الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وما كان مثله مباحا في بلاد الإسلام من شجر أو حجر أو صيد في بر أو بحر فهو لمن أخذه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال إذا وجد في دار الحرب ما يكون مثله مباحا في دار الإسلام ، وذلك خمسة أنواع : صيد ، وأشجار ، وأحجار ، وثمار ، ونبات ، فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون عليه آثار الملك ، وهو أن يكون الصيد موسوما أو مقرطا ، أو تكون الأشجار مقطوعة ، وأن تكون الأحجار مصنوعة ، وأن تكون الثمار مقطوفة ، وأن يكون النبات مجذوذا ، فهذه آثار تدل على الملك ، فتكون غنيمة لا ينفرد بها واجدها : لأن مثل هذه الآثار تمنع من استباحتها في دار الإسلام ، فخرجت عن حكم المباح في دار الشرك .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون على خلقه الأصلي ليس فيها آثار يد ولا صنعة ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون في أملاكهم ، فهي غنيمة لا يملكها واجدها : اعتبارا بأصولها إلا الصيد ، فإن كان مربوطا فهو في حكمها غنيمة ، وإن كان مرسلا فهو على أصل الإباحة ، وما فيه من أحجار وأشجار وثمار ونبات وعسل نحل وصيد مباح تبع لأصله ، يأخذه واجده ولا يكون غنيمة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يكون جميعه غنيمة يمنع واجده منه إلا الحشيش وحده لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : المسلمون شركاء في ثلاث الماء والنار والكلأ وما عداه غنيمة تقسم بين [ ص: 172 ] الغانمين استدلالا بأنه ذو قيمة ، فوجب أن يكون مغنوما كسائر أموالهم .

                                                                                                                                            ودليلنا هو أن ما كان أصله على الإباحة في دار الإسلام كان على الإباحة في دار الحرب كالحشيش ، ولأنها دار يستباح حشيشها : فاستباح ما لم يجر عليه ملك من مباحها كدار الإسلام ، ولأن دار الإسلام أغلظ حظرا من دار الشرك : فكان ما استبيح فيها أولى أن يستباح في دار الشرك .

                                                                                                                                            والجواب عن قياسه مع انتقاضه بالحشيش أن معنى أصله أنه مملوك وهذا غير مملوك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية