الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " فإن كان في بحر لا يجد فيه ترابا فغسله بما يقوم مقام التراب في التنظيف من أشنان أو نخالة أو ما أشبهه ففيه قولان أحدهما أن لا يطهر إلا بأن يماسه التراب والآخر يطهر بما يكون خلفا من تراب أو أنظف منه كما وصفت كما نقول في الاستنجاء ( قال المزني ) قلت أنا هذا أشبه بقوله لأنه جعل الخزف في الاستنجاء كالحجارة لأنها تنقي إنقاءها فكذلك يلزمه أن يجعل الأشنان كالتراب لأنه ينقي إنقاءه أو أكثر وكما جعل ما عمل عمل القرظ والشث في الإهاب في معنى القرظ والشث فكذلك الأشنان في تطهير الإناء في معنى التراب ( قال المزني ) الشث شجرة تكون بالحجاز " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا أن استعمال التراب في الولوغ مستحق ، فأما غير التراب من المذرورات إذا استعمل بدل التراب فضربان : ضرب لا يقوم مقام التراب لنعومته ولزوجته ولا يجوز أن يستعمل بدلا من التراب ، وضرب : يقوم مقام التراب لخشونته وإزالته كالأشنان ومسحوق الآجر والخزف فقد قال الشافعي هاهنا : إنه في استعماله عند عدم التراب قولين ، فاختلف أصحابنا على ثلاث طرق :

                                                                                                                                            أحدها : وهي طريقة أبي العباس بن سريج وأبي علي بن خيران أنه لا يجوز استعماله مع وجود التراب في جواز استعماله مع عدم التراب قولان وهو ظاهر نصه .

                                                                                                                                            والثاني : وهي طريقة أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة أنه لا فرق بين وجود التراب وعدمه في أن غيره هل يقوم مقامه ؟ على قولين ، وإنما ذكره عند عدم التراب خوفا من أن يذكر القولين مع وجوده فيتوهم متوهم أن استعماله مع وجود التراب لا يجوز قولا واحدا .

                                                                                                                                            والثالث : وهي طريقة أبي الطيب بن سلمة أن فيه ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : أن غير التراب لا يقوم مقام التراب لا مع وجوده ولا مع عدمه ووجهه شيئان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه قد نص في الولوغ على الماء والتراب فلما لم يقم غير الماء مقام الماء لم يقم غير التراب مقام التراب .

                                                                                                                                            والثاني : أن النص على التراب في الولوغ كالنص على التراب في التيمم فلما لم يقم غير التراب مقام التراب في التيمم لم يقم غير التراب مقام التراب في الولوغ .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن غير التراب يقوم مقام التراب مع وجوده وعدمه وهو اختيار المزني ، ووجهه شيئان :

                                                                                                                                            [ ص: 312 ] أحدهما : أن ما نص عليه من الجامدات في إزالة الأنجاس ، فغيره من الجامدات إذا ساواه في عمله ساواه في حكمه قياسا على ما قام مقام الأحجار في الاستنجاء وما قام مقام الشث والقرظ في الدباغ .

                                                                                                                                            والثاني : أن التراب في الولوغ مأمور به على طريق المعاونة في الإنقاء وإنما المنصوص وهو الماء فما كان أبلغ من التراب في الإنقاء كان أحق في الاستعمال .

                                                                                                                                            والقول الثالث : أن غير التراب يقوم مقام التراب عند عدمه ، ولا يقوم مقامه عند وجوده : لأن الضرورة عند العدم داعية إليه ، وعند وجوده مرتفعة عنه . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية