاء في " صحيح مسلم " ، إنما { سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاء } ، ولو أن شخصا جنى على قوم جنايات في أعضاء متعددة ، فاقتص منه للمجني عليه ، لما كان التشويه الذي حصل من المثلة المنهي عنها ، وإذا اختلفت في نزول الآية الأقوال ، وتطرق إليها الاحتمال ، فلا نسخ انتهى كلامه .

                                                                                                        وقد تقدمت أحاديث النهي عن المثلة في " كتاب الحج في مسألة الإشعار من باب التمتع " ، والله أعلم .

                                                                                                        قلت : مما يدل على نسخ حديث العرنيين بالآية ما رواه الواقدي في " كتاب المغازي " حدثني إسحاق عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة ، قال : { لما قطع النبي صلى الله عليه وسلم أيدي أصحاب اللقاح ، وأرجلهم ، وسمل أعينهم نزلت هذه الآية { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } [ ص: 235 ] إلى آخر الآية ، قال : فلم تسمل بعد ذلك عين }.

                                                                                                        قال : وحدثني أبو جعفر ، قال : { ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بعثا ، إلا نهاهم عن المثلة } ، انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية