الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " والنوم مضطجعا وقائما وراكعا ، وساجدا ، وزائلا عن مستوى الجلوس قليلا كان النوم أو كثيرا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، والنوم هو الثاني من أقسام ما يوجب الوضوء وينقسم ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            قسم يوجب الوضوء .

                                                                                                                                            وقسم لا يوجبه .

                                                                                                                                            وقسم اختلف قوله فيه .

                                                                                                                                            فأما القسم الموجب للوضوء فهو النوم زائلا عن مستوى الجلوس مضطجعا أو غير مضطجع إذا لم يكن في صلاة . وحكي عن أبي موسى الأشعري ، وأبي مجلز ، وعمرو بن دينار ، وحميد الأعرج أن النوم لا يوجب بحال حتى حكي عن أبي موسى الأشعري أنه كان إذا نام وكل بنفسه رجلا يراعيه فإذا استيقظ قال له هل سمعت صوتا أو وجدت ريحا ، فإن قال : لا ، قام وصلى ولم يتوضأ ، وفيما نذكره من الأخبار ما يوضح فساد هذا المذهب ويغني عن الإطالة بإفراده بالدلالة ، وقال أبو حنيفة : النوم إنما يوجب الوضوء إذا كان مضطجعا أو متكئا ولا وضوء عليه إذا نام قائما أو ماشيا .

                                                                                                                                            استدلالا برواية أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس أن [ ص: 179 ] النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ . فقلت له : صليت ولم تتوضأ وقد نمت فقال : إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله ، وهذا نص ، وروى حذيفة بن اليمان قال : كنت نائما في المسجد فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده على منكبي فانتبهت فقلت : أمن هذا وضوء يا رسول الله ؟ فقال : لا ، أو تضع جنبك على الأرض فنفى عنه وجوب الوضوء إلا أن يضع جنبه .

                                                                                                                                            قالوا : ولأن كل حالة هي من أحوال الصلاة في الاختبار لم يكن النوم عليها موجبا للوضوء كالجلوس ، ودليلنا قوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [ المائدة : 6 ] فكان الدليل فيها من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : عمومها على كل قائم إلى الصلاة .

                                                                                                                                            والثاني : ما رواه الشافعي عن زيد بن أسلم أنه قال في الآية : إذا قمتم إلى الصلاة من نوم ، وروى محفوظ بن علقمة ، عن عبد الرحمن بن عائذ ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وكاء السه العينان فمن نام فليتوضأ " ، وفيه دليلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه جعل العينين وكاء السه فاقتضى أن يكون نوم العينين مزيلا للوكاء على العموم إلا ما خصه دليل الجلوس .

                                                                                                                                            والثاني : عموم قوله صلى الله عليه وسلم : من نام فليتوضأ .

                                                                                                                                            وروى زر بن حبيش عن صفوان بن عسال المرادي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفرى ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من [ ص: 180 ] غائط وبول ونوم فأطلق النوم ولم يفرق ، ولأن النوم إذا صادف حالا مؤثرا في خروج الريح كان ناقضا للوضوء كالاضطجاع طردا أو القعود عكسا .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن الحديث المروي عن ابن عباس فهو أنه معلول أنكره أبو داود في سننه ، وأحمد بن حنبل في حديثه فقال أحمد : أبو خالد الدالاني لم يلق قتادة . وقال أبو داود : لم يرو قتادة عن أبي العالية إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها ، وإذا كان هذا الحديث عند أئمة أصحاب الحديث بهذه المثابة كان مطرحا ، وأما حديث حذيفة فهو أنكر عندهم من الحديث المروي عن ابن عباس ، ثم لو سلمنا لكان التعليل فيه باسترخاء المفاصل يقتضي حمله على ما لم يرخها من النعاس دون النوم ، وأما قياسهم على الجلوس فالمعنى في الجلوس أنه يخلف العينين في حفظ السبيل عن خروج الصوت والريح وليس كذلك ما سواه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية