[ المسألة الثانية ]
[ شروط الإحصان ]
وأما الإحصان فإنهم اتفقوا على أنه من
nindex.php?page=treesubj&link=10356_10344شرط الرجم . واختلفوا في شروطه ، فقال
مالك : البلوغ والإسلام والحرية والوطء في عقد صحيح ، وحالة جائز فيها الوطء ، ( والوطء المحظور عنده : هو الوطء في الحيض أو في الصيام ) ، فإذا زنى بعد الوطء الذي بهذه الصفة - وهو بهذه الصفات - فحده عنده الرجم ، ووافق
أبو حنيفة مالكا في هذه الشروط إلا في الوطء المحظور; واشترط في الحرية أن تكون من الطرفين ( أعني : أن يكون الزاني والزانية حرين ) ، ولم يشترط الإسلام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وعمدة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ما رواه
مالك عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وهو حديث متفق عليه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006852أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم اليهودية واليهودي اللذين زنيا " إذ رفع إليه أمرهما اليهود ، والله تعالى يقول (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) .
وعمدة
مالك من طريق المعنى أن الإحصان عنده فضيلة ولا فضيلة مع عدم الإسلام ، وهذا مبناه على أن الوطء في نكاح صحيح هو مندوب إليه ، فهذا هو حكم الثيب .
وأما الأبكار فإن المسلمين أجمعوا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=10378_33507حد البكر في الزنى الجلد مائة لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) واختلفوا في التغريب مع الجلد ، فقال
أبو حنيفة وأصحابه : لا تغريب أصلا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا بد من التغريب مع الجلد لكل زان ذكرا كان أو أنثى ، حرا كان أو عبدا ، وقال
مالك : يغرب الرجل ولا تغرب المرأة ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، ولا تغريب عند
مالك على العبيد .
[ ص: 749 ] فعمدة من أوجب التغريب على الإطلاق حديث
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت المتقدم وفيه "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006853البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " ، وكذلك ما خرج أهل الصحاح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ،
وزيد بن خالد الجهني أنهما قالا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006854 " إن رجلا من الأعراب أتى النبي - عليه الصلاة والسلام - قال : يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله ، فقال الخصم وهو أفقه منه : نعم اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : قل ، قال : إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته ، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديته بمائة شاة ووليدة ، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وأن على امرأة هذا الرجم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله : أما الوليدة والغنم فرد عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ، فغدا عليها أنيس فاعترفت ، فأمر النبي - عليه الصلاة والسلام - بها فرجمت " . ومن خصص المرأة من هذا العموم فإنما خصصه بالقياس ; لأنه رأى أن المرأة تعرض بالغربة لأكثر من الزنى ، وهذا من القياس المرسل ( أعني : المصلحي الذي كثيرا ما يقول به
مالك ) .
وأما عمدة الحنفية فظاهر الكتاب ، وهو مبني على رأيهم أن الزيادة على النص نسخ وأنه ليس ينسخ الكتاب بأخبار الآحاد . ورووا عن
عمر وغيره أنه حد ولم يغرب . وروى الكوفيون عن
أبي بكر وعمر أنهم غربوا .
وأما حكم العبيد في هذه الفاحشة ، فإن العبيد صنفان : ذكور ، وإناث .
أما الإناث فإن العلماء أجمعوا على أن الأمة إذا تزوجت وزنت أن حدها خمسون جلدة لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) واختلفوا إذا لم تتزوج ، فقال جمهور فقهاء الأمصار : حدها خمسون جلدة ، وقالت طائفة : لا حد عليها ، وإنما عليها تعزير فقط ، وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، وقال قوم : لا حد على الأمة أصلا .
والسبب في اختلافهم الاشتراك الذي في اسم الإحصان في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فإذا أحصن ) فمن فهم من الإحصان التزوج وقال بدليل الخطاب قال : لا تجلد غير المتزوجة ، ومن فهم من الإحصان الإسلام جعله عاما في المتزوجة وغيرها .
واحتج من لم ير على غير المتزوجة حدا بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني nindex.php?page=hadith&LINKID=1006855أن النبي - عليه الصلاة والسلام - سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ، فقال : " إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير " .
وأما الذكر من العبيد ، ففقهاء الأمصار على أن حد العبد نصف حد الحر قياسا على الأمة ، وقال
أهل الظاهر : بل حده مائة جلدة مصيرا إلى عموم قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) ولم يخصص حرا من عبد . ومن الناس من درأ الحد قياسا على الأمة وهو شاذ . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . فهذا هو القول في أصناف الحدود وأصناف المحدودين والشرائط الموجبة للحد في واحد واحد منهم .
ويتعلق بهذا القول في كيفية الحدود ، وفي وقتها .
[ ص: 750 ] [
nindex.php?page=treesubj&link=10394كيف تقام الحدود ؟ ]
فأما كيفيتها فمن مشهور المسائل الواقعة في هذا الجنس اختلافهم في
nindex.php?page=treesubj&link=10406_10404_26354_10397_10396الحفر للمرجوم ، فقالت طائفة : يحفر له ، وروي ذلك عن
علي في
شراحة الهمدانية حين أمر برجمها ، وبه قال :
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور ، وفيه : " فلما كان يوم الجمعة أخرجها فحفر لها حفيرة فأدخلت فيها وأحدق الناس بها يرمونها ، فقال : ليس هكذا الرجم إني أخاف أن يصيب بعضكم بعضا ، ولكن صفوا كما تصفون في الصلاة ، ثم قال : الرجم رجمان : رجم سر ورجم علانية ، فما كان منه إقرار فأول من يرجم الإمام ثم الناس ، وما كان ببينة فأول من يرجم البينة ثم الإمام ثم الناس . وقال
مالك وأبو حنيفة : لا يحفر للمرجوم ، وخير في ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقيل عنه : يحفر للمرأة فقط .
وعمدتهم ما خرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم من حديث
جابر ، قال
جابر : فرجمناه بالمصلى ، فلما أذلقته الحجارة فر ، فأدركناه بالحرة فرضخناه . وقد روى
مسلم أنه حفر له في اليوم الرابع حفرة . وبالجملة فالأحاديث في ذلك مختلفة . قال
أحمد : أكثر الأحاديث على أن لا حفر .
وقال
مالك : يضرب في الحدود الظهر وما يقاربه ، وقال
أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : يضرب سائر الأعضاء ويتقى الفرج والوجه ، وزاد
أبو حنيفة الرأس .
ويجرد الرجل عند
مالك في ضرب الحدود كلها ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأبي حنيفة ما عدا القذف على ما سيأتي بعد ، ويضرب عند الجمهور قاعدا ولا يقام قائما خلافا لمن قال : إنه يقام لظاهر الآية .
ويستحب عند الجميع أن يحضر الإمام عند إقامة الحدود طائفة من الناس لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) . واختلفوا فيما يدل عليه اسم الطائفة ، فقال
مالك : أربعة ، وقيل : ثلاثة ، وقيل : اثنان ، وقيل : سبعة ، وقيل : ما فوقها .
[
nindex.php?page=treesubj&link=10392_10421وقت إقامة الحد ]
أما الوقت ، فإن الجمهور على أنه لا يقام في الحر الشديد ولا في البرد ، ولا يقام على المريض ، وقال قوم : يقام ، وبه قال
أحمد ،
وإسحاق ، واحتجا بحديث
عمر أنه أقام الحد على
قدامة وهو مريض .
وسبب الخلاف معارضة أهل الظواهر للمفهوم من الحد ، وهو أن يقام حيث لا يغلب على ظن المقيم له فوات نفس المحدود .
فمن نظر إلى الأمر بإقامة الحدود مطلقا من غير استثناء قال : يحد المريض ، ومن نظر إلى المفهوم من الحد قال : لا يحد المريض حتى يبرأ ، وكذلك الأمر في شدة الحر والبرد .
[ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ]
[ شُرُوطُ الْإِحْصَانِ ]
وَأَمَّا الْإِحْصَانُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10356_10344شَرْطِ الرَّجْمِ . وَاخْتَلَفُوا فِي شُرُوطِهِ ، فَقَالَ
مَالِكٌ : الْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْوَطْءُ فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ ، وَحَالَةٌ جَائِزٌ فِيهَا الْوَطْءُ ، ( وَالْوَطْءُ الْمَحْظُورُ عِنْدَهُ : هُوَ الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي الصِّيَامِ ) ، فَإِذَا زَنَى بَعْدَ الْوَطْءِ الَّذِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ - وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ - فَحَدُّهُ عِنْدَهُ الرَّجْمُ ، وَوَافَقَ
أَبُو حَنِيفَةَ مَالِكًا فِي هَذِهِ الشُّرُوطِ إِلَّا فِي الْوَطْءِ الْمَحْظُورِ; وَاشْتَرَطَ فِي الْحُرِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ ( أَعْنِي : أَنْ يَكُونَ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ حُرَّيْنِ ) ، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْإِسْلَامَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ .
وَعُمْدَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ مَا رَوَاهُ
مَالِكٌ عَنْ
نَافِعٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006852أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ الْيَهُودِيَّةَ وَالْيَهُودِيَّ اللَّذَيْنِ زَنَيَا " إِذْ رَفَعَ إِلَيْهِ أَمْرَهُمَا الْيَهُودُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) .
وَعُمْدَةُ
مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ الْإِحْصَانَ عِنْدَهُ فَضِيلَةٌ وَلَا فَضِيلَةَ مَعَ عَدَمِ الْإِسْلَامِ ، وَهَذَا مَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ هُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ ، فَهَذَا هُوَ حُكْمُ الثَّيِّبِ .
وَأَمَّا الْأَبْكَارُ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10378_33507حَدَّ الْبِكْرِ فِي الزِّنَى الْجَلْدُ مِائَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) وَاخْتَلَفُوا فِي التَّغْرِيبِ مَعَ الْجَلْدِ ، فَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ : لَا تَغْرِيبَ أَصْلًا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَا بُدَّ مِنَ التَّغْرِيبِ مَعَ الْجَلْدِ لِكُلِّ زَانٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا ، وَقَالَ
مَالِكٌ : يُغَرَّبُ الرَّجُلُ وَلَا تُغَرَّبُ الْمَرْأَةُ ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيُّ ، وَلَا تَغْرِيبَ عِنْدَ
مَالِكٍ عَلَى الْعَبِيدِ .
[ ص: 749 ] فَعُمْدَةُ مَنْ أَوْجَبَ التَّغْرِيبَ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمُتَقَدِّمُ وَفِيهِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006853الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ " ، وَكَذَلِكَ مَا خَرَّجَ أَهْلُ الصِّحَاحِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ،
وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006854 " إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ أَتَى النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَّا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ ، فَقَالَ الْخَصْمُ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ : نَعَمْ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : قُلْ ، قَالَ : إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ : أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ ، وَاغَدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ، فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَاعْتَرَفَتْ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِهَا فَرُجِمَتْ " . وَمَنْ خَصَّصَ الْمَرْأَةَ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ فَإِنَّمَا خَصَّصَهُ بِالْقِيَاسِ ; لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَرَّضُ بِالْغُرْبَةِ لِأَكْثَرَ مِنَ الزِّنَى ، وَهَذَا مِنَ الْقِيَاسِ الْمُرْسَلِ ( أَعْنِي : الْمَصْلَحِيَّ الَّذِي كَثِيرًا مَا يَقُولُ بِهِ
مَالِكٌ ) .
وَأَمَّا عُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ فَظَاهِرُ الْكِتَابِ ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيِهِمْ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ يَنْسَخُ الْكِتَابَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ . وَرَوَوْا عَنْ
عُمَرَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ حَدَّ وَلَمْ يُغَرِّبْ . وَرَوَى الْكُوفِيُّونَ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمْ غَرَّبُوا .
وَأَمَّا حُكْمُ الْعَبِيدِ فِي هَذِهِ الْفَاحِشَةِ ، فَإِنَّ الْعَبِيدَ صِنْفَانِ : ذُكُورٌ ، وَإِنَاثٌ .
أَمَّا الْإِنَاثُ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ وَزَنَتْ أَنَّ حَدَّهَا خَمْسُونَ جَلْدَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ) وَاخْتَلَفُوا إِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ ، فَقَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ : حَدُّهَا خَمْسُونَ جَلْدَةً ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَا حَدَّ عَلَيْهَا ، وَإِنَّمَا عَلَيْهَا تَعْزِيرٌ فَقَطْ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَقَالَ قَوْمٌ : لَا حَدَّ عَلَى الْأَمَةِ أَصْلًا .
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمُ الِاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي اسْمِ الْإِحْصَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فَإِذَا أُحْصِنَّ ) فَمَنْ فَهِمَ مِنَ الْإِحْصَانِ التَّزَوُّجَ وَقَالَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ قَالَ : لَا تُجْلَدُ غَيْرُ الْمُتَزَوِّجَةِ ، وَمَنْ فَهِمَ مِنَ الْإِحْصَانِ الْإِسْلَامَ جَعَلَهُ عَامًّا فِي الْمُتَزَوِّجَةِ وَغَيْرِهَا .
وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ عَلَى غَيْرِ الْمُتَزَوِّجَةِ حَدًّا بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ nindex.php?page=hadith&LINKID=1006855أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ ، فَقَالَ : " إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنَّ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ " .
وَأَمَّا الذَّكَرُ مِنَ الْعَبِيدِ ، فَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ قِيَاسًا عَلَى الْأَمَةِ ، وَقَالَ
أَهْلُ الظَّاهِرِ : بَلْ حَدُّهُ مِائَةُ جَلْدَةٍ مَصِيرًا إِلَى عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) وَلَمْ يُخَصِّصْ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ دَرَأَ الْحَدَّ قِيَاسًا عَلَى الْأَمَةِ وَهُوَ شَاذٌّ . وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ . فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ فِي أَصْنَافِ الْحُدُودِ وَأَصْنَافِ الْمَحْدُودِينَ وَالشَّرَائِطِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ فِي وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ .
وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي كَيْفِيَّةِ الْحُدُودِ ، وَفِي وَقْتِهَا .
[ ص: 750 ] [
nindex.php?page=treesubj&link=10394كَيْفَ تُقَامُ الْحُدُودُ ؟ ]
فَأَمَّا كَيْفِيَّتُهَا فَمِنْ مَشْهُورِ الْمَسَائِلِ الْوَاقِعَةِ فِي هَذَا الْجِنْسِ اخْتِلَافُهُمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=10406_10404_26354_10397_10396الْحَفْرِ لِلْمَرْجُومِ ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يُحْفَرُ لَهُ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
عَلِيٍّ فِي
شُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةِ حِينَ أَمَرَ بِرَجْمِهَا ، وَبِهِ قَالَ :
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبُو ثَوْرٍ ، وَفِيهِ : " فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ أَخْرَجَهَا فَحَفَرَ لَهَا حَفِيرَةً فَأُدْخِلَتْ فِيهَا وَأَحْدَقَ النَّاسُ بِهَا يَرْمُونَهَا ، فَقَالَ : لَيْسَ هَكَذَا الرَّجْمُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُصِيبَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَلَكِنْ صُفُّوًا كَمَا تَصُفُّونَ فِي الصَّلَاةِ ، ثُمَّ قَالَ : الرَّجْمُ رَجْمَانِ : رَجْمُ سِرٍّ وَرَجْمُ عَلَانِيَةٍ ، فَمَا كَانَ مِنْهُ إِقْرَارٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ ، وَمَا كَانَ بِبَيِّنَةٍ فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ . وَقَالَ
مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُحْفَرُ لِلْمَرْجُومِ ، وَخَيَّرَ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ، وَقِيلَ عَنْهُ : يُحْفَرُ لِلْمَرْأَةِ فَقَطْ .
وَعُمْدَتُهُمْ مَا خَرَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
جَابِرٍ ، قَالَ
جَابِرٌ : فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى ، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ فَرَّ ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَضَخْنَاهُ . وَقَدْ رَوَى
مُسْلِمٌ أَنَّهُ حُفِرَ لَهُ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ حُفْرَةٌ . وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ . قَالَ
أَحْمَدُ : أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنْ لَا حَفْرَ .
وَقَالَ
مَالِكٌ : يُضْرَبُ فِي الْحُدُودِ الظَّهْرُ وَمَا يُقَارِبُهُ ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : يُضْرَبُ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ وَيُتَّقَى الْفَرْجُ وَالْوَجْهُ ، وَزَادَ
أَبُو حَنِيفَةَ الرَّأْسَ .
وَيُجَرَّدُ الرَّجُلُ عِنْدَ
مَالِكٍ فِي ضَرْبِ الْحُدُودِ كُلِّهَا ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ مَا عَدَا الْقَذْفَ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَعْدُ ، وَيُضْرَبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ قَاعِدًا وَلَا يُقَامُ قَائِمًا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : إِنَّهُ يُقَامُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ .
وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَنْ يُحْضِرَ الْإِمَامُ عِنْدَ إِقَامَةِ الْحُدُودِ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) . وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اسْمُ الطَّائِفَةِ ، فَقَالَ
مَالِكٌ : أَرْبَعَةٌ ، وَقِيلَ : ثَلَاثَةٌ ، وَقِيلَ : اثْنَانِ ، وَقِيلَ : سَبْعَةٌ ، وَقِيلَ : مَا فَوْقَهَا .
[
nindex.php?page=treesubj&link=10392_10421وَقْتُ إِقَامَةِ الْحَدِّ ]
أَمَّا الْوَقْتُ ، فَإِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَامُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَلَا فِي الْبَرْدِ ، وَلَا يُقَامُ عَلَى الْمَرِيضِ ، وَقَالَ قَوْمٌ : يُقَامُ ، وَبِهِ قَالَ
أَحْمَدُ ،
وَإِسْحَاقُ ، وَاحْتَجَّا بِحَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى
قُدَامَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ مُعَارَضَةُ أَهْلِ الظَّوَاهِرِ لِلْمَفْهُومِ مِنَ الْحَدِّ ، وَهُوَ أَنْ يُقَامَ حَيْثُ لَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْمُقِيمِ لَهُ فَوَاتُ نَفْسِ الْمَحْدُودِ .
فَمَنْ نَظَرَ إِلَى الْأَمْرِ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ قَالَ : يُحَدُّ الْمَرِيضُ ، وَمَنْ نَظَرَ إِلَى الْمَفْهُومِ مِنَ الْحَدِّ قَالَ : لَا يُحَدُّ الْمَرِيضُ حَتَّى يَبْرَأَ ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ .