الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : إذا قال : من تسريت بها من جواري ، فهي حرة ، فتسرى بجارية كانت في ملكه وقت يمينه عتقت .

                                                                                                                                            وإن تسرى بجارية ملكها بعد يمينه لم تعتق ، لأنه لما لم ينفذ العتق قبل الملك ، لم تنعقد اليمين به قبل الملك .

                                                                                                                                            فأما التسري الذي يعتق به ، فليس له في الشرع عرف ، والمعتبر فيه عرف اللغة والاستعمال .

                                                                                                                                            فأما اللغة ففيما اشتق منه التسري خمسة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أنه مشتق من السرور ، ولأنه مسرور بالاستمتاع بها . والثاني : أنه مشتق من السرو ، لأنها أسرى جواريه عنده .

                                                                                                                                            [ ص: 409 ] والثالث : أنه مشتق من السراء ، وهو الظهر ، لأنها كالظهر المركوب .

                                                                                                                                            والرابع : أنه مشتق من السرر وهو الجماع ، لأنها معدة لجماعه .

                                                                                                                                            والخامس : أنه مشتق من الستر ، لأنه قد سترها بالخدر بعد البذلة ، وستر جماعها بالإخفاء .

                                                                                                                                            وأما عرف الاستعمال في التسري ، فهو طلب الولد منها ، وذلك يكون بالإنزال والجماع ، وقد نص عليه الشافعي في الأم في اللعان ، وهو الظاهر من مذهبه ، أنه يصير متسريا بها إذا جامع وأنزل ، ولا يصير متسريا إذا جامع ولم ينزل ، وبه قال أبو يوسف . وقال أبو حنيفة : يكون متسريا إذا جامع ولم ينزل ، وخرجه أبو العباس بن سريج وجها ثانيا ، والأول أصح ، تغليبا لعرف الاستعمال على عرف اللغة ، لأن عرف الاستعمال ناقل .

                                                                                                                                            واختلف في تخديرها عن أبصار الناس ، هل يكون شرطا في كمال السراء على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه شرط فيه ، لأن عرف الاستعمال واللغة جاريان به ، فعلى هذا لا تعتق بالجماع وحده ، حتى يخدرها ويسترها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه ليس بشرط فيه ، لأن عرف الشرع لا يوجب تخدير الأمة ، فصار عرف الاستعمال مخصوصا به ، فعلى هذا تعتق بالجماع وحده ، وإن لم يخدرها .

                                                                                                                                            فأما جماعها دون الفرج ، فلا يصير به متسريا وجها واحدا ، ووافق عليه أبو حنيفة ، وليس على مذهب مالك أن يكون به متسريا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية