الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - تعالى : " ولو رمى شخصا يحسبه حجرا فأصاب صيدا فلو أكله ما رأيته محرما كما لو أخطأ شاة فذبحها لا يريدها وكما لو ذبحها وهو يراها خشبة لينة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا رأى شخصا ، فظنه حجرا أو شجرة ، فرماه بسهم ، فبان أنه صيد قتله حل أكله ، وكذلك لو رمى الشخص ، وهو يظنه إنسانا أو حيوانا غير مأكول من كلب أو خنزير ، فبان أنه صيد مأكول قتله حل أكله في هذه الأحوال كلها ، وبه قال أبو حنيفة ومالك : لا يؤكل في هذه الأحوال كلها .

                                                                                                                                            وقال محمد بن الحسن : إن ظنه غير حيوان من شجر أو حجر ، فبان صيدا لم يحل أكله ، وإن ظنه حيوانا غير مأكول ، فبان مأكولا حل أكله ، وعلة إباحته عندنا مختلف فيها بين أصحابنا على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن العلة في إباحته قصده للفعل ، فكان ما حدث من فعله المقصود مباحا ، كما لو قصد ذبح شاة فذبحها ، وهو يحسبها غيرها ، حل أكلها كما لو قبض على شيء يحسبه خشبة لينة فقطعها فبان أنه حلق شاة قد ذبحها حل أكلها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو تعليل أبي إسحاق المروزي أن العلة في إباحته مباشرته للفعل دون القصد : لأن ذكاة الصبي والمجنون مباحة ، وإن لم يكن لهما قصد ، فكان التعليل بالمباشرة أولى من التعليل بالقصد ولا يعتبر بنية الذكاة على التعليلين جميعا ، [ ص: 53 ] ألا تراه لو أشار بالسكين إلى حلق شاة ليعبث بها ولا يذبحها ، فانذبحت بها حل أكلها ، وإن لم ينوه ، وتأثير اختلاف الوجهين في هذا التعليل يتحقق فيمن رمى إلى الهواء ، فسقط في علوه على صيد ، فقتله ، وفي إباحته وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : غير مباح إذا علل بقصد الفعل .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : مباح إذا علل بمباشرة الفعل ، وهكذا لو كانت بيده سكين فسقطت على حلق شاة أو طائر ، فذبحته لم يحل أكله على الوجه الأول لأنه عن فعل غير مقصود وحل أكله على الوجه الثاني : لأنه عن مباشرة فعله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية