الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 295 ] فصل في التنفيل

                                                                                                        قال : ( ولا بأس بأن ينفل الإمام في حالة القتال ويحرض به على القتال فيقول : من قتل قتيلا فله سلبه ، ويقول للسرية : قد جعلت لكم الربع بعد الخمس ) معناه بعدما رفع الخمس لأن التحريض مندوب إليه .

                                                                                                        قال الله تعالى : { يأيها النبي حرض المؤمنين على القتال }وهذا نوع تحريض ، ثم قد يكون التنفيل بما ذكر ، وقد يكون بغيره إلا أنه لا ينبغي للإمام أن ينفل بكل المأخوذ ; لأن فيه إبطال حق الكل ، فإن فعله مع السرية جاز لأن التصرف إليه ، وقد تكون المصلحة فيه .

                                                                                                        [ ص: 295 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 295 ] فصل في التنفيل .

                                                                                                        الحديث الثاني والعشرون : قال عليه السلام : { من قتل قتيلا فله سلبه }قلت : أخرجه الجماعة إلا النسائي عن أبي قتادة الأنصاري ، قال : { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة ، قال : فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين ، قال : فاستدرت له حتى أتيته من ورائه ، فضربته بالسيف على حبل عاتقه ، فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ، ثم أدركه الموت ، فأرسلني ، فلحقت عمر بن الخطاب ، فقلت : ما بال الناس ؟ قال : أمر الله ، ثم إن الناس رجعوا ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من قتل قتيلا له عليه بينة ، فله سلبه قال : فقمت ، ثم قلت : من يشهد لي ، ثم جلست ، ثم قال : من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ، قال : فقمت ، قلت : من يشهد لي ؟ ثم جلست ، ثم قال : مثل ذلك الثانية ، فقمت فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك يا أبا قتادة ؟ فاقتصصت عليه القصة ، فقال رجل من [ ص: 296 ] القوم : صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي ، فأرضه من حقه ، فقال أبو بكر الصديق : لاها الله ، إذن لا يعمد إلى أسد من أسد الله ، يقاتل عن الله ، وعن رسوله ، فيعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق ، فأعطه إياه قال أبو قتادة : فأعطانيه ، فبعت الدرع ، فابتعت به مخرفا في بني سلمة ، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه مسلم عن جبير بن نفير عن { عوف بن مالك أنه قال لخالد بن الوليد : ألم تعلم يا خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ؟ قال : بلى } ، مختصر ، وفيه قصة وأخرجه أبو داود عن عوف ، وخالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قضى بالسلب للقاتل ، ولم يخمس السلب }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود في " سننه " عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين : من قتل كافرا فله سلبه ، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا ، وأخذ أسلابهم ، ولقي أبو طلحة أم سليم ، ومعها خنجر ، فقال : يا أم سليم ما هذا معك ؟ قالت : أردت إن دنا مني بعضهم ، أبعج به بطنه ، فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في النوع [ ص: 297 ] الثالث ، من القسم الخامس ، والحاكم في " المستدرك " وقال : صحيح على شرط مسلم ، لم يذكرا فيه قصة أم سليم ، وزاد فيه ، قال أبو قتادة : { يا رسول الله ضربت رجلا على حبل العاتق ، وعليه درع ، فأجهضت عنه ، فقال رجل : أنا أخذتها ، فأرضه منها ، فأعطنيها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه ، أو سكت ، فسكت صلى الله عليه وسلم فقال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه : والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ، ويعطيكها ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال : صدق عمر }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه البيهقي في " المعرفة " عن الحاكم بسنده عن أبي مالك الأشجعي عن نعيم بن أبي هند عن ابن سمرة عن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من قتل قتيلا فله سلبه }انتهى .

                                                                                                        واعلم أنه وقع في بعض كتب أصحابنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك يوم بدر أعني قوله : { من قتل قتيلا فله سلبه }قال شيخنا علاء الدين : وهو وهم ، وإنما قاله عليه الصلاة والسلام يوم حنين ، كما صرح به في " مسلم وغيره " ، والذي قاله عليه السلام يوم بدر شيء آخر غير ذلك ، كما رواه أبو داود في " سننه " من حديث داود عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر : { من قتل قتيلا ، فله كذا وكذا ، ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا } ، قال : فتقدم الفتيان ، ولزم المشيخة الرايات ، فلم يبرحوها ، فلما فتح الله عليهم ، قال المشيخة : كنا ردء لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا ، فلا تذهبوا بالمغنم ، ونبقى ، وأبى الفتيان ، وقالوا : جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا ، فأنزل الله تعالى { يسألونك عن الأنفال }إلى قوله : { وإن فريقا من المؤمنين لكارهون }انتهى .

                                                                                                        وقال مالك في " الموطإ " : ولم يبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من : { قتل قتيلا فله سلبه }إلا يوم حنين انتهى .

                                                                                                        قلت : ورد أنه عليه السلام قاله يوم بدر أيضا ، لكنه من طريق ضعيف ، [ ص: 298 ] رواه ابن مردويه في " تفسيره في أول سورة الأنفال " ، فقال : حدثنا أبو عمر ، وأحمد بن محمد بن إبراهيم ثنا محمد بن عبد الوهاب ثنا آدم ثنا إسماعيل بن عياش عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس .

                                                                                                        وعن عطاء بن عجلان عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر : من قتل قتيلا فله سلبه ، فجاء أبو اليسر بأسيرين ، فقال : سعد بن عبادة ، أي رسول الله ، أما والله ما كان بنا جبن عن العدو ، ولا ضن بالحياة أن نصنع ما صنع إخواننا ، ولكنا رأيناك قد أفردت ، فكرهنا أن ندعك بمضيعة ، قال : فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوزعوا تلك الغنائم بينهم }انتهى .

                                                                                                        طريق آخر : رواه الواقدي في " كتاب المغازي " حدثني عبد الحميد بن جعفر ، قال : سألت موسى بن سعد بن زيد بن ثابت ، { كيف فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر في الأسرى ، والأسلاب ، والأنفال ؟ فقال : نادى مناديه يومئذ : من قتل قتيلا فله سلبه ، ومن أسر أسيرا فهو له ، فكان يعطي من قتل قتيلا سلبه }انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ أبو الفتح اليعمري في " سيرته عيون الأثر في باب قصة بدر " : والمشهور في قوله عليه السلام : { من قتل قتيلا فله سلبه }إنما كان يوم حنين ، وأما يوم بدر فوقع من رواية من لا يحتج به ، ثم ساقه بسنده إلى محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح به سندا ومتنا ، قال : والكلبي ضعيف ، وروايته عن أبي صالح عن ابن عباس مخصوصة بمزيد ضعف انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية