الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإن كانت الكفارة على التخيير مثل كفارة اليمين لم يخل حاله فيها من أن يوصي بها أو لا يوصي ، فإن لم يوص بها وجب أن يخرج من رأس ماله أقل الأمرين من الإطعام أو الكسوة ، فإن عدل الوارث إلى أعلاهما أجزأه ، وإن عدل عنهما إلى العتق ، ففي إجزائه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجزئ لأنه يقوم في التكفير مقام الموروث فاستحق التخيير .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا يجزئ لأنه أدخل في ولاية من لا يستحق عتقه ، ويشبه أن يكون هذان الوجهان مخرجين من اختلاف الوجهين فيما أوجبه التخيير في كفارة اليمين .

                                                                                                                                            فإن قيل بوجوب أحدهما لا بعينه لم يجز العتق : لأنه لم يتعين في الوجوب ، وإن قيل : إنه موجب لجميعها وله إسقاط وجوبها بإخراج أحدها أجزأ ، وإن وصى بالتكفير عنه ، فإن لم يعين مما يكفر به كان كمن لم يوص فيما يكفر به عنه ، فيكون على ما مضى ، وتكون الوصية إذكارا أو توكيدا ، وإن عين ما يكفر به عنه لم يخل ما عينه من أحد ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعين الإطعام الذي هو أقل ، فيكفر عنه بالإطعام ويكون من رأس المال إلا أن يجعله في الثلث فيصير بالوصية من الثلث .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يوصي بالكسوة وهو فوق الإطعام ودون العتق ، فيكون ما زاد على قيمة الإطعام من الثلث ، وهل يصير قدر قيمة الإطعام بذلك من الثلث أم لا ؟ على وجهين نذكرهما .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يوصي بالعتق فيكون ما زاد على قيمة الإطعام من العتق من الثلث . وفي قدر قيمة الإطعام وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون في الثلث أيضا ، فيصير جميع قيمة العتق من الثلث ، فإن امتنع له الثلث أعتق عنه ، وإن ضاق عنه الثلث بطلت الوصية بالعتق ، وأطعم عنه من رأس المال ، ولم يجز أن يقيم قيمة الإطعام إلى ما عجز عنه الثلث من العتق ليستكمل به جميع العتق هذا هو الأظهر في مذهب الشافعي ، والمعول من قول أكثر أصحابه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو محكي عن أبي العباس بن سريج وأبي إسحاق المروزي أنه يجعل في الثلث من قيمة العتق ما زاد على قيمة الإطعام ، ويكون قدر قيمة الإطعام [ ص: 337 ] مستحقا من رأس المال لاستحقاق إخراجه من غير وصية ، فإذا ضاق الثلث عن قيمة العتق ، وكان في قيمة الإطعام ما يستكمل به قيمة العتق أعتق عنه ، وإن عجز عن قيمة العتق بطلت الوصية بالعتق وعدل عنه إلى الإطعام الذي هو فرضه من غير وصية ويكون من رأس ماله ؛ لأن الثلث محل الوصايا دون الفروض ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية