الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        مسائل منثورة قال : ( ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع المعلم وغير المعلم في ذلك سواء ) وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يجوز بيع الكلب العقور لأنه غير منتفع به . وقال الشافعي رحمه الله : لا يجوز بيع الكلب ، لقوله عليه الصلاة والسلام [ ص: 545 ] { إن من السحت مهر البغي وثمن الكلب }" ولأنه نجس العين والنجاسة تشعر بهوان المحل وجواز البيع بإعزازه فكان منتفيا . [ ص: 546 ] ولنا " { أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الكلب إلا كلب صيد أو ماشية }" ولأنه منتفع به حراسة واصطيادا فكان مالا فيجوز بيعه ، بخلاف الهوام المؤذية لأنه لا ينتفع بها والحديث محمول على الابتداء قلعا لهم عن الاقتناء ، ولا نسلم [ ص: 547 ] نجاسة العين ولو سلم فيحرم التناول دون البيع .

                                                                                                        [ ص: 541 - 544 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 541 - 544 ] مسائل منثورة

                                                                                                        الحديث الأول : قال عليه السلام : { إن من السحت مهر البغي ، وثمن الكلب }" ; قلت : روي من حديث أبي هريرة ; ومن حديث السائب بن يزيد ; ومن حديث عمر بن الخطاب . فحديث أبي هريرة : أخرجه ابن حبان في " صحيحه " في القسم الأول : عن حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { إن مهر البغي ، وثمن الكلب ، وكسب الحجام من السحت }" انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " سننه " بسندين فيهما ضعف : أحدهما : عن الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح عن عمه عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاث كلهن سحت : أجر الحجام ، [ ص: 545 ] ومهر البغي ، وثمن الكلب }انتهى .

                                                                                                        الثاني : عن المثنى عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا نحوه ، قال الدارقطني : والوليد بن عبيد الله بن أبي رباح ، والمثنى ضعيفان انتهى .

                                                                                                        وأما حديث السائب بن يزيد : فرواه أبو يعلى الموصلي في مسنده " حدثنا سفيان بن وكيع ثنا محمد بن فضيل عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن محمد عن إبراهيم بن محمد ، قال : سمعت السائب بن يزيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { السحت ثلاث : مهر البغي ، وكسب الحجام ، وثمن الكلب }" . انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن أبي حاتم في آخر " كتاب العلل " ، وقال أبي : وعبد الرحمن بن محمد هذا هو القارئ ، وإبراهيم هو أخوه فيما أظن ، والناس يروون هذا الحديث عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج انتهى كلامه . وأما حديث عمر : فرواه الطبراني في " معجمه " من حديث يزيد بن عبد الملك بن المغيرة النوفلي عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { ثمن الكلب سحت ، ومن نبت لحمه من سحت فله النار }" مختصر ; ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بيزيد بن عبد الملك هذا ، وقال : إنه مضطرب الحديث لا يضبط ما يرويه ، وعامة ما يرويه غير محفوظ ، ثم أسند عن النسائي أنه قال فيه : متروك الحديث انتهى . أحاديث الباب :

                                                                                                        أخرج البخاري ، ومسلم عن أبي مسعود الأنصاري { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ، ومهر البغي ، وحلوان الكاهن }انتهى .

                                                                                                        وأخرج مسلم [ ص: 546 ] عن رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ثمن الكلب خبيث ، ومهر البغي خبيث ، وكسب الحجام خبيث }" انتهى .

                                                                                                        وأخرج أيضا عن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن ثمن الكلب }انتهى .

                                                                                                        الحديث الثاني : روي { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الكلب إلا كلب صيد أو ماشية }; قلت : غريب بهذا اللفظ ، وأخرج الترمذي عن أبي المهزم يزيد بن سفيان عن أبي هريرة ، قال : { نهى عن ثمن الكلب إلا كلب الصيد }انتهى .

                                                                                                        وقال : لا يصح من هذا الوجه ، وأبو المهزم تكلم فيه شعبة ، وقد روي عن جابر مرفوعا نحو هذا ، ولا يصح إسناده أيضا انتهى .

                                                                                                        وحديث جابر هذا الذي أشار إليه أخرجه النسائي عن حجاج بن محمد عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ، والسنور إلا كلب صيد }انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث منكر ، وقال مرة : ليس بصحيح انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير به ، وأخرجه البيهقي عن عبد الواحد بن غياث ثنا حماد ثنا أبو الزبير عن جابر ، قال : { نهى عن ثمن الكلب ، والسنور إلا كلب صيد }.

                                                                                                        قال البيهقي : هكذا رواه عبد الواحد ، وسويد بن عمرو ، عن حماد ، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ; رواه عبيد الله بن موسى عن حماد بالشك في ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه ; ورواه الهيثم بن جميل عن حماد ، وقال فيه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ورواه الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس بالقوي ، والأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن ثمن الكلب خالية عن هذا الاستثناء وإنما الاستثناء في الأحاديث النهي عن الاقتناء ، فلعله شبه على من ذكر في حديث النهي عن ثمنه من الرواة الذين هم دون [ ص: 547 ] الصحابة والتابعين انتهى كلامه .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه أبو حنيفة رضي الله عنه في " مسنده " عن الهيثم عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : { أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمن كلب الصيد }انتهى .

                                                                                                        وهذا سند جيد ، فأن الهيثم ذكره ابن حبان في الثقات من أثبات التابعين ، ورواه ابن عدي في " الكامل " حدثنا أحمد بن علي المدائني ثنا أبو علي أحمد بن عبد الله الكندي ثنا علي بن معبد ثنا محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عن الهيثم به ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في ثمن كلب الصيد }انتهى .

                                                                                                        وأعله بأبي علي الكندي ، وهو المعروف باللجلاج ، قال : وله أشياء ينفرد بها من طريق أبي حنيفة انتهى . وقال ابن القطان : اللجلاج لم تثبت عدالته ، وقد حدث بأحاديث كثيرة لأبي حنيفة كلها مناكير لا تعرف انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية