الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت جواز الاستثناء دون وجوبه ، فلا تأثير لاستثنائه إلا أن يقوله موصولا بكلامه ، فإن انقطع عنه لم يكن له حكم ، وحكي عنالحسن البصري ، وعطاء أنه إن استثنى في مجلس يمينه صح ، وإن استثنى بعد فراغه لم يصح وعن ابن عباس روايتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن الاستثناء يصح أبدا في طويل الزمان وقصيره .

                                                                                                                                            والثانية : أنه يصح إلى حين ، والحين عنده سنة ، ولا يصح بعدها احتجاجا بقول الله عز وجل : واذكر ربك إذا نسيت [ الكهف : 124 ] أي : اذكر الاستثناء إذا نسيته فعمم الأمر من غير تحديد .

                                                                                                                                            وروى عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا ، وسكت ثم قال : إن شاء الله فدل على جواز الاستثناء متصلا أو منفصلا .

                                                                                                                                            والدليل على بطلان الاستثناء بعد انقطاعه قول الله تعالى : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله فجعل الاستثناء على الفور دون التراخي ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف فقال : إن شاء الله فقد استثنى ، فذكر الاستثناء بحرف الفاء الموجبة للتعقيب والفور .

                                                                                                                                            [ ص: 283 ] ولأن عرف الناس في الكلام المنفصل أن يكون مخالفا للكلام المتصل : ألا تراه لو قال لعبده : أنت حر وسكت ، ثم قال بعد زمان : إن دخلت الدار ، عتق بالكلام الأول ، ولم يكن ما ذكره من دخول الدار شرطا ، ولو قال له علي عشرة دراهم وسكت ثم قال بعد وقت : إلا خمسة ، لم يكن ذلك استثناء ولزمته العشرة : لاستقرار حكم الكلام بالسكوت عليه ، كذلك الاستثناء بمشيئة الله تعالى .

                                                                                                                                            ولأنه لو صح الاستثناء بعد طويل الزمان لسقطت كفارات الأيمان باستثنائه قبل الحنث .

                                                                                                                                            وأما قوله تعالى : واذكر ربك إذا نسيت [ الكهف : 24 ] ، فقد قال عكرمة معناه : واذكر ربك إذا غضبت ليزول عنك الغضب عند ذكره ، وأما الخبر فقد ذكر الساجي أنه مرسل ، رواه عكرمة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو صح جاز ألا يكون محمولا على سكوته لانقطاع النفس ، أو قاله بعد تطاول الزمان استعانة بمشيئة الله على مقاصده ، وإن لم يجعله استثناء في يمينه : لأنه قد وفى بها في غزو قريش .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية