الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا استقر حكم هذه المقدمة في الطلاق ترتب عليها حكم العتق .

                                                                                                                                            فإذا قال لعبده : إن لم أضربك غدا ، فأنت حر ، فله ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يأتي غد وهو على ملكه ، فإن ضربه فيه قبل غروب شمسه بر ، ولم يعتق ، وإن لم يضربه حتى غربت شمسه مع القدرة على ضربه حنث وعتق عليه بغروب الشمس ، وإن عجز عن ضربه بإكراه أو نسيان ، ففي حنثه وعتقه قولان في حنث الناسي والمكره ، فإن جاء غد ، فلم يضربه حتى فات ضربه إما بموت السيد أو بهرب العبد أو بيعه ، فهذا على ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : أن يفوت الضرب وقد مضى من الغد ما لا يتسع للضرب ، فلا حنث عليه ولا عتق .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يفوت الضرب وقد بقي من الغد ما لا يتسع لضرب ، فيحنث ويعتق عليه .

                                                                                                                                            والضرب الثالث : أن يفوت الضرب وقد مضى من الغد ما يتسع للضرب ، ففي حنثه وعتقه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحنث ويعتق عليه لفوات ضربه بعد إمكانه .

                                                                                                                                            [ ص: 404 ] والوجه الثاني : وهو اختيار أبي حامد الإسفراييني أنه لا يعتق عليه ، لتقدمه على زمان عتقه .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يبيعه قبل مجيء غده ، ويبتاعه قبل انقضاء غده ، فلا يعتق عليه ، لأنه في زمان الحنث قد كان في غير ملكه .

                                                                                                                                            وهذا قول جمهور الفقهاء .

                                                                                                                                            وقال ابن أبي ليلى : يعتق عليه ، وينتقض البيع ، ويرجع مشتريه بثمنه ، لاستحقاق عتقه قبل بيعه ، وهذا فاسد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن نفوذ البيع قد أوجب زوال ملكه .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لو أعتقه مشتريه ، نفذ عتقه ، وإن رهنه قبل غده ، وافتكه بعد غده ، ففي عتقه عليه ثلاثة أقاويل من نفوذ العتق في العبد المرهون :

                                                                                                                                            أحدهما : يعتق عليه في يساره وإعساره .

                                                                                                                                            والثاني : لا يعتق عليه في يساره وإعساره .

                                                                                                                                            والثالث : يعتق عليه في يساره ، ولا يعتق عليه في إعساره .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يبيعه قبل غده ، ويبتاعه قبل غده ، ولا يضربه في غده ، فهذه يمين انعقدت في الملك الأول ، ووجد شرط الحنث في الملك الثاني ، ولم يمض شرط الحنث بين الملكين ، فيصير كعقد الطلاق في نكاح ، ووقوعه في آخر ، فيكون على قولين ، لكن اختلف أصحابنا هل يكون بيعه في الملك الأول جاريا مجرى الطلاق الثلاث في النكاح الأول أو مجرى الطلاق الرجعي فيه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : - وهو الظاهر من قول أبي إسحاق المروزي - أنه يجري مجرى الطلاق الرجعي ، لأنه لم يكن بين العقدين فيها شرط مانع ، فعلى هذا يعتق عليه في القديم قولا واحدا ، وفي الجديد على قولين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : - وهو قول أبي علي بن أبي هريرة - أنه يجري مجرى الطلاق الثلاث ، لأن البيع قد أزال حقوق الملك ، كما أزال الطلاق الثلاث حقوق النكاح ، فعلى هذا لا يعتق عليه في الجديد قولا واحدا ، وفي القديم على قولين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية