[
nindex.php?page=treesubj&link=17190_17240حكم الخمر والأنبذة ]
وأما النبات الذي هو غذاء : فكله حلال ، إلا الخمر ، وسائر الأنبذة المتخذة من العصارات التي تتخمر ومن العسل نفسه .
أما الخمر : فإنهم اتفقوا على تحريم قليلها وكثيرها ( أعني : التي هي من عصير العنب ) .
وأما الأنبذة : فإنهم اختلفوا في القليل منها الذي لا يسكر ، وأجمعوا على أن المسكر منها حرام ، فقال جمهور فقهاء الحجاز وجمهور المحدثين : قليل الأنبذة وكثيرها المسكرة حرام . وقال
العراقيون (
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي من التابعين
nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى ،
وشريك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة ،
وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين وأكثر علماء البصريين ) : إن المحرم من سائر الأنبذة المسكرة هو السكر نفسه لا العين .
وسبب اختلافهم : تعارض الآثار والأقيسة في هذا الباب ، فللحجازيين في تثبيت مذهبهم طريقتان :
الطريقة الأولى : الآثار الواردة في ذلك .
والطريقة الثانية : تسمية الأنبذة بأجمعها خمرا .
فمن أشهر الآثار التي تمسك بها أهل الحجاز ما رواه
مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة بن عبد الرحمن عن
عائشة أنها قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006434سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع ، وعن نبيذ العسل ؟ فقال : كل شراب أسكر فهو حرام " خرجه البخاري . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين : هذا أصح حديث روي عن النبي عليه الصلاة والسلام في تحريم المسكر .
[ ص: 389 ] ومنها أيضا : ما خرجه
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006435كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام " فهذان حديثان صحيحان . أما الأول : فاتفق الكل عليه . وأما الثاني : فانفرد بتصحيحه
مسلم .
وخرج
الترمذي ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006436ما أسكر كثيره فقليله حرام " . وهو نص في موضع الخلاف .
وأما الاستدلال الثاني من أن الأنبذة كلها تسمى خمرا : فلهم في ذلك طريقتان : إحداهما : من جهة إثبات الأسماء بطريق الاشتقاق ، والثاني من جهة السماع .
فأما التي من جهة الاشتقاق : فإنهم قالوا : إنه معلوم عند أهل اللغة أن الخمر إنما سميت خمرا لمخامرتها العقل ، فوجب لذلك أن ينطلق اسم الخمر لغة على كل ما خامر العقل . وهذه الطريقة من إثبات الأسماء فيها اختلاف بين الأصوليين ، وهي غير مرضية عند الخراسانيين .
وأما الطريقة الثانية التي من جهة السماع : فإنهم قالوا : إنه وإن لم يسلم لنا أن الأنبذة تسمى في اللغة خمرا فإنها تسمى خمرا شرعا ، واحتجوا في ذلك بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر المتقدم ، وبما روي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006437الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة والعنبة " . وما روي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006438إن من العنب خمرا ، وإن من العسل خمرا ، ومن الزبيب خمرا ، ومن الحنطة خمرا وأنا أنهاكم عن كل مسكر " . فهذه هي عمدة الحجازيين في تحريم الأنبذة .
وأما الكوفيون : فإنهم تمسكوا لمذهبهم بظاهر قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=67ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ) ، وبآثار رووها في هذا الباب ، وبالقياس المعنوي .
أما احتجاجهم بالآية : فإنهم قالوا : السكر هو المسكر ، ولو كان محرم العين لما سماه الله رزقا حسنا .
وأما الآثار التي اعتمدوها في هذا الباب : فمن أشهرها عندهم : حديث
أبي عون الثقفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن النبي عليه الصلاة والسلام قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006439حرمت عليكم الخمر لعينها والسكر من غيرها " وقالوا : هذا نص لا يحتمل التأويل ، وضعفه
أهل الحجاز لأن بعض رواته روى "
والمسكر من غيرها " .
ومنها : حديث
شريك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب بإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=177أبي بردة بن نيار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006441إني كنت نهيتكم عن الشراب في الأوعية ، فاشربوا فيما بدا لكم ولا تسكروا " خرجها
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي .
ورووا عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنه قال : شهدت تحريم النبيذ كما شهدتم ، ثم شهدت تحليله فحفظت ونسيتم .
ورووا عن
أبي موسى قال "
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذا إلى اليمن ، فقلنا : يا رسول الله إن بها شرابين يصنعان من البر والشعير : أحدهما يقال له : المزر ، والآخر يقال له : البتع ، فما نشرب ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : اشربا ولا تسكرا " . خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أيضا . إلى غير ذلك من الآثار التي ذكروها في هذا الباب .
وأما احتجاجهم من جهة النظر : فإنهم قالوا : قد نص القرآن أن علة التحريم في الخمر إنما هي الصد عن ذكر الله ووقوع العداوة والبغضاء كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=91إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة . وهذه العلة توجد في القدر المسكر لا فيما دون ذلك ، فوجب أن يكون ذلك القدر هو الحرام إلا ما انعقد عليه الإجماع من تحريم قليل الخمر وكثيرها ، قالوا : وهذا النوع من القياس يلحق بالنص ، وهو القياس الذي ينبه الشرع على العلة فيه .
[ ص: 390 ] وقال المتأخرون من أهل النظر : حجة الحجازيين من طريق السمع أقوى ، وحجة العراقيين من طريق القياس أظهر . وإذا كان هذا كما قالوا فيرجع الخلاف إلى اختلافهم في تغليب الأثر على القياس ، أو تغليب القياس على الأثر إذا تعارضا ، وهي مسألة مختلف فيها ، لكن الحق أن الأثر إذا كان نصا ثابتا ، فالواجب أن يغلب على القياس . وأما إذا كان ظاهر اللفظ محتملا للتأويل فهنا يتردد النظر ، هل يجمع بينهما بأن يتأول اللفظ ; أو يغلب ظاهر اللفظ على مقتضى القياس ؟ وذلك مختلف بحسب قوة لفظ من الألفاظ الظاهرة ، وقوة قياس من القياسات التي تقابلها ولا يدرك الفرق بينهما إلا بالذوق العقلي كما يدرك الموزون من الكلام من غير الموزون ، وربما كان الذوقان على التساوي ; ولذلك كثر الاختلاف في هذا النوع حتى قال كثير من الناس : كل مجتهد مصيب .
قال القاضي : والذي يظهر لي والله أعلم أن قوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006442كل مسكر حرام " ; وإن كان يحتمل أن يراد به القدر المسكر لا الجنس المسكر ، فإن ظهوره في تعليق التحريم بالجنس أغلب على الظن من تعليقه بالقدر ، لمكان معارضة ذلك القياس له على ما تأوله الكوفيون ، فإنه لا يبعد أن يحرم الشارع قليل المسكر وكثيره سدا للذريعة وتغليظا ، مع أن الضرر إنما يوجد في الكثير ، وقد ثبت من حال الشرع بالإجماع أنه اعتبر في الخمر الجنس دون القدر الواجب ، فوجب كل ما وجدت فيه علة الخمر أن يلحق بالخمر ، وأن يكون على من زعم وجود الفرق إقامة الدليل على ذلك ، هذا إن لم يسلموا لنا صحة قوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006436ما أسكر كثيره فقليله حرام " . فإنهم إن سلموه لم يجدوا انفكاكا فإنه نص في موضع الخلاف ، ولا يصح أن تعارض النصوص بالمقاييس .
وأيضا فإن الشرع قد أخبر أن في الخمر مضرة ومنفعة ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ، وكان القياس إذا قصد الجمع بين انتقاء المضرة ووجود المنفعة أن يحرم كثيرها ويحلل قليلها ; فلما غلب الشرع حكم المضرة على المنفعة في الخمر ، ومنع القليل منها والكثير ; وجب أن يكون الأمر كذلك في كل ما يوجد فيه علة تحريم الخمر ، إلا أن يثبت في ذلك فارق شرعي .
واتفقوا على أن الانتباذ حلال ما لم تحدث فيه الشدة المطربة الخمرية لقوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006443فانتبذوا وكل مسكر حرام " . ولما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام : "
أنه كان ينتبذ ، وأنه كان يريقه في اليوم الثاني أو الثالث " .
واختلفوا في ذلك في مسألتين :
إحداهما : في الأواني التي ينتبذ فيها .
والثانية : في انتباذ شيئين ، مثل البسر والرطب ، والتمر والزبيب .
[
nindex.php?page=treesubj&link=17190_17240حُكْمُ الْخَمْرِ وَالْأَنْبِذَةِ ]
وَأَمَّا النَّبَاتُ الَّذِي هُوَ غِذَاءٌ : فَكُلُّهُ حَلَالٌ ، إِلَّا الْخَمْرَ ، وَسَائِرَ الْأَنْبِذَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْعُصَارَاتِ الَّتِي تَتَخَمَّرُ وَمِنَ الْعَسَلِ نَفْسِهِ .
أَمَّا الْخَمْرُ : فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا ( أَعْنِي : الَّتِي هِيَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ ) .
وَأَمَّا الْأَنْبِذَةُ : فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْقَلِيلِ مِنْهَا الَّذِي لَا يُسْكِرُ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْكِرَ مِنْهَا حَرَامٌ ، فَقَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَجُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ : قَلِيلُ الْأَنْبِذَةِ وَكَثِيرُهَا الْمُسْكِرَةِ حَرَامٌ . وَقَالَ
الْعِرَاقِيُّونَ (
nindex.php?page=showalam&ids=12354إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مِنَ التَّابِعِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ،
وَشَرِيكٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16438وَابْنُ شُبْرُمَةَ ،
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْكُوفِيِّينَ وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْبَصْرِيِّينِ ) : إِنَّ الْمُحَرَّمَ مِنْ سَائِرِ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ هُوَ السُّكْرُ نَفْسُهُ لَا الْعَيْنُ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : تَعَارُضُ الْآثَارِ وَالْأَقْيِسَةِ فِي هَذَا الْبَابِ ، فَلِلْحِجَازِيِّينَ فِي تَثْبِيتِ مَذْهَبِهِمْ طَرِيقَتَانِ :
الطَّرِيقَةُ الْأُولَى : الْآثَارُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ .
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ : تَسْمِيَةُ الْأَنْبِذَةِ بِأَجْمَعِهَا خَمْرًا .
فَمِنْ أَشْهَرِ الْآثَارِ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا أَهْلُ الْحِجَازِ مَا رَوَاهُ
مَالِكٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12031أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006434سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِتْعِ ، وَعَنْ نَبِيذِ الْعَسَلِ ؟ فَقَالَ : كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ " خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17336يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : هَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي تَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ .
[ ص: 389 ] وَمِنْهَا أَيْضًا : مَا خَرَّجَهُ
مُسْلِمٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006435كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ " فَهَذَانَ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ . أَمَّا الْأَوَّلُ : فَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَيْهِ . وَأَمَّا الثَّانِي : فَانْفَرَدَ بِتَصْحِيحِهِ
مُسْلِمٌ .
وَخَرَّجَ
التِّرْمِذِيُّ ،
وَأَبُو دَاوُدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006436مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ " . وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ .
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ الثَّانِي مِنْ أَنَّ الْأَنْبِذَةَ كُلَّهَا تُسَمَّى خَمْرًا : فَلَهُمْ فِي ذَلِكَ طَرِيقَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : مِنْ جِهَةِ إِثْبَاتِ الْأَسْمَاءِ بِطَرِيقِ الِاشْتِقَاقِ ، وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ السَّمَاعِ .
فَأَمَّا الَّتِي مِنْ جِهَةِ الِاشْتِقَاقِ : فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْخَمْرَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ خَمْرًا لِمُخَامَرَتِهَا الْعَقْلَ ، فَوَجَبَ لِذَلِكَ أَنْ يَنْطَلِقَ اسْمُ الْخَمْرِ لُغَةً عَلَى كُلِّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ . وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مِنْ إِثْبَاتِ الْأَسْمَاءِ فِيهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ ، وَهِيَ غَيْرُ مَرَضِيَّةٍ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ .
وَأَمَّا الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ السَّمَاعِ : فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ لَنَا أَنَّ الْأَنْبِذَةَ تُسَمَّى فِي اللُّغَةِ خَمْرًا فَإِنَّهَا تُسَمَّى خَمْرًا شَرْعًا ، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ ، وَبِمَا رُوِيَ أَيْضًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006437الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ : النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ " . وَمَا رُوِيَ أَيْضًا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006438إِنَّ مِنَ الْعِنَبِ خَمْرًا ، وَإِنَّ مِنَ الْعَسَلِ خَمْرًا ، وَمِنَ الزَّبِيبِ خَمْرًا ، وَمِنَ الْحِنْطَةِ خَمْرًا وَأَنَا أَنْهَاكُمْ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ " . فَهَذِهِ هِيَ عُمْدَةُ الْحِجَازِيِّينَ فِي تَحْرِيمِ الْأَنْبِذَةِ .
وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ : فَإِنَّهُمْ تَمَسَّكُوا لِمَذْهَبِهِمْ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=67وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ) ، وَبِآثَارٍ رَوَوْهَا فِي هَذَا الْبَابِ ، وَبِالْقِيَاسِ الْمَعْنَوِيِّ .
أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِالْآيَةِ : فَإِنَّهُمْ قَالُوا : السَّكَرُ هُوَ الْمُسْكِرُ ، وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمَ الْعَيْنِ لَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا .
وَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي اعْتَمَدُوهَا فِي هَذَا الْبَابِ : فَمِنْ أَشْهَرِهَا عِنْدَهُمْ : حَدِيثُ
أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16439عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006439حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا وَالسُّكْرُ مِنْ غَيْرِهَا " وَقَالُوا : هَذَا نَصٌّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ، وَضَعَّفَهُ
أَهْلُ الْحِجَازِ لِأَنَّ بَعْضَ رُوَاتِهِ رَوَى "
وَالْمُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهَا " .
وَمِنْهَا : حَدِيثُ
شَرِيكٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16052سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=177أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006441إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الشَّرَابِ فِي الْأَوْعِيَةِ ، فَاشْرَبُوا فِيمَا بَدَا لَكُمْ وَلَا تَسْكَرُوا " خَرَّجَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيُّ .
وَرَوَوْا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : شَهِدْتُ تَحْرِيمَ النَّبِيذِ كَمَا شَهِدْتُمْ ، ثُمَّ شَهِدْتُ تَحْلِيلَهُ فَحَفِظْتُ وَنَسِيتُمْ .
وَرَوَوْا عَنْ
أَبِي مُوسَى قَالَ "
بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بِهَا شَرَابَيْنِ يُصْنَعَانِ مِنَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ : أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ : الْمِزْرُ ، وَالْآخَرُ يُقَالُ لَهُ : الْبِتْعُ ، فَمَا نَشْرَبُ ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : اشْرَبَا وَلَا تَسْكَرَا " . خَرَّجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي هَذَا الْبَابِ .
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ : فَإِنَّهُمْ قَالُوا : قَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ أَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ فِي الْخَمْرِ إِنَّمَا هِيَ الصَّدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَوُقُوعُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=91إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ . وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُوجَدُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ لَا فِيمَا دُونَ ذَلِكَ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الْحَرَامَ إِلَّا مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مِنْ تَحْرِيمِ قَلِيلِ الْخَمْرِ وَكَثِيرِهَا ، قَالُوا : وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْقِيَاسِ يُلْحَقُ بِالنَّصِّ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي يُنَبِّهُ الشَّرْعُ عَلَى الْعِلَّةِ فِيهِ .
[ ص: 390 ] وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ : حُجَّةُ الْحِجَازِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ السَّمْعِ أَقْوَى ، وَحُجَّةُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ أَظْهَرُ . وَإِذَا كَانَ هَذَا كَمَا قَالُوا فَيَرْجِعُ الْخِلَافُ إِلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي تَغْلِيبِ الْأَثَرِ عَلَى الْقِيَاسِ ، أَوْ تَغْلِيبِ الْقِيَاسِ عَلَى الْأَثَرِ إِذَا تَعَارَضَا ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا ، لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْأَثَرَ إِذَا كَانَ نَصًّا ثَابِتًا ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُغَلَّبَ عَلَى الْقِيَاسِ . وَأَمَّا إِذَا كَانَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ مُحْتَمِلًا لِلتَّأْوِيلِ فَهُنَا يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ ، هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُتَأَوَّلَ اللَّفْظُ ; أَوْ يُغَلَّبَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ ؟ وَذَلِكَ مُخْتَلِفٌ بِحَسَبِ قُوَّةِ لَفْظٍ مِنَ الْأَلْفَاظِ الظَّاهِرَةِ ، وَقُوَّةِ قِيَاسٍ مِنَ الْقِيَاسَاتِ الَّتِي تُقَابِلُهَا وَلَا يُدْرَكُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالذَّوْقِ الْعَقْلِيِّ كَمَا يُدْرَكُ الْمَوْزُونُ مِنَ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ الْمَوْزُونِ ، وَرُبَّمَا كَانَ الذَّوْقَانِ عَلَى التَّسَاوِي ; وَلِذَلِكَ كَثُرَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا النَّوْعِ حَتَّى قَالَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ : كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ .
قَالَ الْقَاضِي : وَالَّذِي يُظْهِرُ لِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006442كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " ; وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ لَا الْجِنْسُ الْمُسْكِرُ ، فَإِنَّ ظُهُورَهُ فِي تَعْلِيقِ التَّحْرِيمِ بِالْجِنْسِ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ تَعْلِيقِهِ بِالْقَدْرِ ، لِمَكَانِ مُعَارَضَةِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ لَهُ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ الْكُوفِيُّونَ ، فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُحَرِّمَ الشَّارِعُ قَلِيلَ الْمُسْكِرِ وَكَثِيرَهُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ وَتَغْلِيظًا ، مَعَ أَنَّ الضَّرَرَ إِنَّمَا يُوجَدُ فِي الْكَثِيرِ ، وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَالِ الشَّرْعِ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي الْخَمْرِ الْجِنْسَ دُونَ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ ، فَوَجَبَ كُلُّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ عِلَّةُ الْخَمْرِ أَنْ يُلْحَقَ بِالْخَمْرِ ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى مَنْ زَعَمَ وُجُودَ الْفَرْقِ إِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ ، هَذَا إِنْ لَمْ يُسَلِّمُوا لَنَا صِحَّةَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006436مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ " . فَإِنَّهُمْ إِنْ سَلَّمُوهُ لَمْ يَجِدُوا انْفِكَاكًا فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُعَارَضَ النُّصُوصُ بِالْمَقَايِيسِ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ فِي الْخَمْرِ مَضَرَّةً وَمَنْفَعَةً ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ، وَكَانَ الْقِيَاسُ إِذَا قُصِدَ الْجَمْعُ بَيْنَ انْتِقَاءِ الْمَضَرَّةِ وَوُجُودِ الْمَنْفَعَةِ أَنْ يُحَرَّمَ كَثِيرُهَا وَيُحَلَّلَ قَلِيلُهَا ; فَلَمَّا غَلَّبَ الشَّرْعُ حُكْمَ الْمَضَرَّةِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِي الْخَمْرِ ، وَمَنَعَ الْقَلِيلَ مِنْهَا وَالْكَثِيرَ ; وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يُوجَدُ فِيهِ عَلَةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ ، إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ فِي ذَلِكَ فَارِقٌ شَرْعِيٌّ .
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الِانْتِبَاذَ حَلَالٌ مَا لَمْ تَحْدُثْ فِيهِ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ الْخَمْرِيَّةُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006443فَانْتَبِذُوا وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " . وَلِمَا ثَبَتَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
أَنَّهُ كَانَ يَنْتَبِذُ ، وَأَنَّهُ كَانَ يُرِيقُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ " .
وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ :
إِحْدَاهُمَا : فِي الْأَوَانِي الَّتِي يُنْتَبَذُ فِيهَا .
وَالثَّانِيَةُ : فِي انْتِبَاذِ شَيْئَيْنِ ، مِثْلَ الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ ، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ .