الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : [ التيمم في شدة البرد ]

                                                                                                                                            فأما إذا خاف من استعمال الماء التلف لشدة البرد لا للمرض فإن كان قادرا على إسخان الماء لم يجز أن يتيمم : لأنه يقدر بعد إسخان الماء أن يستعمله ، وإن لم يقدر على ذلك جاز أن يتيمم لحراسة نفسه : لأن الله تعالى يقول : وما جعل عليكم في الدين من حرج [ الحج : 178 ] . ولما روى عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة وأنا في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إذ [ ص: 272 ] اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت إني سمعت الله يقول : ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما [ النساء : 29 ] فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل في شيئا .

                                                                                                                                            فإذا تقرر بهذا الحديث جواز التيمم في شدة البرد إذا خاف التلف من استعمال الماء فتيمم وصلى انتقل الكلام إلى وجوب الإعادة ، وذلك يختلف باختلاف حاله فإن كان في حضر فعليه الإعادة : لأن تعذر إسخان الماء في الحضر نادر ، وإن كان في سفر ففي وجوب الإعادة قولان ، وقال مالك وأبو حنيفة لا إعادة عليه مسافرا كان أو مقيما ، وقال أبو يوسف ومحمد : إن كان مقيما فعليه الإعادة ، وإن كان مسافرا فلا إعادة عليه ، فإذا قيل : بسقوط الإعادة وهو أحد القولين في المسافر ومذهب أبي حنيفة في المسافر والحاضر فوجه ما حكيناه من قصة عمرو بن العاص ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة ولو وجبت لأبانها مع حاجة عمرو إلى معرفتها ، ولأن من سقط عنه فرض الماء بالتيمم سقط الفرض عنه بالتيمم كالمريض العاجز ، والعادم المسافر .

                                                                                                                                            فإذا قيل بوجوب الإعادة وهو المذهب في الحاضر ، وأحد القولين في المسافر فوجهه قوله تعالى : وإن كنتم مرضى أو على سفر [ المائدة : 6 ] وهذا ليس بمريض ولا مسافر عادم ، ولأن الأعذار النادرة لا تسقط معها الإعادة كالعادم للماء والتراب والأعذار العامة يسقط معها الإعادة كالعادم للماء في السفر وكالمريض في الحضر ، وتعذر إسخان الماء في البرد والخوف من استعماله من الأعذار النادرة ، فلم يسقط معه الإعادة ، فأما حديث عمرو فإنكار النبي صلى الله عليه وسلم له دليل على وجوب القضاء ثم وكله في تصريح الأمر به على ما علم من علمه ، إذ قد استدل على ما استباحه من التيمم فلم يجب عليه موجبه والمرض والسفر من الأعذار العامة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية