الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : ثم لا يصح الاستثناء فيها مع الاتصال إلا بالكلام ، فإن نواه بقلبه ولم يتكلم به لم يصح ؛ لأن اليمين لما ينعقد بالنية لم يصح الاستثناء فيها بالنية ، ولزم أن يكون الاستثناء نطقا كما لزم أن يكون اليمين نطقا .

                                                                                                                                            فإن قيل : أفليس لو قال لعبده : أنت حر ونوى بقلبه إن دخل الدار كان شرطا في عتقه فيما بينه وبين الله تعالى ، ولا يعتق عليه إلا بدخول الدار ، وإن لم يذكره نطقا ، فهذا الاستثناء كان هكذا .

                                                                                                                                            قيل : الفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الاستثناء رافع كالنسخ ، ولا يكون النسخ إلا بالكلام كذلك الاستثناء ، والشرط تخصيص بعضه ، وتخصيص العموم يجوز بالقياس من غير كلام .

                                                                                                                                            والثاني : أنه مبطل لظاهر الكلام ، فلم يبطل إلا بمثله من كلام ظاهر ، والشرط ثبت فحمل الكلام المحتمل على مقتضى الشرط ، فلم يفتقر إلى الكلام فافترقا .

                                                                                                                                            [ ص: 284 ] ثم لا حكم لتلفظه في الاستثناء بمشيئة الله تعالى حين يقوله ناويا به الاستثناء ، فإن لم ينوه وسيق في لسانه من غير قصد أو جرى به عادته أن يذكر مشيئة الله تعالى في سائر أحواله لم يكن استثناء .

                                                                                                                                            ألا ترى أن عقد اليمين لا يصح إلا بالنية والقصد ، ويكون اللغو فيها عفوا ، كذلك استثناؤها ، وإذا ثبت اعتبار النية في الاستثناء نظر ، فإن قصد الاستثناء عند التلفظ بيمينه صح إذا تكلم به بعد يمينه ، وإن لم يقصد مع ابتداء اليمين وقصده مع التلفظ بالاستثناء ، ففي صحته وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يصح لوجود القصد فيه عند ذكره .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يصح لإطلاق اليمين عند ذكره ، ويجوز أن يتقدم الاستثناء على اليمين فيقول : إن شاء الله ، والله لا كلمت زيدا ، ويجوز أن يكون الاستثناء وسطا ، فيقول : والله إن شاء الله ، لا كلمت زيدا ؛ لأنه يكون في الأحوال كلها متصلا بكلامه الذي يعتبر حكم أوله بآخره ، وحكم آخره بأوله ، وسواء قال في استثنائه : إن شاء الله ، أو أراد الله ، أو إن أحب الله ، وإن اختار الله ، كل ذلك استثناء .

                                                                                                                                            وكذلك لو قال : بمشيئة الله أو بإرادة الله أو باختيار الله ، فكله استثناء ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية