الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما ما اختلف باختلاف الأحوال من بيوت النقلة للبوادي وبيوت الاستقرار لأهل الأمصار ، فلا يختلف مذهب الشافعي وسائر أصحابه ، أن بيوت الاستقرار ، من أبنية أهل الأمصار والقرى يحنث الحالف بسكناها بدويا ، كان أو قرويا ، لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : انطلاق اسم الحقيقة عليها ، ووجود عرف الاستعمال فيها ، فاقترن بحقيقة الاسم عرف الاستعمال .

                                                                                                                                            وأما بيوت النقلةمن خيم الشعر ، وفساطيط الأدم ، فقد قال الشافعي يحنث بسكناها البدوي ، والقروي ، فلم يختلف أصحابه أن الحالف لا يسكن بيتا ، إذا كان [ ص: 352 ] بدويا حنث بسكناها ، لانطلاق اسم الحقيقة عليها ووجود عرف الاستعمال فيها ، وإن كان الحالف قرويا ، فقد اختلف أصحابه هل يحنث بسكناها ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : - وهو قول ابن سريج - لا يحنث بسكناها ، إذا كان قرويا لم تجر عادته بسكناها ، وحمل كلام الشافعي على أهل قرى عربية ، يسكن أهلها بيوت المدر تارة ، وبيوت الشعر أخرى ، فأما من لا يسكن إلا بيوت المدر ، فلا يحنث بسكنى بيوت الشعر والأدم ، وبه قال أبو حنيفة لخروجها عن العرف والعادة ، كما لو حلف لا يأكل رءوسا ، لم يحنث برءوس الطير والجراد ، حتى يأكل رأس النعم من الإبل ، والبقر ، والغنم وإن انطلق اسم الحقيقة على جميعها اعتبارا بالعرف والعادة ، وكذلك لو حلف لا يأكل بيضا لم يحنث ببيض السمك والجراد ، وإن انطلق اسم البيض عليها حقيقة ، حتى يأكل من البيض ما فارق بائضه حيا اعتبارا بالعرف .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وأكثر المتأخرين أنه يحنث القروي بسكناها ، كما يحنث البدوي لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : انطلاق اسم الحقيقة عليها .

                                                                                                                                            والثاني : اقتران عرف الاستعمال فيها ، وإن خرجت عن عادة الحالف لوجودها في غيره كما حنث البدوي بسكنى بيوت المدر .

                                                                                                                                            وإن خرجت عن عادته ، لوجودها في غيره ، وكما لو حلف عراقي من أهل اليسار ، أن لا يأكل خبزا حنث بخبز الذرة ، والأرز ، وإن خرج عن عرفه وعادته ، لوجودها في غيره فلا يعتبر في الأيمان عادة الحالف إذا وجدت في غيره ، ويعتبر في الوكالة عادة الموكل دون غيره ، فإذا وكله في شراء الخبز ، وعادته أكل البر فاشترى له حب الأرز لم يلزمه ، ولو حلف لا يأكل الخبز وعادته أكل البر فأكل حب الأرز حنث .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية