الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والقسم الثالث : أن تكون قيمة الأضحية المضمونة أقل من ثمن أضحيته ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون المضحي قد ضمنها إما منفردا بضمانها كما لو أتلفها ، وإما مشتركا بينه وبين غيره كما لو باعها فعليه أن يزيد على القيمة ، ويشري به مثلها : لأنا قد دللنا على أنه يضمنها في حق نفسه بأكثر الأمرين من قيمتها أو مثلها ، فإذا عجزت القيمة ضمن المثل .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن تكون القيمة قد تفرد بضمانها أجنبي غير المضحي من [ ص: 107 ] غاصب أو جان فلا يلزم الأجنبي أكثر من القيمة ، وفي ضمان المضحي لما زاد عليها حتى يبلغ ثمن أضحيته وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يضمنه : لأنه قد التزم أضحية فلزمه إكمالها فيصير بالالتزام ضامنا لا بالتلف .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : هو أظهر ، وبه قال ابن أبي هريرة أنه لا يلزم تمام الأضحية : لأنه لم يتلف فيضمن ، وقد قام من إيجابها بما التزم ، فلم يضمن كما لو لم يضمن بالموت ، فعلى هذا لا تخلو القيمة المستحقة من خمسة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يمكن أن يشتري بها من جنس تلك الأضحية ما يكون أضحية وإن كانت دون التالفة ، مثل أن يكون قد أتلف ثنية من الضأن ، فيمكن أن يشتري بقيمتها جذعة من الضأن فعليه أن يشتري بها جذعا من الضأن ، ولا يجوز أن يشتري بها ثنية من المعز : لأنها من جنس المتلف فكانت أحق .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يكون ثمنا لدون الجذعة من الضأن أو الثنية من المعز ، فعليه أن يشتري بها ثنية من المعز ، وإن كانت من غير جنسها ، وهي أولى من أقل من الجذعة من الضأن ، وإن كانت من جنسها : لأن الثنية من المعز أضحية ودون الجذع ليس بأضحية .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يمكن أن يشتري بها دون الجذع مما يكون أضحية أو سهما شائعا في أضحية ، فعليه أن يشتري بها ما كيل من دون الجذع ، وهو أولى من شراء سهم وجذع تام : لأنهما قد استويا في أنهما لا يكونان أضحية واختص ما دون الجذع بإراقة دم كامل .

                                                                                                                                            والحال الرابعة : أن يمكن أن يشتري بها سهما شائعا في أضحية أو لحما ، ويشتري بها سهما في أضحية ، وهو أحق أن يشتري به لحما ، لأن في السهم الشائع إراقة دم ، وليس في اللحم ذلك ، وخالف الزيادة حيث اشترى بها في أحد الوجوه لحما : لأن الزيادة بعد إراقة الدم وهذه لم يحصل قبلها إراقة دم .

                                                                                                                                            والحال الخامسة : أن لا يمكن أن يشري بها حيوانا ولا سهما منه ، ويمكن أن يشتري بها لحما أو يفرقها ورقا ، فيجب أن يشري بها لحما ولا يفرقها ورقا بخلاف الزائد على القيمة في أحد الوجوه : لأن اللحم هو مقصود الأضحية وقد وجد في الزيادة مقصودها ، فجاز أن يفرق ورقا ، ولم يوجد في النقصان مقصودها ، فوجب أن يفرق لحما ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية