الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة والمنابذة والملامسة عندنا أن يأتي الرجل بثوبه مطويا فيلمسه المشتري أو في ظلمة ، فيقول رب الثوب : أبيعك هذا على أنه إذا وجب البيع فنظرك إليه اللمس لا خيار لك إذا نظرت إلى جوفه أو طوله وعرضه . والمنابذة أن أنبذ إليك ثوبي وتنبذ إلي ثوبك على أن كل واحد منهما بالآخر ولا خيار إذا عرفنا الطول والعرض ، وكذلك أنبذه إليك بثمن معلوم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأصل هذا ما رواه الشافعي عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة .

                                                                                                                                            وروى الشافعي ، عن ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين وعن لبستين ، أما البيعتان فالملامسة والمنابذة ، وأما اللبستان فاشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء . فأما بيع الملامسة فهو ما فسره الشافعي من أن يأتي الرجل بثوبه مطويا ، أو في سفط ، أو تكون ظلمة ، فيقول : أبيعك هذا الثوب على أن تلمسه بيدك ، ولا خيار لك إذا أبصرته ، وعرفت طوله وعرضه ، فهذا بيع باطل للنهي عنه ، ولما فيه من الغرر لعدم النظر ، ولما تضمنه الشرط من إسقاط الخيار المستحق بالعقد .

                                                                                                                                            ( فأما ) بيع المنابذة : والنبذ في كلامهم الإلقاء . قال الله تعالى : فانبذ إليهم على سواء [ الأنفال : 58 ] وقال تعالى : فنبذوه وراء ظهورهم [ آل عمران : 187 ] أي : ألقوه . وصورة المنابذة : أن يقول الرجل لصاحبه هو ذا أنبذ إليك ثوبي ، أو ما في كمي على أن تنبذ إلي ثوبك أو ما في كمك على أن كل واحد منهما بالآخر ، ولا خيار لواحد منا بعد [ ص: 338 ] النظر فهنا بيع باطل ، وكذا لو قال : هو ذا أنبذ إليك ما في كمي بدينار ولا خيار لك بعد نظرك إليه ، وهذا بيع باطل ، وإنما بطل بيع المنابذة للنهي عنه ، ولأن الغرر كثير فيه ، ولأن الخيار مسلوب منه .

                                                                                                                                            فصل : وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان ، وروي عن بيع الأربون ، وروي أنه نهى عن بيع المسكان .

                                                                                                                                            وهو بيع قال مالك : وهو أن يشتري الرجل العبد ، أو يتكارى الدابة ، ثم يقول : أعطيتك دينارا على أني إن رجعت عن البيع والكراء فما أعطيتك .

                                                                                                                                            وهذا بيع باطل : للنهي عنه ، ولحدوث الشرط فيه ، ولأن معنى القمار قد تضمنه . والله أعلم .

                                                                                                                                            فصل : وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع العينة .

                                                                                                                                            وروى عطاء الخرساني ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا تبايعتم العينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلا لا ينتزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " .

                                                                                                                                            وصورة بيع العينة هو : أخذ العين بالربح ، يشتق الاسم من المعنى .

                                                                                                                                            وقال الشاعر : وأنشدنيه أبو حامد الإسفراييني :


                                                                                                                                            أيدان أم يعتان أم ينبري لنا فتى مثل نصل السيف هزت مضاربه

                                                                                                                                            قوله : يدان : من الدين ، ويعتان : من العينة . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية