الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما الحواب فهو نوع من أنواع الرمي ، وهم فيه أبو حامد الإسفراييني ، فجعله صفة من صفات السهم ، وسماه حوابي بإثبات الياء فيه ، وفسره بأنه السهم الواقع دون الهدف ثم يحبو إليه حتى يتصل به مأخوذ من حبو الصبي ، وهذا نوع من الرمي المزدلف يفترقان في الاسم لأن المزدلف أحد والحابي أضعف ، ويستويان في الحكم على ما سيأتي ، والذي قاله سائر أصحابنا أن الحواب نوع من الرمي وأن أنواع الرمي ثلاثة :

                                                                                                                                            المحاطة - والمبادرة - والحواب .

                                                                                                                                            وقد ذكرنا المحاطة والمبادرة .

                                                                                                                                            فأما الحواب فهو أن يحتسب بالإصابة في الشن والهدف ويسقط الأقرب إلى الشن ما هو أبعد من الشن ، وإن أصاب أحدهما الهدف على شبر من الشن فاحتسب له ، ثم أصاب الآخر الهدف على فتر من الشن احتسب له وأسقط إصابة الشن لأنها أبعد ، ولو أصاب أحدهما خارج الشن واحتسب به ، وأصاب الآخر في الشن احتسب به ، وأسقط إصابة خارج الشن .

                                                                                                                                            ولو أصاب أحدهما الشن فاحتسب به ، وأصاب الآخر الدارة التي في الشن احتسب به وأسقط إصابة الشن ، ولو أصاب أحدهما الدارة التي في الشن فاحتسب به وأصاب الآخر العظم الذي في دارة الشن احتسب وأسقط إصابة الدارة فيكون كل [ ص: 215 ] قريب مسقطا لما هو أبعد منه ، فهذا نوع من الرمي ذكره الشافعي في كتاب الأم ، وذكر مذاهب الرماة فيه ، وفرع عليه ، ولم يذكره المزني ، إما لاختصاره ، وإما لأنه غير موافق لرأيه لضيقه وكثرة خطره ؛ لأنه يسقط الإصابة بعد إثباتها ، والمذهب جوازه لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه نوع معهود في الرمي ، فأشبه المحاطة والمبادرة .

                                                                                                                                            والثاني : أنه أبعث على معاطاة الحذق فصح .

                                                                                                                                            وذلك في جواز النضال على إصابة الحواب ، وكان عقدهما على إصابة خمسة من عشرين ، فلهما إذا تناضلا ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يقصرا على عدد الإصابة .

                                                                                                                                            والثاني : أن يستوفيا عدد الإصابة .

                                                                                                                                            والثالث : أن يستوفيها أحدهما ، ويقصر عنها الآخر .

                                                                                                                                            فأما الحال الأول : وهو أن يقصر كل واحد منهما عن عدد الإصابة فيصيب أقل من خمسة ، فقد ارتفع حكم العقد بنقصان الإصابة من العدد المشروط من غير أن يكون فيها ناضل ولا منضول ، ولا اعتبار بالقرب والبعد مع نقصان العدد .

                                                                                                                                            وأما الحال الثانية : وهي أن يستوفيا معا عدد الإصابة فيصيب كل واحد منهما خمسة فصاعدا ، فيعتبر حينئذ حال القرب والبعد ، فإنهما لا يخلوان فيهما من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن تكون الإصابات في الهدف ، وقد تساوت في القرب من الشن ، وليست بعضها بأقرب إليه من بعض ، فقد تكافآ وليس فيهما ناضل ولا منضول ، وهكذا لو تقدم لكل واحد منهما سهم كان أقرب إلى الشن من باقي سهامه ، وتساوى السهمان المتقدمان في القرب من الشن كانا سواء لا ناضل فيهما ولا منضول ، فإن تقدم لأحدهما سهم وللآخر سهمان وتساوت السهام الثلاثة في قربها من الشن ، ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المقترب بسهمين ناضل للمقترب بسهم ، لفضله في العدد .

                                                                                                                                            والثاني : أنهما سواء لا ناضل فيهما ولا منضول ؛ لأن نضال الحواب موضوع على القرب دون زيادة العدد .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن تكون سهام أحدهما أقرب إلى الشن من سهام الآخر ، فأقربهما إلى الشن هو الناضل ، وأبعدهما من الشن هو المنضول . وهكذا لو تقدم [ ص: 216 ] لأحدهما سهم واحد ، فكان أقرب إلى الشن من جميع سهام الآخر أسقطت به سهام صاحبه ، ولم يسقط به سهام نفسه ، وكان هو الناضل بسهمه الأقرب .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن تكون سهام أحدهما في الهدف ، وسهام الآخر في الشن ، فيكون المصيب في الشن هو الناضل ، والمصيب في الهدف منضولا .

                                                                                                                                            وهكذا لو كان لأحدهما سهم واحد في الشن وجميع سهام الآخر خارج الشن كان المصيب في الشن هو الناضل بسهمه الواحد وقد أسقط به سهام صاحبه ، ولم يسقط له سهام نفسه ، وإن كانت أبعد إلى الشن من سهام صاحبه .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن تكون سهامهما جميعا صائبة في الشن لكن سهام أحدهما أو بعضهما في الشن الدارة ، وسهام الآخر خارج الدارة ، وإن كانت جميعها في الشن ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وقد حكاه الشافعي عن بعض الرماة أن المصيب في الدارة ناضل ، والمصيب خارج الدارة منضول ؛ لأنه قطب الإصابة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وإليه أشار الشافعي في اختياره أنهما سواء ، وليس منهما ناضل ولا منضول ؛ لأن جميع الشن محل الإصابة .

                                                                                                                                            وأما الحال الثالثة : وهو أن يستوفي أحدهما إصابة الخمس ويقصر الآخر عنهما ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون مستوفي الإصابة أقرب سهاما إلى الشن أو مساويا صاحبه ، فيكون ناضلا ، والمقصر منضولا .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون المقصر في الإصابة أقرب سهاما من المستوفي لها ، فليس فيها ناضل ولا منضول ؛ لأن المستوفي قد سقطت سهامه لبعدها ، والمقصر قد سقطت سهامه بنقصانها - والله أعلم -

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية