[ ص: 41 ] المسألة الثانية
إنما : تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين
أحدهما : فهم مقاصد الشريعة على كمالها .
[ ص: 42 ] والثاني : التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها .
أما الأول : فقد مر في كتاب المقاصد أن الشريعة مبنية على اعتبار المصالح ، وأن المصالح إنما اعتبرت من حيث وضعها الشارع كذلك ، لا من حيث إدراك المكلف; إذ المصالح تختلف عند ذلك بالنسب والإضافات .
[ ص: 43 ] واستقر بالاستقراء التام أن المصالح على ثلاث مراتب ، فإذا بلغ الإنسان مبلغا فهم عن الشارع فيه قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة ، وفي كل باب من أبوابها; فقد حصل له وصف هو السبب في تنزله منزلة الخليفة للنبي صلى الله عليه وسلم في التعليم والفتيا والحكم بما أراه الله .
وأما الثاني : فهو كالخادم للأول ، فإن التمكن من ذلك إنما هو بواسطة معارف محتاج إليها في فهم الشريعة أولا ، ومن هنا كان خادما للأول وفي [ ص: 44 ] استنباط الأحكام ثانيا ، لكن لا تظهر ثمرة الفهم إلا في الاستنباط; فلذلك جعل شرطا ثانيا ، وإنما كان الأول هو السبب في بلوغ هذه المرتبة; لأنه المقصود ، والثاني وسيلة .
لكن هذه المعارف تارة يكون الإنسان عالما بها مجتهدا فيها ، وتارة يكون حافظا لها متمكنا من الاطلاع على مقاصدها غير بالغ رتبة الاجتهاد فيها ، وتارة يكون غير حافظ ولا عارف; إلا أنه عالم بغايتها ، وأن له افتقارا إليها في مسألته التي يجتهد فيها; فهو بحيث إذا عنت له مسألة ينظر فيها زاول أهل المعرفة بتلك المعارف المتعلقة بمسألته ، فلا يقضي فيها إلا بمشورتهم ، وليس بعد هذه المراتب الثلاث مرتبة يعتد بها في نيل المعارف المذكورة .
فإن كان مجتهدا فيها كما كان مالك في علم الحديث ، في علم الأصول ، فلا إشكال ، وإن كان متمكنا من الاطلاع على مقاصدها كما قالوا في والشافعي الشافعي وأبي حنيفة في علم الحديث فكذلك أيضا لا إشكال في صحة اجتهاده ، وإن كان القسم الثالث; فإن تهيأ له الاجتهاد في استنباط الأحكام مع [ ص: 45 ] كون المجتهد في تلك المعارف كذلك; فكالثاني ، وإلا فكالعدم .