الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإذا كان رميهما مبادرة فبلغ تسعة عشر من عشرين رمى صاحبه بالسهم الذي يراسله ثم رمى البادئ فإن أصاب سهمه ذلك فلج عليه ، وإن لم يرم الآخر بالسهم : لأن المبادرة أن يفوت أحدهما الآخر وليس كالمحاطة ( قال المزني ) رحمه الله : هذا عندي لا ينضله حتى يرمي صاحبه بمثله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا أن الرمي ضربان : محاطة ، ومبادرة .

                                                                                                                                            وقد مضت المحاطة ، وهذه المبادرة ، وصورتها : أن يتناضلا على إصابة عشرة من ثلاثين مبادرة ، فيكون الرشق ثلاثين سهما ، والإصابة المشروطة منها عشرة أسهم ، فأيهما بدر إلى إصابتها في أقل العددين فيه فضل ، وسقط رمي الرشق وإن تكافآ في الإصابة من عدد متساو سقط رمي الثاني وليس منهما فاضل .

                                                                                                                                            وبيانه أن يصيب أحدهما عشرة من عشرين ، ويصيب الآخر تسعة من عشرين ، فيكون الأول ناضلا ؛ لأنه استكمل إصابة عشرة من عشرين ، وقد رماها الثاني فنقص منها ، ولا يرميان بقية الرشق لحصول النضل ، فلو أصاب كل واحد منهما عشرة من عشرين لم يكن فيهما ناضل ولا منضول ، وسقط رمي الباقي من الرشق ؛ لأن زيادة الإصابة فيه مقيدة لنضل ، ولو أصاب أحدهما خمسة من عشرين وأصاب الآخر تسعة من عشرين ، فالنضال بحاله ؛ لأن عدد الإصابة لم يستوف فيرميان من بقية الرشق ما [ ص: 214 ] يكمل به إصابة أحدهما عشرة ، فإن رمى الأول سهما فأصاب فقد فلج على الثاني ، ونضل وسقط رمي الثاني ، ولو رمى الأول خمسة ، فأخطأ في جميعها ، ورمى الثاني خمسة فأصاب في جميعها صار الثاني ناضلا وسقط رمي الثاني في الرشق : لأن الأول أصاب تسعة من خمس وعشرين وأصاب الثاني عشرة من خمسة وعشرين ، ثم على هذه العبرة .

                                                                                                                                            فأما مسألة الكتاب فصورتها أن يتناضلا على إصابة عشرة من ثلاثين مبادرة ، فيصيب البادئ منهما تسعة من تسعة عشر ، ويصيب الآخر المبدأ ثمانية من تسعة عشر ، ثم رمى البادئ سهما آخر يستكمل به العشرين فيصيب ، فيصير به ناضلا ، ويمنع الآخر المبدأ من رمي السهم الآخر الذي رماه الثاني ؛ لأنه لا يستفيد به نضالا ولا مساواة : لأن الباقي له من العشرين سهم واحد وعليه إصابتان ، ولو رمى فأصابه بقيت عليه إصابة يكون بها منضولا ، فلم يكن لرميه معنى يستحقه بالعقد ، فلذلك منع منه ، ولو كان كل واحد منهما قد أصاب تسعة من تسعة عشر ثم رمى البادئ وأصاب ، كان للمبدأ أن يرمي لجواز أن يصيب فيكافئ . فأما المزني فظن أن الشافعي منع المبدأ أن يرمي بالسهم الباقي في هذه المسألة فتكلم عليه ، وليس كما ظن ، بل أراد منعه في المسألة المتقدمة للتعليل المذكور .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية