الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو قال علي عهد الله وميثاقه ، فليست بيمين إلا أن ينوي يمينا : لأن لله عليه عهدا أن يؤدي فرائضه ، وكذلك ميثاق الله بذلك وأمانته " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، وقال أبو حنيفة ومالك : إذا قال : علي عهد الله أو قال : علي ميثاق الله أو جمع بينهما ، فقال : علي عهد الله وميثاقه ، كانا من صريح الأيمان ، فيكون يمينا في الأحوال الثلاث لما فيها من زيادة التغليظ على الأيمان بالعهد والميثاق ، وعلى مذهب الشافعي لا تكون يمينا إذا لم ينوها ؛ لأن عهد الله وميثاقه [ ص: 280 ] يحتمل أن يكون ما أوجبه من فروض أن تؤدى إليه ، ويحتمل أن يريد به ما أخذه الله من الذرية في ظهور الآباء من الاعتراف به في قوله تعالى : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى [ الأعراف : 172 ] ، ويحتمل أن يريد بها اليمين ، فلما كان هنا يحتمل وجوها وجب أن يرجع فيه إلى نيته وإرادته ، فإن أراد يمينا كانت يمينا ، وإن أراد غير اليمين لم تكن يمينا ، وإن لم تكن له إرادة وأطلق ، ففي إطلاقه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن إطلاقه يخرجه عن اليمين لأنه لم يقترن به عرف شرع ، وتكون غير يمين في حالتين ، ويمينا في حالة واحدة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن إطلاقه يوجب أن تكون يمينا : لأن عرف الاستعمال في الخاصة والعامة قد صار جاريا ومحمولا بينهم على زيادة التغليظ ، كما يزيد في تغليظ الأيمان بالله الطالب الغالب ، وهذا قول أبي إسحاق المروزي ، فتكون يمينا في حالتين ، وغير يمين في حالة واحدة ، وإذا صار عهد الله وميثاقه يمينا ، وقد جمع بينهما وحنث لزمته كفارة واحدة .

                                                                                                                                            وقال مالك : تلزمه كفارتان لوجوبها بكل واحد منهما ، فتضاعفت باجتماعهما ، وهذا ليس بصحيح ؛ لأنها يمين واحدة زادها تغليظا ، فلم تجب بها إلا كفارة واحدة كقوله : والله الطالب الغالب ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية