الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - تعالى : " ولا يؤكل ما قتلته الأحبولة كان فيها سلاح أو لم يكن لأنها ذكاة بغير فعل أحد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الصيد الممتنع لتعذر القدرة عليه يتوصل إليه بأسباب تجعل حيلا في القدرة عليه ، وهو يتنوع بأنواع :

                                                                                                                                            أحدها : الجوارح المرسلة عليه ، وقد ذكرناها .

                                                                                                                                            والثاني : السلاح الذي يرمي به ، فإن قتل بثقله كالحجر والخشب ، فهو وقيذ لا يؤكل وإن قطع بحده أو بعد تدمية ، فهو مأكول ، فأما المعراض فهو آلة تجمع خشبا وحديدا ، فإن أصاب بحده أكل ، وإن أصاب بعرضه فهو وقيذ .

                                                                                                                                            والنوع الثالث : ما نصب له من الآلة التي تفارق آلته ، فتضغطه ، وتمسكه كالفخ والشرك والشبكة والأحبولة ، فإذا وقع فيه وأدركت ذكاته حل ، وإن فاتت ذكاته ومات لم يؤكل سواء كان في الآلة سلاح قطع بحد أو لم يكن فيها سلاح ، فمات بضغطه .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن كان فيها سلاح قطع بحده يحل استدلالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ما أنهر الدم ، وفرى الأوداج ، فكل .

                                                                                                                                            ولأنه يمتنع عقره بحد ، فحل أكله كالمرمي بحديدة .

                                                                                                                                            ولأنه لما استوى السبب والمباشرة في وجوب الضمان وجب أن يستويا في إباحة الأكل .

                                                                                                                                            [ ص: 26 ] ودليلنا : ما علل به الشافعي أنها ذكاة بغير فعل أحد .

                                                                                                                                            وبيانه : أن الذكاة تكون بفعل فاعل مباشر ، ولا تحل بغير فعل مباشر .

                                                                                                                                            وتحريره أنها ذكاة ، فوجب أن تحل بالمباشرة دون السبب كمن نصب سكينا ، فاحتكت بها شاة فانذبحت لم تؤكل .

                                                                                                                                            وعلل أبو الطيب بن سلمة بأن الصيد يحل إذا كان معينا أو من جملة معينة ، كما لو رمى سهما إلى علو فسقط على صيد اعترضه لم يحل ، والمقتول بسلاح الأحبولة لم يكن معينا ، ولا من جملة معينة ، وفي هذا التعليل دخل : لأنه لو نصبه لصيد معين أو لجملة معينة لم يحل .

                                                                                                                                            وعلل أبو إسحاق المروزي بأن الذكاة تحل بالفاعل ، والأحبولة لا فعل لها ، وإنما الفعل للصيد الواقع فيها ، فلم يحل كما لو احتك بحديدة أو شجرة انذبح بها .

                                                                                                                                            وأما الجواب فهو أنه وارد فيما تصح فيه الذكاة من الآلة إذا أنهر الدم ، وفرى الأوداج بحده ثم بشروط الاستباحة ، فهي موقوفة على غير المباشرة .

                                                                                                                                            وأما قياسهم على المباشرة ، فهو ما منعنا به من الجمع بين السبب والمباشرة .

                                                                                                                                            وأما استدلالهم بالضمان ، فوجوب الضمان أعم ، وإباحة الأكل أخص فافترق حكم العموم والخصوص .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية