الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر توجيه القولين فيما أكل منه ، فلا يختلف مذهب الشافعي أن ما تقدمه من صيده الذي لم يأكل منه حلال .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يحرم جميع صيده المتقدم بأكله من الصيد المستأخر : استدلالا بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الأكل إذا كان منافيا للتعليم دل حدوثه منه على تقدمه فيه ، فصار صائدا لجميعه ، وهو غير معلم كالشاهدين إذا شهدا ، وهما عدلان في الظاهر ، فلم يحكم الحاكم بشهادتهما ففسقا لم يحكم بها ، وإن تقدمت على فسقهما : لأنها دليل على تقدم الفسق فيهما .

                                                                                                                                            والثاني : أن التعليم ينقله عن طبعه ، فإذا لم ينتقل عنه مع الآخر دل على أنه كان غيره منتقلا مع الأول ، وصار ترك أكله في الأول اتفاقا لا تعليما .

                                                                                                                                            ودليلنا : قول الله تعالى : فكلوا مما أمسكن عليكم [ المائدة : 4 ] وقد أمسك على مرسله بما تقدم فحل : لأن ما وجدت شروط الإباحة فيه لم يحرم تقدمها في غيره : [ ص: 10 ] كإسلام مرسله لو ارتد عنه بعدم إرساله لم يحرم ما صيد قبل ردته : ولأنه قد حكم بتعليمه بما تكرر من ترك أكله ، وحدوث الأكل منه يحتمل أن يكون لشدة جوع ، ويحتمل أن يكون لحدوث نسيان ، ويحتمل أن يكون لأن تعليمه لم يستقر فلم يجز أن ينقض ما تقدم من الحكم بتعليمه بأمر محتمل يتردد بين حدوث وقدم ، كالشاهدين إذا نفذ الحكم بشهادتهما ، ثم حدث فسقهما لم يجز أن ينتقض به الحكم المتقدم : لجواز تردده بين حدوث وقدم : ولأن تركه الأكل شرط في التعليم كما أن استرساله إذا أرسل شرط فيه ، ثم ثبت أنه صار يسترسل إن لم يرسل ، ولا يسترسل إن أرسل لم يدل على تحريمه ما تقدم من صيده ، وإن كان غير معلم فيه ، كذلك حدوث الأكل .

                                                                                                                                            وبتحرير هذه الأدلة تكون الأجوبة عما قدموه من الدليل .

                                                                                                                                            فإن قيل : فإذا تعارض ما يوجب الحظر والإباحة ، يغلب حكم الحظر على الإباحة .

                                                                                                                                            قيل : قد اختلف أصحابنا فيه ، فمنهم من سوى بينهما واعتبر ترجح أحدهما بدليل .

                                                                                                                                            ومنهم من غلب الحظر ، وهو قول الأكثرين ، لكن يكون هذا فيما امتزج فيه حظر وإباحة . فأما ما لم يمتزج فيه الحظر والإباحة ، فلا يوجب تغليب الحظر على الإباحة ، كالأواني إذا كان بعضها نجسا ، وبعضها طاهرا لم تمنع من الاجتهاد في الظاهر ، وهاهنا قد تميزت الإباحة في المتقدم على الحظر ، في المستأجر ، فلم يجز تغليب أحدهم على الآخر ، وأثبت كل واحد من الحكمين في محله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية