الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا قال : والله لا لبست حليا حنث على الذهب والفضة واللؤلؤ والجوهر .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يحنث باللؤلؤ والجوهر حتى يمتزج بذهب أو فضة استدلالا بالعرف واحتجاجا بالاسم .

                                                                                                                                            ودليلنا : نص الشرع بخلافه . قال الله تعالى : يذكرون وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها [ النحل : 14 ] ، والمستخرج منه هو اللؤلؤ والجوهر والمرجان ، فجعله حليا ملبوسا .

                                                                                                                                            وقال تعالى : يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير [ الحج : 23 ] .

                                                                                                                                            قرأ عاصم ونافع ( لؤلؤا ) بالنصب ، وقرأ الباقون بالخفض ، فالنصب محمول : على الانفراد ، والخفض محمول على الأمرين من الانفراد والامتزاج ؛ ولأن ما كان حليا بامتزاجه كان حليا بانفراده كالذهب والفضة ؛ ولأن الحلي ما يراد إما للزينة أو للمباهاة ، وهما في الحلي اللؤلؤ والجوهر أوفى منهما في الذهب والفضة .

                                                                                                                                            فأما التحلي بالخرز والصفر ، فيحنث به من كان في عرفهم حليا كالبوادي وسكان السواد ، ولا يحنث به من خرج عن عرفهم من سائر الناس .

                                                                                                                                            فإذا ثبت هذا ، فلا فرق في الحنث به بين مباحه ومحظوره ، فلو لبس ثوبا منسوجا بالذهب لم يحنث ؛ لأنه باسم الثوب أخص منه باسم الحلي ، وكذلك لو تقلد بسيف محلى لم يحنث ؛ لأن السيف ليس بحلي ، وإن كان عليه حلي .

                                                                                                                                            فأما لبس منطقة محلاة بذهب أو فضة ، ففي الحنث بها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحنث لأنها من حلي الرجال .

                                                                                                                                            [ ص: 445 ] والثاني : لا يحنث بها ؛ لأنها من الآلات المحلاة كالسيف ، ويحنث بلبس الخاتم ذهبا كان أو فضة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يحنث بلبسه إن كان من فضة ، ويحنث إن كان من ذهب ؛ لأن الفضة مألوفة والذهب غير مألوف ، وهذا فاسد ؛ لأن مألوف الحلي كغير مألوفه كالأسورة والأطواق ، ولأن ما كان حليا في الأسورة والأطواق كان حليا في الخواتيم كالذهب ، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحلى خاتما من ذهب ثم نزعه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية